قاسم قصير | كاتب وباحث لبناني
على الرغم من كثرة الهموم الداخلية التي تشغل بال حزب الله هذه الأيام، فإنّ ذلك لم يمنع مراكز الدراسات والتفكير والتخطيط لديه من الاهتمام أيضاً بالشعار الذي رفعه أمينه العام السيد حسن نصر الله قبل حوالي الشهر: إنّ مصير القدس وفلسطين يستحقّ خوض حرب إقليمية شاملة.
فخلال الأسابيع الماضية عقد العديد من المؤسسات الإعلامية التي يشرف عليها حزب الله، وكذلك مجموعة من الباحثين والإعلاميين والمحلّلين الناشطين في إطار “اللقاء الوطني الإعلامي”، سلسلة لقاءات واجتماعات من أجل دراسة كيفيّة مواكبة التطوّرات في فلسطين والقدس، وكيف يمكن إعداد الرأي العامّ اللبناني والعربي والإسلامي من أجل المشاركة في أيّة حرب إقليمية قادمة تحت عنوان “الدفاع عن القدس وفلسطين مسؤولية عربية وإسلامية ومسيحية وعالمية”.
يفيد المسؤولون عن عقد هذه الورشات البحثية والإعلامية أنّ اندلاع حرب إقليمية في المنطقة من أجل الدفاع عن القدس وفلسطين لم يعُد بعيداً عن الواقع، فمعركة “سيف القدس” الأخيرة التي خاضها الشعب الفلسطيني دفاعاً عن القدس كانت اختباراً أوّليّاً لكيفية تحريك الرأي العام العربي والعالمي من أجل استعادة الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وأنّه على الرغم من الهموم الداخلية التي تشغل بال الأقطار العربية، والضغوط الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية في كلّ قطر عربي، فإنّ ذلك لم يمنع الجماهير العربية من التفاعل مع القضية الفلسطينية والمشاركة في التظاهرات والتحرّكات الإعلامية والشعبية دفاعاً عن القدس وفلسطين، وهذا يؤكّد أنّ هذه القضية لا تزال حاضرة في الوجدان العربي والإسلامي والمسيحي والإنساني العالمي.
ومع أنّ المشرفين على عقد هذه الورشات البحثية والفكرية والإعلامية يدركون حجم العقبات والهموم والمشاكل التي تشغل بال الرأي العام اللبناني والعربي، فإنّهم يصرّون على استكمال عقد هذه الورشات في بيروت وعدد من العواصم العربية والإسلامية، والهدف هو وضع خطة متكاملة من أجل استعادة الاهتمام بقضية القدس وفلسطين، واستعادة الشعار المركزي الذي كان يرفع في الستّينيّات والسبعينيّات من القرن الماضي: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
وخلال إحدى الورشات التي عُقِدت أخيراً في بيروت، بحضور حوالي أربعين شخصية ناشطة في المجال الإعلامي والقانوني والتاريخي والسياسي والعسكري، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بُحِث عدد من الخطط والمشاريع الإعلامية والفكرية من أجل مواجهة الحرب الإعلامية التي تتعرّض لها المقاومة اليوم، وكيفيّة استعادة زمام المبادرة في مواجهة الحملات المتعدّدة التي تحاول تشويه صورة المقاومة وحزب الله، وكيفيّة الردّ على الحملات المتصاعدة، ولا سيّما بعد التطوّرات الأخيرة التي شهدها لبنان خلال الأسبوعين الأخيرين.
ويبدو لمن يراقب ما يجري في لبنان والدول العربية، أنّ الضغوط المعيشية والاجتماعية والاقتصادية ستدفع شعوب هذه المنطقة إلى الغرق في تفاصيل الهموم الداخلية، وعدم إعطاء الأولويّة لقضية مواجهة الاحتلال الصهيوني وقضية القدس وفلسطين، لكنّ مَن يطّلع على حجم الاستعدادات، التي تجري بين دول محور المقاومة ميدانياً وإعلامياً وسياسياً، يكتشف أنّ قضية الصراع مع العدو الصهيوني أصبحت حاضرة بقوّة في الخطط الميدانية والعملية، وأنّ تحويل أيّ اشتباك محدود بين قوى هذا المحور والكيان الصهيوني، إلى حرب إقليمية واسعة وشاملة، ليس بعيداً عن الواقع.
فهل ما يجري هو محاولة لاستعادة زمام المبادرة في ظلّ ما يواجهه الحزب من ضغوط وحملات إعلامية ومتغيِّرات في البيئات الشعبية اللبنانية؟ أم نحن حقيقةً أمام خطة جديدة وعمليّة للدخول في حرب إقليمية واسعة لا يمكن تحديد ساعة الصفر لها، لكن كلّ المؤشّرات تؤكّد الإعداد لها جدّيّاً؟