الحزب .. الى الهجوم درّ
عبدالله قمح – كاتب لبناني
شكَّل حزب الله مضرباً للمثل في ما له صلة بقدرة التّحمل. حينما كان يتعرّض أحدٌ ما على الضفّة السياسية لـ”تحرّش لفظي” ويصمت يُقال له إنك “تُشبه حزب الله”، بمعنى أنك تتلقّى الصدمات وتمتصّها بهدوء ومن دون أي ردة فعل تذكر… لكن هذه الميزة أفل زمانها، يُغادرها الحزب او يكاد!
تخلّى حزب الله عن منطق تعفّفه، بات ينحو أكثر صوب إعتماد الاساليب الفجة، بالمعنى القانوني، والآن، ومع حلول زمن المراهنة على إرساء تبدّلات على المستوى الشعبي والسياسي واستثمار عوامل تشويه الصورة بكثرة، لجأ الحزب بدوره إلى إرساء تغييرات طالت عدداً من مندرجاته الفكرية وتكتيكاته، لعلّ أبرزها مزاولة مهنة اللجوء إلى القضاء لملاحقة “المضللين” متى دعت الحاجة إلى ذلك.
شهدَ القضاء على عدة قضايا مؤخراً تقدّم بها حزب الله من خلال محامين توزعوا بين أعضاء في كتلة الوفاء للمقاومة او من خلال “تجمّع محامي حزب الله”، شملت شخصياتٍ سياسية معروفة بمدى جنوحها في خصومة حزب الله إلى حدود الحقد، على رأسها الوزير السابق أشرف ريفي والنائب السابق فارس سعيد. ويبدو من خلال استقاء أجواء حزب الله أن ثمة قائمة أخرى مدرجة على رأس لائحة أهداف الحزب “القانونية”.
يُعدّ هذا التحوّل بمثابة إختراق نوعي في صفوف الصورة النمطية التي أرساها حزب الله “المسالم سياسياً”، أي الميزة التي استغلّها البعض من خصومه للتسلّل من خلالها إلى محاولة تشوية صورته، أو المراهنة على صمته في تمرير أضاليل سياسية، بات يعتبر الحزب انها تؤثّر عليه شعبياً، بحكم الحملة.
ما مثّل نقطة تحوّل بالنسبة إلى الحزب هو إنفجار الرابع من آب وما حمله من إتهامات متنوعة طالته كجهة متّهمة أو هكذا يُراد أن يصوّر، جميعها يتصل بأدوار حزب الله المفترضة التي لم يجرِ تثبيتها ولو بدليل واحد، وهو ما عزّز الشعور بأن إنفجار المرفأ قد يكون مفتعلاً بهدف استثماره في مزيدٍ من الحرتقة في وجه حزب الله، والحملة التي واكبت التفجير تحمل معانٍ واضحة لا تقبل الجدل في هذا الخصوص.
ما توقّفَ عنده الحزب بالضبط، كمية الاستثمار التي طالت تلك الأدوار المفتعلة والتي يجري تسويقها بقوة، سواء من خلال ماكينات إعلامية أو سياسية، وتستهدف بدرجة أولى سكان بيروت من المسيحيين تحديداً وعبرهم إلى الفئة المسيحية الاوسع انتشاراً، بحيث يتعمّد البعض إظهار حزب الله بصفته متورّطاً في تدمير تلك المنطقة أو “تهجير المسيحيين” منها وهو ما ينعكس سلباً على صورة الحزب.
ومع أن الحملة واسعة ويستخدم من أجل إذكاء نيرانها خدمات أكثر من طرف سياسي وإعلامي، لكن عناية الحقيقة تتدخل دوماً لتذليل اللبوس الذي يسعى البعض إلى الصاقه بالحزب.
فمثلاً، لم يثبت إلى حينه أن حزب الله قام بتخزين صواريخ أو مواد متفجرة في المرفأ، بشهادة المحققين الدوليين الذين حضروا إلى لبنان وشاركوا في عمليات مسح منطقة الانفجار.
وفي حالة الادّعاء بضلوع الحزب في إستقدام نيترات الامونيوم وتخزينها فهي بقيت ضمن إطار “نظرية الاتهام السياسي” بحيث لم يعثر على دليلاً واحد يثبت ذلك، فضلاً عن أن البحث ما يزال جارياً عن الجهة “المجهولة”. أضف إلى ذلك أن إمكانية تورّط الحزب تكاد تكون معدومة لطبيعة وجود قوات “اليونيفيل” في المرفأ أو في المياه الاقليمية اللبنانية.
وفي ما له صلة بالفجوة التي تسلّل عبرها البعض وقاموا بسرقة كميات هائلة من المواد –كما يقال، فثمة من يستبعد فرضية تورّط الحزب ايضاً، لعامل مهم، أن حزب الله لا يستخدم عادةً هذه المواد لكونه يعتمد “التكنولوجيا الحديثة في الصناعات العسكرية”. بالتوازي، ثمة مقولة راجت مؤخراً وتظهر وعلى نحوٍ واضح، أن عمليات التفجير الانتحارية وغير الانتحارية التي شهدتها سوريا زادت وتيرتها منذ أن حطّت الباخرة المشؤومة في المرفأ اللبناني. وبهذا المعنى قد يكون ثمة مستفيد أو أكثر من تخزين المواد، ومستفيد وأكثر من إزالة أي دليل قد يفصح عن الجهة التي وقفت خلف ما جرى طيلة أعوام خلت، وهذا ما يعزز فرضية التخلص مما بقيَ من الشحنة عقب انكشاف أمرها على المستوى السياسي التنفيذي وتحوّل إلى جهة بحث وتنقيب.
ثمة عامل إضافي ايضاً استخدم في محاولات الايحاء بوجود أدوار مشبوهة لحزب الله. فبعيد حصول التفجير، حصلت عمليات تصفية جسدية “ملتبسة” طالت العقيد المتقاعد في الجمارك منير أبو رجيلي والمصوّر جوزف بجاني. بالنسبة إلى الاول، تبين أنه لم يسبق له أن خدم في المرفأ بخلاف ما كان ينشر بل خدم في مطار بيروت. وفي ما له صلة بالمصور بجاني، فقد تولت عائلته فضح ما تم تزويره وتوزيعه من معلومات حول قيامه بتصوير “أشياء ما في المرفأ”، حين أكدت وجوده في المستشفى لحظة وقوع التفجير ولم يقم بأي نشاط إعلامي يذكر حينها!
هذه عيّنة من مشروع تشويه صورة حزب الله، وعيّنة من إجراءات الحزب القابلة للتوسع أكثر تبعاً لحركة إستهدافه على أكثر من ملف.
ليبنانون ديبايت