وبينما يذهب مراقبون إلى أن إعلان السلطات الإثيوبية السيطرة على العاصمة الإقليمية مقلي وانتهاء “عملية إنفاذ القانون” يقلد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وسام النصر في المعركة، يرى آخرون أن التقارير حول استمرار المعارك في بعض المناطق، وعدم التمكن من القبض على القيادة العسكرية والسياسية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، تترك الباب مفتوحاً لسيناريو الحرب الأهلية المحتملة.
إرتريا الشريك الصامت
لطالما كانت العلاقة بين الرئيس الإرتري أسياس أفورقي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مثار انتباه للتسارع المستمر في تطوراتها إلى حلف بين الطرفين عدوه الرئيسي التيغراي في شمالي إثيوبيا، ورغم النفي الإثيوبي والإرتري الرسمي لانخراط الأخيرة في المعركة فقد وردت تقارير متعددة آخرها ما نشرته وكالة رويترز عن أن الولايات المتحدة اعتماداً على صور الأقمار الصناعة ومراكز التجسس تعتقد بهذه المشاركة.
ولذا تعد أسمرة أكثر المتأثرين بالنتائج المحتملة لما يحدث في تيغراي، حيث تذهب التقديرات إلى أن انتصار أديس أبابا على عدوها سيمثل نصراً أكبر للرئيس الإرتري أسياس أفورقي، الذي سيوظف استعادة الأراضي الإرترية المحتلة من قبل تيغراي لبناء شرعية جديدة، وتسويقها كانتصار تاريخي لنظامه يبرر كل الإجراءات التي مارسها في البلاد بذريعة التهديد المتمثل في الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي لعقدين من الزمن.
كما سيفتح الباب أمام تفاهمات بين أديس وأسمرة تتم برعاية إقليمية لنوع من الشراكة من البلدين على ضوء اتفاقات السلام التي كانت أسمرة تعرقل التوقيع عليها حتى التخلص من جبهة تحرير التيغراي أولاً.
وفي حال تورط إثيوبيا في مستنقع الحرب الأهلية، فسيكون إقليم تيغراي المحاذي لإرتريا الخاصرة الأمنية الأكثر إقلاقاً لأسمرة، وقد يعيد التاريخ نفسه على الجهة الأخرى من الحدود بتحولها إلى منصة لمعارضة عسكرية نشطة للنظام الإرتري.
وكانت الجبهة الشعبية لتحرير تغراي قصفت العاصمة الإرترية أسمرة ومدناً أخرى على خلفية اتهامها النظام الإرتري بالمشاركة في المعارك بجانب الجيش الفيدرالي.
السودان أعباء ومخاطر
يعد موقف السودان حساساً للغاية تجاه ما يجري في الجارة إثيوبيا، فقد شهد تدفق الآلاف من اللاجئين الفارين من أوار الصراع هناك وقدر عدد اللاجئين بنحو 50 ألفاً، كما توقعت مؤسسات أممية أن تبلغ الأرقام مئة ألف في الأشهر الستة القادمة حال استمرار النزاع.
وهو ما يمثل عبئاً كبيراً على السودان الذي يئن من تردي الأوضاع اقتصادية وكارثة الفيضانات التي اجتاحته الصيف الماضي.
بجانب الخلاف على إجراءات ملء سد النهضة الذي تمثل في انسحاب وزير الري السوداني من اجتماع ثلاثي بخصوص السد واعتراضه على الطريقة التي تمت بها المفاوضات طوال الفترة الماضية، تمثل منطقة الفشقة السودانية التي تحتلها إثيوبيا مصدراً آخر لمخاوف السودان من تطورات الأوضاع في إثيوبيا.
حيث يعتقد الأمهرة الحليف السياسي والعسكري الرئيسي لأحمد أن هذه الأراضي تتبع تاريخياً لإقليمهم ويصر القوميون منهم على استمرار السيطرة الإثيوبية عليها، وهو ما يمثل مصدر تعقيد لهذا الملف في حال انتصار أحمد وحلفائه من الأمهرة في الحرب الحالية.
وقد كان ملاحظاً دخول القوات السودانية إلى مثلث الفشقة وبسط سيطرتها على أجزاء منه الأسبوع الماضي، حيث أشار مراقبون إلى أن هذا التدخل قد يكون رسالة إلى أديس أبابا تضاف إلى المناورتين اللتين شارك فيهما الجيش السوداني “نسور النيل” مع الجيش المصري، و”سيف العرب” مع مجموعة من الجيوش في مصر المنافس الأبرز لإثيوبيا.
وفشل الطرفين في حل المسائل العالقة بينهما قد يؤدي إلى انزلاق البلدين إلى حروب وكالة للخرطوم وأديس أبابا وحلفائهما، كانت مشتعلة في تسعينيات القرن الماضي.
الصومال الهش تزداد مخاوفه
يعاني الصومال من الحرب الأهلية المدمّرة منذ عام 1990، و بالإضافة إلى وجود 15 ألف جندي إثيوبي داخل البلاد بترتيبات ثنائية مع مقديشو فإن القوات الإثيوبية المقدرة بـ4 آلاف جندي تمثل العمود الفقري لقوة حفظ السلام الإفريقية في الصومال (أميصوم)، وتتركز مخاوف الصومال في حال استمرار النزاع في إثيوبيا في اضطرار أديس أبابا إلى سحب قواتها، وأوردت بلومبيرغ نبأ عن سحب الأخيرة 3000 جندي مع احتدام المعارك في تيغراي.
تزداد هذه المخاوف مع سحب الولايات المتحدة الأمريكية للجزء الأعظم من قواتها، وسحب الاتحاد الإفريقي المتوقع لقواته فبراير/شباط 2021، مما قد يخلق فراغاً أمنياً في البلاد المقبلة على انتخابات حاسمة مطلع العام القادم تتمدد فيه جماعة الشباب الإرهابية التي ازداد نشاطها في الأيام المنصرمة، مما يزيد من مخاوف الرئيس الصومالي من فقدان دعم حليف قوي كرئيس الوزراء الإثيوبي في حال انشغاله التام بمعاجلة الأوضاع في بيته الداخلي.
كما يمثل انتصار الأخير دفعة كبيرة للحلف الكوشي الثلاثي (إرتريا، إثيوبيا، الصومال)، ويذهب مراقبون إلى أن الأسلوب الإثيوبي في مكافحة التمرد قد ينتهجه فرماجو الذي تربطه علاقات شخصية قوية بأحمد، في إخضاع أقاليم صومالية للحكم المركزي لمقديشو بدعم من قوات إرترية وإثيوبية.
جيبوتي.. حديث الاقتصاد
ترقب جيبوتي تطورات الأحداث بكثير من القلق، فقد بنت في العقدين الأخيرين علاقة متينة مع أديس أبابا مستغلة صراعها مع أسمرة (1998-2018) الذي حال بين إثيوبيا والاستفادة من المواني الإرترية.
اعتمدت إثيوبيا بشكل كبير على المواني الجيبوتية حيث تعد المنفذ لأكثر من 95% من التجارة الإثيوبية، وقد شيدت الصين واحداً من أكبر مشاريع البنية التحتي الإفريقية خط السكة الحديدية الرابط جيبوتي بإثيوبيا لخدمة المصلحة التجارية للبلدين.
كما كان من المفترض أن تستضيف جيبوتي مركز البحرية الإثيوبية بعد اتفاق أديس أبابا وباريس على مساعدة فرنسا لإثيوبيا في بناء أسطولها البحري الذي ستكون مقر قيادته في مدينة بحر دار في إقليم أمهرة.
وهذا ما دفع جيبوتي إلى اتخاذ موقف واضح بجانب السلطة المركزية في الصراع الدائر الآن، ونتيجة لكل ما ذكر فقد تكون جيبوتي أكبر الخاسرين في حال تمدد الصراع وتحوله إلى حرب أهلية في الداخل الإثيوبي.
وفي النهاية فاستمرار الصراع في إثيوبيا يهدد بانهيار سيكون أكبر سقوط لدولة في العصر الحديث كما وصفته إحدى الدراسات، ونتيجة التداخل متعدد الأوجه مع دول الجوار فقد يجر هذا القرن الإفريقي إلى أتون الحرب التي ستهدد الاستقرار والسلم الإقليمي والدولي في منطقة بالغة الحساسية لمسارات التجارة العالمية.
كما أنه يهدد بموجات بشرية كبيرة من المهاجرين (إثيوبيا وحدها تقارب 110 ملايين) سواء باتجاه الجزيرة العربية أو أوروبا عبر السودان وليبيا، بجانب ازدهار الأنشطة الإجرامية النشطة في المنطقة كتهريب السلاح والبشر والمخدرات، بالإضافة إلى مخاطر تمدد الجماعات الإرهابية النشطة في الصومال إلى دول الجوار.
المصدر: TRT عربي
الكاتب :
الموقع :www.alalamtv.net
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2020-12-09 22:12:52
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي