رفعت ابراهيم البدوي | مستشار الرئيس سليم الحص .
أوردت صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلاً عن مسؤولين أميركيين خبراً مفاده أن العدو الإسرائيلي قام باستهداف 12 سفينة إيرانية محملة بالمواد الأساسية من المشتقات النفطية كانت تبحر باتجاه سورية، مبررة استهداف السفن الإيرانية بمنع استخدام أرباح النفط لتمويل التطرف في الشرق الأوسط.
لكن حقيقة استهداف السفن الإيرانية سببها إطباق الحصار الاقتصادي على الجمهورية العربية السورية وحرمان الشعب السوري من أي مساعدات ومستلزمات الحياة والصمود بوجه المؤامرة الكونية.
لقد سبق استهداف السفن الإيرانية احتلال أميركي لمقدرات الدولة السورية في شرق الجزيرة، فقامت بالسطو على منابع النفط، ثم قامت الطائرات الحربية الأميركية بإحراق سهول القمح السوري عمداً، وأتلفت المحاصيل الزراعية بهدف الإطباق على مقومات العيش في سورية، وذلك بهدف النيل من عزيمة وصمود الشعب السوري وتهشيم صورة الدولة.
تلك الأحداث تزامنت مع صدور «قانون قيصر» الظالم والمفروض على سورية الدولة واستهداف عملتها الوطنية لشل دورة الاقتصاد وتجفيف مسالك إيرادات الخزينة، أضف إلى ذلك منع لقاحات كورونا عن الشعب السوري بهدف تأليبه على أجهزة الدولة واتهامها بالتقصير.
إن التركيز الإعلامي على أفعال وممارسات الدولة الأميركية المتغنية بحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية المزيفة، وفضح نياتها المشتركة مع العدو الإسرائيلي الهادفة إلى الاستيلاء على مقدرات وثروات بلادنا بممارسة التهديد تارة بالقوة وتارة أخرى بالتجويع تمهيداً لتطويع الشعوب والأنظمة المناهضة لسياستها، وخصوصاً في كل من سورية ولبنان والعراق، أمر ملحّ ومطلوب للمواطن العربي وأمام العالم.
سورية من صفر ديون خارجية واقتصاد واعد واكتفاء ذاتي، تراها وبعد صمود أسطوري لعشر سنوات تعاني اليوم من استيلاء أميركي على مقدراتها وثرواتها ومن خنق أميركي أوروبي مشترك متعمد للاقتصاد وحتى لمقومات الحياة في سورية.
في العراق، ذلك البلد الغني بالنفط وباقتصاد متين ومن بلد علماء التكنولوجيا النووية إلى بلد يعاني العتمة محروم من نفطه ومن مقدراته نتيجة السطو الأميركي على ثرواته وقيام أميركا ومن خلفها العدو الإسرائيلي بأكبر عملية تهجير أو اغتيال لعلماء العراق وإفراغه من الأدمغة المنتجة ولمنعه من أي تطور علمي.
في لبنان هذا البلد الذي اشتهر بتقديم أفضل الخدمات الطبية والسياحية والمصرفية وبنظام مصرفي سمي بخزنة العرب، تراه اليوم يواجه الانهيار التام جراء فساد مستشرٍ من عملاء أميركا في الداخل وعلى كل الصعد، فالعملة الوطنية التُهِمت وصارت بالحضيض والمستشفيات تعاني من نقص حاد في الأطباء ذوي الاختصاص جراء الهجرة لأميركا وأوروبا ودول الخليج المطبعة مع العدو الإسرائيلي، أما السياحة فقد نُفِّذ فيها قرار الإعدام، والمصارف تراها فارغة غير قادرة على دفع مدخرات المواطن، فيما الشعب يعاني الجوع والعوز، إنها الحرب غير المرئية.
إن الحكومة الأميركية العميقة جمهورية كانت أم ديمقراطية، عجزت عن تحقيق أهدافها الآيلة إلى تغيير أنظمة الإقليم العربي من خلال القوة العسكرية ثم تحولت إلى حرب بالوساطة وبدعم واضح لتنظيمات إرهابية لبست زوراً ثوب الإسلام كتنظيم الإخوان وتنظيم داعش ومتفرعاته ثم تحولت إلى حرب إثارة الفتنة الطائفية والمذهبية والعرقية لفرط تماسك نسيج المجتمع العربي وأخيراً لا آخراً لجوء الحكومة الأميركية العميقة إلى الحرب غير المرئية وهي حرب الخنق الاقتصادي وتجفيف الموارد المالية وضرب العملة الوطنية التابعة لتلك الدول وهدف تلك الحرب هو تطويع دول الإقليم وجرها إلى التطبيع مع العدو الإسرائيلي وفرضه كأمر واقع في المنطقة وطي القضية الفلسطينية وضمان تفوق الكيان الصهيوني عسكرياً واقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً.
السؤال: كيف يمكننا مواجهة هذه الحرب الصامتة؟ والجواب هو باعتماد سياسة إعلامية مضادة ومكثفة وموثقة تكشف للمواطن العربي حقيقة الأهداف الأميركية غير المعلنة والزيف والكذب والتضليل الإعلامي الأميركي الداعي إلى حماية حقوق الإنسان والديمقراطية والادعاء بمحاربة الإرهاب.
المطلوب هو المبادرة إلى تطوير إعلامنا وتخصيص حلقات وندوات تلفزيونية مرفقة بأفلام وثائقية مستندة إلى مراكز دراسات وأبحاث وبالأرقام، لتسليط الضوء على بعض ما أنتجه الحصار الغربي للإقليم العربي من حالات فقر وتجويع لا إنسانية ولتحميله المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع الحياتية والمعيشية في بلادنا وبشكل مقنع وبلغة الغرب نفسها، وذلك لضمان كشف ممارسات الغرب وأميركا وتعرية سلوكهما الشائن بحق الإنسانية على أوسع نطاق وأمام الرأي الغربي والعربي.
الحكومة الأميركية العميقة خصوصاً والغرب عموماً، همهما إقناع جمهورهما بصوابية ممارساتهما في بلادنا، ونحن من جهتنا مطلوب منا ومن إعلامنا ومراكز المنصات الإلكترونية الانتقال من سياسة الدفاع إلى سياسة الهجوم المضاد بالكشف وبالدلائل الحسية عن إيغال الغرب بوحشيته السياسية وبأطماعه في ثرواتنا وتأثير عقوباته الاقتصادية اللاإنسانية المفروضة على شعب ودول الإقليم العربي، وذلك لإظهار حقنا ولإقناع جمهورنا الصامد بأن 80 بالمئة من أسباب هبوط قيمة عملتنا، ومن معاناتنا الاقتصادية ،يعود لاستيلاء أميركا على ثرواتنا الطبيعية وحرماننا من خبزنا وقمحنا وخيراتنا ونفطنا، ولإظهار الصورة الحقيقية وبشكل يضمن إزالة الغشاوة عن أعين بعض المشككين بصوابية الصمود.
هل نسينا لجوء وزير خارجية أميركا الأسبق كولن باول إلى الكذب والتضليل الإعلامي المتعمد أمام العالم اجمع والادعاء زوراً بامتلاك العراق للأسلحة الكيميائية لتبرير الغزو الأميركي لهذا البلد العربي الغني بثرواته.
إن خير الدفاع هو الهجوم وفي هجومنا نستطيع تعزيز وعي المواطن العربي بخيار الصمود وبضرورة الانتقال من حال الارتباط إلى حالة الانفكاك من سطوة الاستعمار الغربي لاقتصادنا وعملتنا ولتحرير شعبنا من الضغط السياسي والمعيشي الهائل.
نحن في خضم مرحلة مصيرية تحررية والصمود والتضحية سمة العبور لمستقبل تفخر به أجيالنا فبعد استعمار غربي لبلادنا ولمقدراتنا استمر لأكثر من مئة عام، آن الأوان لقلب ظهر المجن لبناء بنية وذهنية جديدة مقنعة بقوة الهجوم المعاكس بالعلم والتطور والاقتصاد والتكنولوجيا والإعلام والاتكال على الذات ما يكفل حماية مستقبل أجيالنا وحريتها لمئة عام قادمة.