نبيهة ابراهيم | كاتبة سورية
رغم المؤامرات والحروب الاستعمارية على أمتنا العربية منذ احتلال الجولان عام ١٩٦٧م إلى اليوم . بقي الجولان العربي السوري عنوان السيادة السورية ، وبقيت إعادته إلى حضن الوطن الأم سورية ، بوصلة السياسة السورية على المستويين الشعبي والرسمي . في القمة التي جمعت الرئيسين حافظ الأسد وبل كلينتون في جنيف ٢٠٠٠م ،أعلن الراحل حافظ الأسد أن شط بحيرة طبريا حد طبيعي لسيادة سورية على الجولان ، وبهذا يكون قد وضع أساساً وخطاً أحمر لايمكن تجاوزه في أية مفاوضات قادمة لسورية مع ” إسرائيل ، واليوم وبعد عقدين من الزمن ، منها عشر سنوات حرب مدمرة ، جعلت أعداء سورية في أمريكا و” إسرائيل ” ومن يدور في فلكهم من حكومات و” نخب” يظنون أن سورية قد تتخلى عن حقها في الجولان مقابل ما تعانيه من حرب عسكرية واقتصادية .
صدرت مؤخراً تصريحات أمريكية وإسرائيلية( ٢٥ الشهر الماضي) مفادها أن مواقف واشنطن من الجولان السوري لم تتغير ، وخاصة قرار الرئيس الأمريكي السابق ترامب (25 آذار 2019) الاعتراف بسيادة ” إسرائيل ” على الجولان ، واصفة التقارير التي تفيد بعكس ذلك بأنها “كاذبة” ، وجاءت تلك التصريحات رداً على تقرير نشره موقع “واشنطن فري بيكون ـ يقول : “تتراجع إدارة بايدن عن اعتراف الولايات المتحدة التاريخي بالسيادة الإسرائيلية على منطقة مرتفعات الجولان المتنازع عليها على طول الحدود الشمالية ل ” إسرائيل ” ، كما تضمن التقرير الأسئلة التي أثارها وزير الخارجية الأمريكي بلينكن عن وجهة نظر إدارة بايدن غير الواضحة بشأن الجولان ، إذ لم يقل ما إذا كانت وزارة الخارجية ستستمر في الالتزام بقرار الإدارة السابقة، مع أنه أصر أن الجولان (لا يزال ذا أهمية حقيقية لأمن إسرائيل) . التصاريح السابقة جعلت الكيان الإسرائيلي في حالة من القلق والاضطراب ودفعت وزير خارجيته للقول إن ” مرتفعات الجولان تعد رصيداً استراتيجياً لإسرائيل “.
دمشق التي أدانت بأشد العبارات تلك التصريحات في بيان صدر عن وزارة الخارجية السورية إن “الجولان المحتل عائد لا محالة إلى كنف الوطن بكافة الوسائل القانونية” ، و أن سوريا تجدد التأكيد على أن حقها “في الجولان المحتل ثابت وتدعمه قرارات الشرعية الدولية، وهو حق لا يموت بالتقادم، وإن كافة المواقف الأمريكية والإسرائيلية إزاء هذا الحق باطلة ولا أثر قانونيا لها ” ، وأنه “سيأتي اليوم الذي يرفع فيه العلم العربي السوري على كامل تراب الجولان المحرر من نير الاحتلال الغاشم ” . واصفاً المصدر السياسة الأمريكية تجاه الأمة العربية وقضاياها بأنها “تأتي من المنظور الإسرائيلي وبما يخدم سياسة العدوان والتوسع والهيمنة على المنطقة” .
بالعودة إلى التصريحات الأمريكية السابقة نستطيع أن نثبّت النقاط الآتية :
أولاً : تدلل تلك التصريحات على تراجع في أمريكا وأزمة داخل الكيان الإسرائيلي ، الكيان الذي وُجد وظيفياً لتعظيم مصالح أمريكا والغرب في منطقتنا ، وأزمته اليوم من أزمة أمريكا ، التي تغير استراتيجتها في المنطقة نحو السير في تسويات على الخطوط الراهنة ، لتتمكن من إعادة تموضعها أمام انتصارات محور المقاومة ، وأمام تعاظم الروسي الند الأمني والعسكري و الصيني الند الاقتصادي . ضمن هذا السياق فرض بايدن على نتياهو وقف إطلاق النار وأخرجه من الحياة السياسية بعد هزيمة الكيان في معركة سيف القدس أمام أبناء الشعب العربي الفلسطيني. وهذه ليست المرة الأولى التي تلجم فيها أمريكا الكيان الإسرائيلي ، فقد فرض جورج بوش الأب على اسحق شامير حضور مؤتمر مدريد للسلام ، أيضاً في حرب تموز أرغمت أمريكا الكيان على عدم التوقف عن العدوان على الشعب اللبناني إلا بعد التحقق من أن أهدافها ستنجح .
ثانياً: في شباط الماضي كان وزير الخارجية الأمريكية بلينكن قد صرح في حديث لشبكة (سي.إن.إن) الإخبارية : إذا نحّينا جانبا الجوانب القانونية فإن الواقع الجيوسياسي لسورية وتحالفها مع ايران وحزب الله يفترض بقاء الجولان تحت نفوذ ” اسرائيل ” للحفاظ على امنها .
بهذا التصريح يعترف بلينكن بحق سورية في الجولان حسب ما نصته قوانين الشرعية الدولية ، أما بشأن ما يدّعيه من تهديد حزب الله وإيران للكيان من سورية ، فتلك ذريعة معروفة تعودوا في الكيان اعتمادها لخلق التناقض بين الحلفاء ، ومن البساطة دحضها بالقول إن ( إسرائيل ) احتلت الجولان قبل وجود حزب الله في سورية ، وإيران ” الشاه ” حينها وكانت سفارة الكيان في طهران ، وفي جميع الأحوال ما يسمونه ب ” أمن إسرائيل ” هو ليس محققاً ، اليوم غزة المقاومة تهدد أمن ” إسرائيل ” .
ثالثاً : العرب وسورية عرضوا السلام على ” اسرائيل ” في مؤتمر مدريد ١٩٩١ م والكيان هو من رفض السلام ، وتراجعوا وقتلوا رئيس وزرائهم رابين على خلفية ما عرف حينها ب ” وديعة رابين “، حتى اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية انقلبوا عليه . سورية ومنذ سبعينيات القرن الماضي بنت سياستها الرسمية بشأن الجولان على مبدأ التوازن الاستراتيجي، ومشروع التحرير العسكري، أو الدبلوماسي ، ومن أجل هذا خاضت حرب تشرين ووقف بجانبها العرب كل العرب ، وبعد خروج مصر من الصف العربي بسبب اتفاقية كامب ديفيد ، فتح الرئيس الراحل حافظ الأسد شلال المقاومة ونشأت المقاومة اللبنانية وترعرعت بدعم ومساندة سورية ، في بداية التسعينات ومع انهيار الأمن القومي العربي على أثر حرب الخليج التانية شاركت سوريةمع كل من لبنان والأردن والفلسطينيين بمؤتمر مدريد للسلام تحت شعار الارض مقابل السلام وتنفيذ القرارات الدولية ( ٢٤٢ و ٣٣٨ )
التي تنص على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة بما فيها الجولان السوري والانسحاب منها إلى خط الرابع من حزيران لعام ١٩٦٧ م . ” إسرائيل ” تريد أن يظهر الجولان منقوص السيادة بهدف الإذلال كما حدث في طابا ، وأمريكا تريد من “اسرائيل ” أن تبقى لإخضاع العرب .
مؤدى الكلام أن الأمريكان والإسرائيليين لا يحترمون لا عهوداً ولا مواثيق ، وهم يتلاعبون ويحتالون على القرارات الدولية ، الخيار أمام شعوب المنطقة هو أن تبني عناصر قوتها بنفسها وتتمسك بحقها في أراضيها وملكية ثرواتها الوطنية، وأية قوة احتلال مهما بلغت لاتستطيع أن تقف في وجه إنسان مقاوم مؤمن بحقه وبأرضه .