عبد الكافي الصمد | كاتب لبناني
لم يكن ينقص لبنان من أزمات إلّا أن يصل الجراد إليه كي ″يكتمل النقل بالزعرور″، على حد قول المثل الشّعبي الشّائع، تعبيراً عن أنّ الأزمات في بلاد الأرز قد تراكمت ووصلت إلى مرحلة خطيرة بات يخشى معها فقدان السيطرة عليها، وترك البلاد على قارعة المجهول.
منذ نحو سنة ونصف تقريباً، وتحديداً منذ اندلاع شرارة الحراك الشّعبي في 19 تشرين الأوّل من عام 2019، لا ينام اللبنانيون على خبر مفرح، ولا يستفيقون على خبر ينعش قلوبهم المتعبة وأجسادهم المنهكة وعقولهم المشوشة، إنّما ينتقلون من سيّىء إلى أسوأ، بشكل جعل حياتهم تنقلب رأساً على عقب، والمصائب والمتاعب والمشاكل تحيط بهم من كلّ جانب.
طيلة الفترة الماضية ظهر بوضوح أنّ مؤسسات الدولة تنهار وتتآكل رويداً رويداً، من إنهيار الليرة مقابل الدولار الأميركي بشكل غير مسبوق من قبل وما صاحبه من إفلاس وبطالة وركود وأزمات إقتصادية ومعيشية وإجتماعية ضاغطة، وتراجع على مراحل لقطاع التربية على خلفية إعتماد مبدأ التعليم عن بعد نتيجة تفشي فيروس كورونا، وما رافقه من إقفال المدارس والجامعات والمعاهد أبوابها، ووضع المستشفيات والقطاع الصحّي تحت ضغط بات يهدد بانهياره، بالتزامن مع هجرة آلاف الأطباء إلى خارج لبنان بعدما ضاقت بهم السبل في بلادهم.
ترافق كلّ ذلك مع انتشار الفوضى والتسيّب وقطع الطرقات إحتجاجاً على أي أمر، خاص أو عام، وتكاثر الحوادث والإشكالات الأمنيّة الفردية والجماعية التي باتت شبه يومية وتحوّلت إلى تهديد جدّي للسلم الأهلي في بلد ذو استقرار أمني هشّ، وشبه انهيار للمؤسّسات الرسمية التي باتت تعمل بالحدّ الأدنى من طاقاتها ومن المطلوب منها، في حين كان ينبغي على الدولة، في هكذا ظروف صعبة وإستثنائية، أن تعمل بكلّ إداراتها وأجهزتها، وأن تستنفر على مدار السّاعة لمتابعة الأزمات وإيجاد حلول لها.
وفاقم الأمور حدّة وسوءاً الأزمة السّياسية المستفحلة منذ استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري بعد أيّام من بدء التحرّكات الإحتجاجية قبل نحو سنة ونصف، واستمرت مع حكومة الرئيس حسّان دياب، من غير أن تجدي نفعاً، أو تحدث صدمة إيجابية إستقالتها بعد بضعة أيّام من انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، ودخول البلاد في دوّامة من التجاذبات منذ إعادة تكليف الحريري تأليف الحكومة في 22 تشرين الأول الماضي، إذ بقيت البلاد طيلة الأشهر الستّة الماضية تدور في حلقة مفرغة، ودخلت في نفق مظلم لا تجد سبيلاً للخروج منه.
وزاد الطين بلّة إعلان السعودية ودول خليجية أخرى، الأسبوع الماضي، منع استيراد الفاكهة والخضر من لبنان بسبب العثور على كميات كبيرة من حبوب الكبتاغون داخل شحنة من فاكهة الرمان آتية من لبنان، من غير أن يتطوع أحد من المسوؤلين في لبنان أو يملك أي طرف القدرة على مفاتحة المملكة بهذا الأمر وبحث كيفية معالجته، بعدما أوصدت الأبواب، منذ سنين، أمام اللبنانيين، بمن فيهم أبرز حلفائها.
كلّ ذلك كانت خاتمته وصول الجراد إلى لبنان، وهو إمّا سيقضي على آخر ما تبقى من الأخضر واليابس في طريقه، أو أنّه لن يجد شيئاً أمامه، لأن المسؤولين عندنا لم يتركوا له شيئاً ليأكله.