بوسع كل أولئك الذين يصرخون ويزعقون من جميع الزوايا ويرمون ويحوكون المعلومات المظللة، أن يخصصوا القليل من الوقت لأنفسهم. أنا أعرف التكتيكات الغربية: أن ليس هناك تاريخ، وأنه شيء غير ضروري، ولماذا نلجأ إليه. حقا لا حاجة للنظر إلى هناك. سنساعدكم نحن على ذلك.
أود أن أقدم قسم جديد على موقعنا، حيث سننشر فيه، بجدول زمني، معلومات مفصلة حول الجرائم العسكرية التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى في جميع أنحاء العالم، فضلا عن جرائمهما الأخرى. يعرف المؤرخون والمتخصصون في العلاقات الدولية ذلك جيدا، وسوف تكون الآن في متناول جمهور أوسع أيضا. نادراً ما تتحدث وسائل الإعلام الغربية عنها، وإذا تذكرتها، فإنها تختار القصص “البطولية” التي تناسب رواياتها. والسبب معروف، أن كل واحدة من هذه الأحداث في تاريخ العالم لا تشكك وحسب في التأكيدات بصدد إمكانات الغرب وأهدافه “بإشاعة الديمقراطية”. ولكنها تحرم واشنطن ولندن وأولئك المتواطئين معهم في هذه العمليات، من أي حق على الإطلاق في الظهور بمظهر من يتمتع بسمعة أخلاقية أو قضاة في القضايا التي تهم دولا وشعوبا أخرى. وهذه أمثلة على كيف أغرقوا نصف العالم بالدماء.
مرت بالأمس الذكرى 54 لمأساة قرية سونغ ماي الفيتنامية، حيث قتل الجنود الأمريكيون 567 مدنيا. تطرقنا لهذا الموضوع، ونشرنا المواد بشأنه.
بعض الأمثلة الأخرى لأولئك الذين نسوا “شجاعتهم”.
بدأت في 24 مارس 1999، العملية العسكرية لحلف الناتو ضد جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية “قوة الحلفاء”، والتي استمرت حتى 10 يونيو 1999. وكان السبب الشكلي للعملية، الإنذار النهائي للقوات الصربية، الذي الزمها بسحب جميع قواتها فورا، من كوسوفو ومتوهيا: أراضي صربيا الشرعية. واستهدفت العملية قصف مكثف لمواقع الجيش الصربي في كوسوفو وأهداف أخرى على أراضي صربيا، بما في ذلك المناطق السكنية ومرافق البث التلفزيوني والإذاعي والمستشفيات والمصانع والشركات، فضلاً عن مرافق البنية التحتية. وبالإضافة إلى الولايات المتحدة، شاركت 14 دولة أخرى في الناتو في للضرب: 82 جسرا للسكك الحديدية وطرق الحافلات، و48 مستشفى ومستوصفا، العملية. واستُعمِلَت خلال الضربات الجوية أنواع محظورة من الذخائر ذات المواد المشعة، وخاصة اليورانيوم المستنفد. وتعرضت العديد من المنشآت المدنية و25 مكتبا للبريد والبرق، و70 مدرسة، و4 مباني لكليات جامعية، و4 أقسام داخلية طلابية، و18 روضة أطفال، و35 كنيسة، و29 ديرا (بما في ذلك مواقع التراث الثقافي الواقعة تحت حماية اليونسكو)، والمركز التلفزيوني في بلغراد، ورتل من اللاجئين الألبان، ومبنى السفارة الصينية في صربيا.
وبحسب تقديرات السلطات الصربية، فقد لقي حوالي 2.5 ألف شخص، بينهم 89 طفلاً، مصرعهم أثناء القصف. وأصيب 12.5 ألف شخص. وغادر المنطقة حوالي 863 ألف شخص، معظمهم من الصرب الذين يعيشون في كوسوفو، وأصبح 590 ألفاً آخرين مشردين داخلياً. ولم يتم تحديد الحجم النهائي للضرر الذي لحق بالمنشآت الصناعية والنقل والمدنية في يوغوسلافيا، ولكنه بحسب مختلف التقديرات فانه يقدر بمبلغ يتراوح بين 30 و100 مليار دولار.
وخلصت لجنة مستقلة للتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبها قادة الناتو ضد يوغوسلافيا، والتي تشكلت في 6 أغسطس 1999 بمبادرة من رئيس الوزراء السويدي جوران بيرسون، إلى استنتاج مفاده أن التدخل العسكري لحلف الناتو كان غير قانوني، لأن الحلف لم يحصل على موافقة مسبقة من مجلس الأمن الدولي. وانتقدت اللجنة استخدام طائرات الناتو للقنابل العنقودية، وكذلك قصف المجمعات الصناعية الكيماوية ومصافي النفط في يوغوسلافيا، مما تسبب في أضرار بيئية كبيرة. وأكدت الأمم المتحدة في مارس 2002، التلوث الإشعاعي في كوسوفو نتيجة قصف الناتو.
هناك نقطة مثيرة للاهتمام بصدد استعمال القذائف مع اليورانيوم المستنفذ. إن هذه القذائف تحتوي على عناصر مشعة، مما أدى الى زيادة هائلة في معدلات إصابة سكان يوغسلافيا اليوم في الأورام السرطانية. هل تذكرون ما قاله صحفي أوكراني على شاشة التلفزيون مؤخرا؟ على الهواء. عندما دعا مباشرة إلى قتل المواطنين الروس (بما في ذلك الأطفال وعوائلهم)، لأن” بخلافه لن يباد الشعب”. أليس هو نفس المنطق؟ استخدام القذائف المشعة لإبادة الشعب – إنها لا تستهدف أولئك الذين ستسقط عليهم الآن، بل أولئك الذين سيتذكرون، والذين سيعيشون وينقلون الذكرى، كان هذا منطق أعضاء حلف الناتو في عام 1999 وهو الآن منطق نظام كييف وجميع من أقسموا بالولاء له ومن قاده. هؤلاء هم نفس الأشخاص ونفس الهياكل.
نشرنا مقطع فيديو في حساباتنا على وسائل التواصل الاجتماعي، يتضمن خطاب لجون بايدن في وقت لم يكن فيه بعد رئيسا للولايات المتحدة، ولكنه رجل شارك بنشاط في السياسية الدولية في التسعينيات. وتحدث في الكونجرس بفخر عن إنه دعا إلى قصف بلغراد. هناك فارق مثير للاهتمام: إن جون بايدن يتحدث عن هذا في جلسات الاستماع في الكونغرس في عام 1998، أي قبل وقوع القصف. لماذا ا؟ لأنه علل وجوب قصف بلغراد حينها، بانه سينقذ 200 ألف شخص لقوا حتفهم خلال الوضع الذي ساد في أنحاء يوغوسلافيا السابقة. أي قصف العاصمة والمدنيين بهدف منع تصفية وقتل آخرين. والآن جون بايدن ذاته يشارك مرة أخرى في الأنشطة الدولية. فماذا عن مبادئه وأساليبه؟ فهل هي نفسها أم غير شيء ما منها؟ سؤال وجيه. استمرت إراقة الدماء في دونباس على مدى ثماني سنوات، مع المقابر جماعية، وقتل الأطفال والمدنيين، وتدفق أعداد هائلة من اللاجئين.
في 20 مارس 2003، بدأت عملية غزو العراق التي أُطلق عليها “حرية العراق”. بعد غزو أفغانستان والإطاحة بسلطة طالبان هناك، ركزت الولايات المتحدة جهودها على العراق، متهمة قيادة البلاد بالتعاون مع القاعدة وتطوير أسلحة دمار شامل. وأفادت المخابرات الأمريكية ببيانات معاكسة تماما، لكن إدارة جورج دبليو بوش الابن تجاهلتها. وكانت الكويت بمثابة جسر لشن الهجوم، بعد أن رفض البرلمان التركي رفضا قاطعا توفير أراضيه لمثل هذه المغامرة. وعلى الفور تقريبا، ودون غارات جوية مطولة، شاركت القوات البرية في الغزو، ولم تواجه مقاومة جدية. وفي 9 أبريل تم الاستيلاء على بغداد دون قتال، وفي 15 أبريل على مدينة تكريت، والتي كانت إيذانا بنهاية الأعمال القتالية الفعلية. وانتقلت المواجهة إلى حرب عصابات.
وبحسب المعطيات الرسمية، فإن الخسائر الأمريكية خلال 21 يوماً من مرحلة القتال الفعلي بلغت 149 قتيلاً. وأشير إلى وقوع عدد غفير من الضحايا بين السكان المدنيين (حوالي 7300 شخص) خلال المعارك. وهناك حقيقة مثيرة للاهتمام: هاجمت واشنطن العراق دون إعلان رسمي للحرب. ولم يكن هناك تفويض من مجلس الأمن الدولي، رغم أنهم “اقتحموا” المجلس لسنوات عديدة لمنحهم التفويض، لكنهم لم يحصلوا على الموافقة. وكانت” محاولات” ـ ولكنها ليست من تلك التي يعرضون خلالها الصور، وأسماء الأطفال وقوائم القتلى المدنيين. انهم ببساطة جاؤوا إلى مجلس الأمن، وعرضوا بعض أنابيب اختبار وغادروا. وأمر جورج بوش الابن القوات بمهاجمة هذا البلد. بدون سبب محدد. لم يكن هناك ما يهدد الولايات المتحدة. لم يكن هناك مَن ينبغي إنقاذه. ولم تكن هناك أطراف متنازعة. ولا توجد حتى حدود مشتركة بين الولايات المتحدة والعراق. لقد اختلقوا كل شيء. وحسب تقدير منظمة الصحة العالمية فقد لقي حتفهم في أعمال العنف التي اجتاحت البلاد بين بداية العملية ومنتصف عام، زهاء 151 ألف عراقي 2006. هذا مجرد تقدير أجمالي للحالات المؤكدة. وتتحدث المنظمات غير الحكومية عن مئات الآلاف والملايين من المدنيين. اسمحوا لي أن أذكركم أن التحالف شمل: بريطانيا العظمى وأستراليا وبولندا. وسأقول المزيد – كانت هناك أوكرانيا أيضا. ألا تريدون أن تتذكروا ما كنتم تفعلوه في العراق؟
في 19 مارس 2011، بدأ تحالف عسكري للناتو غزوا لليبيا. لقد أدى إلى تغيير النظام، واغتيال زعيمها الشرعي معمر القذافي، والابتهاج بذلك (نتذكر جيدا ردة فعل واشنطن) وانهيار البلاد. لم تهدد ليبيا أحدا، وليست لها حدود مع الولايات المتحدة ولا مع دول التحالف الأخرى. حتى قبل “الدمار” وحتى قبل تدمير دولته، تعرض هذا البلد لهجوم دول الناتو ذاتها – ليس من خلال التدخل في الشؤون الداخلية، ولكن من خلال تدبير النزاعات والتناقضات الداخلية.
تدخلت الولايات المتحدة في الحرب الأهلية في ليبيا إلى جانب المتمردين ضد نظام معمر القذافي، وحرفت قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973. الذي قضى بفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا، واستغلته دول الناتو ليس لحماية المدنيين، بل للقصف. إنها ببساطة وقاحة ووحشية.
في البداية دعمت فرنسا وبريطانيا العظمى وكندا الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد ذلك تم نقل قيادة العملية إلى حلف للناتو العسكري. وأطلقت أمريكا على الجزء الخاص بها من الغزو عملية «الأوديسة. الفجر”. وتضمنت العملية توجيه ضربات صاروخية وقنابل على أهداف عسكرية دون عمليات برية. وانتهت العملية في 31 أكتوبر بإسقاط السلطة واغتيال معمر القذافي المريع. وللأسف أصبحت هذه اللقطات في متناول أوساط الرأي العام. لا يمكن مشاهدة هذا. وكانت النتيجة تدمير الدولة الليبية ونشوب أزمة هجرة طويلة الأمد في أوروبا.