تشهد منطقة الحدود الشمالية الغربية للجمهورية الإسلامية الإيرانية توتراً غير مسبوق، مع الدولة الأذربيجانية. وذلك على خلفية حدثين، الأول قيام الحكومة الأذربيجانية منذ شهر باعتقال سائقي شاحنات إيرانية، بعد دخولهم إلى إقليم “ناغورنو قرة باغ” في طريقهم نحو أرمينيا، دون دفعهم رسوم جمركية لسلطات “باكو”، كما كانت الحال عليه قبل سيطرة أذربيجان على هذا الإقليم. يومها استدعت الخارجية الأذربيجانية السفير الإيراني، وسلمته مذكرة احتجاج رسمية. والثاني الحشود العسكرية للحرس الثوري الإيراني بهدف القيام بمناورة “فاتحو خيبر” غداً الجمعة.
أما بالنسبة للمناورة، فقد أعلن قائد القوات البرية في الجيش العميد “كيومرث حيدري” أنها ستجرى بمشاركة وحدات مدرعة ومدفعية وطائرات بدون طيار وحرب الكترونية، وبدعم ناري من طائرات الهليكوبتر. كاشفاً أن هدف المناورة: تحسين الجاهزية القتالية في هذه المنطقة، التي تعتمد على تخطيط وتقويم مسبق، كما مثيلاتها في كل منطقة من جغرافيا وحدود إيران.
خلفيات التوتر الحالي
لا شك أن هذا التوتر بين البلدين، ليس وليد صدفة أو حدث عابر، بل هو نتيجة لتراكمات عديدة حصلت سابقاً. وهذا ما يكشفه تصريح الرئيس الأذربيجاني “إلهام علييف”، الذي أعرب فيه عن اندهاشه من توقيت تنفيذ إيران للمناورات العسكرية على الحدود مع هذا الإقليم، بحيث لم تجر مناورات إيرانية في هذه المنطقة خلال 30 عاما الماضية، أي منذ استقلال أذربيجان عن الاتحاد السوفيتي السابق.
كلام “علييف” دفع بقائد القوات البرية في الحرس الثوري الإسلامي العميد محمد باكبور، إلى الرد عبر القول بأن إيران لن تقبل أي تغيير في حدود الدول المجاورة لها، وترفض أي تغيير جيوسياسي في المنطقة تعتبره مضرا بأمنها. محذراً من أن القيام بأي تحركات خاطئة في الحدود المجاورة للبلاد، سيؤدي إلى تشكيل أزمات جديدة في المنطقة.
وردت الخارجية الإيرانية على “علييف” أيضاً، بالقول إن إجراء المناورات العسكرية هو أمر سيادي. مستغربةً إطلاقه لهذه التصريحات بهذا الأسلوب، في ظل وجود علاقات طيبة وقائمة على الاحترام بين البلدين في أعلى المستويات، ومن جهة ثانية أكد ان ايران لن تقبل بحضور الكيان الصهيوني قرب حدودها وستفعل كل ما تراه ضروريا لضمان امنها الوطني.
من هنا، يعتبر جوهر التوتر بين البلدين هو علاقات أذربيجان بكيان الاحتلال الإسرائيلي، التي ارتقت خلال السنوات الأخيرة، إلى المستويين العسكري والاستخباراتي، بالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية والتجارية وفي مجال الطاقة. فالعلاقات الاستخباراتية تفتح المجال أمام تواجد إسرائيلي بالقرب من الحدود الإيرانية، التي يبلغ طولها 200 كيلومتر. كما أن الكيان هو المورد الرئيسي للطائرات بدون طيار وغيرها من الأسلحة، التي ساعدت باكو على قلب الميزان العسكري خلال مواجهتها السابقة مع أرمينيا.
واعتبر أحد الخبراء في الشأن القوقازي، أن هناك جانبًا آخر لهذه التوترات في المنطقة، سببها الحركة القومية التركية، التي تقوم بالاستفزازات على هذه الحدود يوما على يوم، والتي تعد تهديدا كبيرا للأمن القومي الإيراني. معتبراً أيضاً، أن “علييف” يحاول تثبيت قدرته في الداخل الأذربيجاني وقمع معارضيه بمساعدة تركيا وإسرائيل، المستفيدين الأكثر من حصول أي توترات في هذه المنطقة. لذا ستكون المناورة بمثابة رسالة تحذير لإسرائيل، بأن إيران يقظة لكل تحركاتها ومساعيها لزعزعة الامن في المنطقة، وقادرة على افشالها متى أرادت طهران ذلك.