القسم الثاني من الحوار الذي أجرته الإعلامية وردة سعد لصالح: (منارة القلم المقاوم) مع الدكتور حسن احمد حسن
أما عن زيارة الوزير الصيني الى سوريا ودلالاتها وهل عن هو قرار اتخذ للتوجه شرقا يعتبر الدكتور حسن انه:” لا وجود للصدفة في عالم السياسة، وساذجٌ من لا يأخذ بالحسبان المعاني والدلالات والرسائل التي يتضمنها توقيت زيارة وزير الخارجية الصيني والوفد الموسع المرافق له إلى دمشق في يوم أداء القسم الدستوري للسيد الرئيس بشار الأسد، وقد أوضحت المستشارة الرئاسية الدكتورة بثينة شعبان في مقابلة تلفزيونية على الشاشة السورية أن الزيارة كانت مخططة منذ أشهر، لكن إصابة السيد الرئيس بفيروس كورونا أدى إلى تأجيلها، وأن الجانب الصيني تعمَّد أن تكون الزيارة في يوم أداء السيد الرئيس للقسم الدستوري لتكون الصين أول المهنئين، وقد نقل الوزير الصيني للسيد الرئيس بشار الأسد تهاني الرئيس الصيني وتأكيده وقوف الصين مع سورية ورفضها أية محاولة لما يسمونه “تغيير النظام”، ولعل أهم ما تمخضت عنه الزيارة يتجسد بانضمام سورية إلى المشروع الاستراتيجي الصيني “الحزام والطريق”، ولفهم الصورة بشموليتها، وبشكل أفضل قد يكون من المفيد التوقف عن عدد من النقاط المهمة، ومنها:
• استمرار النمو الاقتصادي الصيني على الرغم من انكماشه في غالبية الدول منح بكين هامشاً عريضا للمناورة والاحتكاك المباشر بقطار الاقتصاد الأمريكي والضغط عليه ليفسح المجال لعربة الاقتصادي الصيني المندفعة بثبات نحو الأمام، والحال ذاته ينطبق على التصنيع العسكري الروسي، وبالتالي لم يعد بإمكان واشنطن التباهي بالتفوق الاقتصادي أو العسكري.
• بقاء روسيا والصين كتهديدين استراتيجيين وفق التصنيف الأمريكي وافتعال التحرش غير المباشر بكلا العاصمتين في أكثر من مجال مما دفع الرئيس الصيني للإعلان بأنه “مضى وإلى غير رجعة زمن التنمر على الصين” في حين أكد الرئيس الروسي أكثر من مرة أن عصر الأحادية القطبية لم يعد موجوداً، وعلى الإدارات الأمريكية التسليم بهذه الحقيقة .
• التصريحات السابقة وما شابهها ما كان لها أن تظهر للعلن لولا التآكل الذي أصاب الهيبة الأمريكية بعد الضرر الكبير الذي ألحقه صمود محور الم قاوم ة في وجه العربدة الأمريكية المنفلتة من كل عقال، وبالتالي هذه النبرة العالية لدى موسكو وبكين قد استندت بشكل فعلي إلى ما أنجزه محور الم ق اوم ة، فلو بقيت السفارة الأمريكية في طهران، أو لو أذعنت سورية لإملاءات كولن بأول لتغيرت قواعد اللعبة الاستراتيجية في المنطقة والعالم، ولكان الأمريكيون استطاعوا تنفيذ استراتيجيتهم المعلنة والمتضمنة أن يكون القرن الحاد والعشرين قرناً أمريكياً صرفاً.
• المشروع الصيني “الحزام والطريق” يستهدف الوصول إلى أوربا وأفريقيا والربط بين الصين وبين كل تلك الجغرافيا الواسعة والممتدة في قارات العالم القديم، وهذا يعني تراجع الولايات المتحدة الأمريكية إلى المركز الثاني بشكل مبدئي، وقد يستمر مسلسل التراجع.
• الجيوبوليتيك الأمريكي الذي أرسى أسسه كل من: ” ماهان” و”سبايكمان” يركز على أهمية القوة البحرية، وبالتالي يعتبر أن من يسيطر على “الريملند” أي المناطق الشاطئية والنوافذ البحرية يتحكم بالقرار الدولي، وهذا يفسر حرص واشنطن على قطع الطريق على المشروع الصيني”الحزام والطريق” ومنعه من الوصول الى أوروبا وأفريقيا عبر تعزيز الوجود المباشر أو عبر الوكلاء في بحر البلطيق والبحر الأسود وبحر إيجة، وهذه البحار الثلاثة تمثل بشكل عملي الحدود الجنوبية الشرقية لانتشار الناتو بزعامة واشنطن، وكذلك الأمر في شرق المتوسط عبر الوجود العسكري الأمريكي المباشر كقوة احتلال في كل من سورية والعراق، أما قناة السويس والبحر الأحمر فالتعويل على ارتهان النظام المصري والسعودي للمشيئة الأمريكية من دون نقاش، ويبقى خليج عدن وصولا الى موزامبيق، ولهذا ما تزال الحرب مستمرة على اليمن لضمان إزاحة جميع التهديدات دفعة واحدة وإلى أمد طويل.
• لو أعدنا قراءة الفقرة السابقة بهدوء واستذكرنا ما طرحه السيد الرئيس بشار الأسد قبل بدء الحرب المفروضة على سورية بسنوات عندما طرح مشروع ربط البحار الخمسة، وبالمقارنة والوقوف عند مدلولات ذلك كله يتضح أحد أهم الأهداف الخارجية من الحرب التي أشعلوا أوراقها على الجغرافيا السورية وما تزال مستمرة منذ أكثر من عشر سنوات.
• جميع المشاريع الاقتصادية الكبرى منها أو المتوسطة تتطلب توافر بيئة آمنة ومشجعة، وهذا يعني أن نجاح المشروع الصيني الأكبر ” الحزام والطريق مرهون بتخفيف النار المشتعلة على البر المؤدي إلى ساحل المتوسط ، أي إعادة الأمن والاستقرار إلى سورية والعراق، وبخاصة في ظل تذبذب السياسة التركية وتخوف أردوغان من اقتراب نهايته السياسية إذا انخرط أكثر من المسموح به مع الروس والصينيين، وأي حديث أمريكي عن الانسحاب من المنطقة مرده إلى النتائج النهائية التي أفرزتها الحسابات الاستراتيجية الأمريكية، والوصول إلى قناعة بأن الزخم الروسي العسكري والصيني الاقتصادي لن يتراجع، بل سيتم تفعيله، وبالتالي السبيل الأنجع لتلافي حدوث ذلك يكمن في التقرب الجغرافي أكثر من حدودهما أي التوجه نحو آسيا الوسطى، بدلاً من الانتظار شرق المتوسط المتجه نحو تبدل حتمي قد لا تستطيع واشنطن الانتظار للتعامل مع تداعياته في حال حدوثه.
• الواقع الداخلي الذي يعيشه السوريون أكثر من ضاغط، لكن الاحتكام إلى الواقع يؤكد أن من صمد وواجه أشرس حرب عرفتها البشرية وعلى امتداد عشر سنوات لن يفرط بما تم إنجازه، وسيبقى وفياً لدم الشهداء وعذابات الجرحى وشظف عيش الجميع، وقد تكون الصين الطرف الأكثر فاعلية وقدرة على المساهمة النوعية في تغيير لوحة الحياة المعيشية للسوريين ، فالصين قوة عظمى، والصين منافس ندي للولايات المتحدة، والعقوبات الأحادية غير ملزمة للصين، وفي جميع الأحوال هي الأقدر على تحديها وكسرها، وهذا بدوره يؤسس لحالة جديدة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً تمهيدا لإرساء أسس الأمن والاستقرار المطلوب لتوفير زخم نوعي جديد لمشروع الحزام والطريق” ويتابع قائلا:” زيارة وزير الخارجية الصيني والوفد المرافق له، ولقاؤه السيد الرئيس بشار الأسد في يوم أدائه القسم الدستوري ليست محطة عادية، بل مقدمة لمتغيرات جيوستراتيجية تعم المنطقة، وما تم تناقله من تصريحات أو من نتائج المباحثات يحمل في طياته الكثير من المؤشرات والمبشرات، وليس أمام القوى العظمى النووية إلا اللجوء إلى تفاهمات الضرورة منعاً للتحرج نحو الهاوية، وهذا يعني أن الفترة القادمة حبلى بالمتغيرات التي تقود جميعها إلى نتيجة مفادها أن سورية في طريقها لاستعادة الأمن والاستقرار، وهذا يعني القضاء على ما تبقى من مكامن الإرهاب التكفيري الذي يهدد الجميع دونما استثناء، واضطرار جميع القوى الفاعلة للتسليم بأهمية الحفاظ على سورية الموحدة بقيادتها وموقعها الجيوبوليتكي، وخياراتها التي تؤكد مصالحها الوطنية العليا وثوابتها التي أقرها الإجماع الشعبي منقطع النظير في صناديق الانتخابات الرئاسية، والتي جسدها وعبر عنها بصدق ووضوح وشفافية السيد الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم”.
يتبع غداً القسم الثالث والأخير