الدكتور رفعت سيد احمد | كاتب وباحث مصري
تؤكد حقائق التاريخ المصري والعربي خاصة بعد ما سمي بالربيع العربي ؛أن أشد قيم الانحلال وأكثرها تدميرا للاوطان وللانسان تبدأ حين تسود قيم التشدد والغلو والتدين الزائف كما جري تحديدا في مصر زمن تجربة حكم الاخوان والسلفيين للبلاد ،و الذين يمثلون معا الوجه الاخر لقيم الانحلال الاخلاقي وهي قيم تأتي اساسا عندما يبعد الناس عن (الوسطية ) و(الاعتدال ) والتي تمثل النفس السوية التي خلقت علي الفطرة والتسامح والسمو الاخلاقي .إن جيوش السلفيين والاخوان في النتيجة الاخيرة :واحد ولا ينبغي أن ننخدع بالشهادات الاخيرة للثلاثي السلفي التكفيرى:محمد حسان و وأبو اسحاق الحويني ومحمد حسين يعقوب فهي مخادعة ومخاتلة !) إن هذا التكفير وتلك الاخونة لقد بذروا بذور الاستعلاء والغلو وكأنهم هم وحدهم (المعيار ) وأن بيدهم فقط مفاتيح الجنة والنار ؛فكرههم الناس ومن الناس من إشتط في إنحلاله ردا علي غلو السلفيين والاخوان في زمن الربيع العربي الزائف والذي إنطلق في 2011 ولازالت أثاره وبعض نتائجه تعيش معنا حتي اليوم (2021) إن الثقافة التكفيريةالمتحالفة حتي اليوم مع الخلايا النائمة للاخوان في مصر وخارجها و التي خطفت ثورات الإصلاح وحوّلت ما سُمّي بالربيع العربي إلى موسم مفتوح بلا نهاية للقتل والذبح والإرهاب، أنتجت فناً وثقافة تدعو إلى الانحلال الأخلاقي، وكأن ثمة تلازماً شرطياً بين الثقافتين.. ثقافة التكفير وثقافة الانحلال، وهو ما تبدّى واضحاً في البداية في الدول التي خرجت منها ثقافة التكفير حين لاحظ العلماء والخبراء المتخصصون أنها أكثر البلاد العربية انحلالاً خلقياً وأشدّها تدهوراً في التعليم والأدب والفن وفي كل مجالات الحياة.. تُرى لماذا ؟! ذلك ما نحاول الإجابة عليه في سطور موجزة: أولاً:.. في بحثنا عن تفسير لهذه العلاقة بين ثقافة التكفير وبين ثقافة الانحلال (وهي مسألة أظن أنه لم يتم تناولها بالتحليل المعمق في صحافتنا وإعلامنا العربي بعد) وجدنا أن كلتا الثقافتين تتميّز بالانغلاق والجمود ورفض الحوار والنقد والتعديل، فالثقافة التحريمية والتكفيرية متعالية وتدعي امتلاكها الحقيقة المطلقة ومن ثم فلا نقاش ولا حوار وما دونها باطل حتى لو كانت حجتها غير مؤسسة على قاعدة صلبة، حتى ولو جوبهت بحجج أخرى دينية، وكذلك ثقافة الانحلال والابتذال فهي تنطلق من منطلق غير مبال بالقيم ولا المجتمعات وثوابتها، وبالتالي فإن خرقها لهذه التابوهات أكسبها غروراً ووقاحة ترفض معها النقد والحوار وتسير في طريقها التخريبي من دون أن تعبأ بغيرها، وبالتالي فإن هذا الانغلاق والتعالي سمة مشتركة بين الثقافتين ويدخل في عوامل التشابُه من حيث الطبيعة.
ثانياً: كلتا الثقافتين محدودتين من حيث الأفق وكذلك الإمكانات الفنية فالتحريمية (التكفيرية) لا تعترف بالفنون وبالتالي جمالياتها وما تنتجه من فنون تعتبرها هي الفنون المُثلى، أما الثقافة المُنحلّة فهي تبتعد تماماً عن جماليّات الفن وأدواته وهي عادة ما تكون محدودة الإمكانات في الرؤية والفهم، ومن ثم تعتمد على أسلوبٍ سهلٍ وهو إثارة الغرائز وعادة ما يكون خالياً تماماً من الجماليّات الفنية والمُعاناة الإبداعية والصدق، وكل وسائل نجاح العمل والتي تجعله جديراً بلقب (عمل فني) وهذه المحدوديّة في الرؤية والإمكانات من عوامل التشابُه والترابُط بينهما أيضاً.
ثالثاً: ينتج من الثقافتين فن بعيد كل البُعد عن ضمير الأمّة وذائقتها، فالثقافة التحريمية والتكفيرية تنتج تجهّماً وتشدّداً يبتعد عن المزاج العام المُتّسم بالوسطيّة وحب الحياة ، وبالتالي فإن فنونه تكون بعيدة تماماً عن المُتلقّي ولا تعبّر عنه، وعلى الجانب الآخر فإن الانحلال والمجون والابتذال تبتعد تماماً عن ضمير الأمّة ومزاجها وحتى لو استهوت البعض لدواع غريزية أو فضولية فإنها تكون من خلال الخلسة والخجل وتكون النظرة العامة لها هي نظرة احتقار واستياء، وبالتالي فهي بعيدة تماماً عن مكوّن الأمّة الوجداني وطبيعتها ونشأتها ووسطيتها وأخلاقياتها.
رابعاً: المُحصّلة العامة من النتاج الأدبي والفني للثقافتين هي مُحصّلة صفرية لا ينتج منها أي عائد إيجابي على قضايا الأمّة وتطوّرها، لأن التجاوب مع الفن واستقبال رسالته يشترط التجاوب والتآلف والتوحّد وهذا ينتج من الصدق والاهتمام الحقيقي بالواقع والمرحلة التاريخية وطبيعتها وطبيعة قضاياها، كما أن الجمهور يتعلّق دائماً بالفن الجيّد والمُستوفي لشروط وقواعد وجماليّات الفن، وبالتالي فلا يوجد نتاج اجتماعي إيجابي بل على العكس هناك نتاج سلبي إما بالتجهّم والإحباط وإما بالإلهاء والاستسلام.
خامساً وأخيراً فإن كلا الثقافتين يؤدّي إلى الآخر فالإفراط في الكبت (كما هي الحال في بعض البلاد التي اشتهرت بالتكفير وثقافة التحريم وكما حدث في نموذج حكم الاخوان والسلفيين لمصر 2011-2013) ربما يؤدّي إلى الانفجار في شكلٍ مُبتَذل وفاجِر ويكون دائماً الشعب داخل تلك البلدان أو خارجها حيث تم تصدير التكفير؛ ثقافة وفتاوى وشباب جاهل مُتعطّش للدمّ؛ هو الضحية وعلى الجانب الآخر فإن الإفراط في الانحلال والابتذال ربما يصحو معه الضمير ولكن ردّة الفعل على هذا الإغراق في المجون ربما تكون إغراقاً في التوبة ولكن ليس بالمعنى الصحيح لها، ولكنها عادة ما تأخذ شكلاً مُتجهّماً ومُتشدّداً في أقصى الجهة الأخرى، وبالتالي فإن الثقافتين متشابهتان من حيث الطبيعة والنتائج وربما تلتقيان في نهاية المطاف.. ولكن عادة ما يكون اللقاء على جثة الأمّة وثقافتها الوسطيّة ووحدتها وتقدّمها وانفتاحها الراقي الذي لا يخالف الدين.. وهو اللقاء الدامي الذي جنت – بالفعل – سوريا والعراق ومصر.. وغيرها من بلادنا العربية التي إكتوت بنيران الربيع الداعشي – الاخواني ؛
ثماره المرّة خلال الفترة 2011-2021 من دم ودمار وتراجع قيمي شديد الوضوح ..والله أعلم .