– انشغلت الأوساط الصهيونية بالمعادلة الجديدة التي اعلنها الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله بأن الإعتداء على المقدسات يعني اندلاع حرب إقليمية ، وتصدر الموقف وسائل الإعلام الإسرائيلية مع مع قابله من تحليلات واستنتاجات.
– محليا ، من المقرر أن تعود المبادرات لتشكيل الحكومة فور عودة الرئيس المكلف سعد الحريري من أسفاره ، ويبرز استعداد رئيس مجلس النواب نبيه بري لإطلاق تحركه الهادف إلى تذليل العقبات المفترضة داخليا ، ويأتي ذلك مع “تكويعة” البطريرك الراعي الأخيرة ودعوته المبطنة لتغيير الحريري.
– وبرز على الساحة الإقليمية ملف الانتخابات الرئاسية السورية ، التي جرت امس وسط إقبال كبير من السوريين الذين جددوا لقيادة الرئيس بشار الأسد.
– صحيفة البناء كتبت تقول كشفت مصادر على صلة بالملف الحكومي لـ “البناء” وجود تقدّم نوعيّ على مسار حلحلة العقد التي شكلت عائقا أمام تأليف الحكومة، وتوقعت المصادر أن تشهد الأيام القليلة المقبة اختبار جدية هذا التقدم بعد معاودة الرئيس المكلف سعد الحريري نشاطه من بيروت، مشيرة الى أن مشاورات بين التيار الوطني الحر وحزب الله من جهة، وبين حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري من جهة أخرى، قد نقلت أفكاراً جديدة يمكن أن تُسهم في بلورة فرص الحلحلة المنشودة، بانتظار أن يتمّ التداول بهذه الأفكار وأفكار أخرى أعدّها الرئيس بري، مع الرئيس الحريري الذي أبلغ قبيل عودته الى بيروت انفتاحه على مساعي الحلحلة وصولاً لتقديم تشكيلة حكومية متكاملة من 24 وزيراً، عندما يتأكد من أن الطريق باتت سالكة نحو ولادة الحكومة، كما قالت مصادر مقرّبة من الحريري.
المصادر المتابعة للملف الحكوميّ رأت في المشهد الإقليمي حافزاً لتسريع مسار ولادة الحكومة، فسورية التي شهدت طوفاناً بشرياً بالملايين التي ملأت ساحاتها وشوارعها، وامتدّ نهرها المتدفق من الشمال إلى الجنوب، وصولاً إلى الساحل، حيث فاضت المدن بسكانها، وشهدت صناديق الاقتراع حشوداً لم تشهدها في محطات مشابهة من قبل، بحيث بدا المشهد أقرب لعرس احتفاليّ عبر خلاله السوريّون عن فرحتهم بإنجازات الجيش السوريّ، وما تحقّق من تحرير بقيادة الرئيس بشار الأسد، الذي مارس حقه الانتخابيّ من غوطة دمشق، معتبراً أن الاستحقاق الانتخابي جاء تتويجاً للتحرير، ورأت مصادر دبلوماسيّة في نتائج هذه المحطّة الدستورية السورية نقطة انطلاق لتطورات داخلية وخارجية تستعيد معها سورية مكانتها ودورها الإقليميّ، معتبرة أن السوريين يفوّضون الأسد قيادة مرحلة الإعمار بعدما أنجز عملياً الجزء الرئيسي من مرحلة التحرير، كما قال الأسد خلال الإدلاء بصوته من مدينة دوما التي اختارها لرمزيّتها خلال الحرب، لتوجيه رسالته حول العلاقة بين الاستحقاق الرئاسي والتحرير، وكان لافتاً تزاوج الاستحقاق الرئاسي مع نضج المساعي العربية والدولية للانفتاح على الدولة السورية رغم صدور بيانات تبدو موجّهة نحو فصائل المعارضة لإرضائها أكثر مما تعبر عن سياسات أصحابها الذين تزور وفود تمثلهم دمشق بانتظام، ويستعدون لفتح سفاراتهم المغلقة منذ عشر سنوات في سورية. وفي السياق ذاته علّقت مستشارة الرئيس السوري الدكتورة بثينة شعبان على مشاركة وزير السياحة السوري في مؤتمر في الرياض بتوقّع خطوات إيجابية قريبة بين الرياض ودمشق.
المشهد الإقليميّ الذي شكلت الانتخابات الرئاسيّة السوريّة وما يرافقها ركنه الأول، شكلت الحرب التي حملت نصراً فلسطينياً تاريخياً، ركنه الثاني، وجاء كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في عيد التحرير والمقاومة ليشكل ركنه الثالث، راسماً المعادلة التاريخيّة للردع التي تتوّج كل معادلاته السابقة، مع وضعه مستقبل القدس في عهدة محور المقاومة، وإعلانه التحضير لمعادلة جديدة لمحور المقاومة قوامها، كل استهداف للقدس يعني حرباً إقليميّة، والحرب الإقليميّة ستعني نهاية الكيان، وفقاً لما أظهرته الحرب من نتائج تتصل بضعف الكيان وهشاشة قبّته الحديديّة أمام صواريخ المقاومة في غزة، بما يسمح بالقول بالمقارنة بما لدى قوى المقاومة ودولها من مقدرات، بانهيار الكيان في أي حرب شاملة.
وفيما انشغلت الدوائر الأمنية والعسكرية والسياسية في “إسرائيل” بقراءة وتحليل كلام السيد نصرالله، تناوب المحللون العسكريون والاستراتيجيون في لبنان والمنطقة عبر وسائل الإعلام المختلفة على تشريح وتحليل أبعاد الخطاب. وأشار بعض هؤلاء الخبراء لـ”البناء” الى أن “أهميّة خطاب السيد نصرالله تكمُن في المعادلة المدوّية والتاريخية التي أطلقها وهي المسّ بالمقدسات في القدس يعني الحرب الاقليميّة، وبالتالي فتح الجبهات في المنطقة في وقت واحد من فلسطين إلى سورية الى لبنان والعراق واليمن وصولاً الى إيران إضافة الى جبهات أخرى قد لا تكون معروفة أو معلناً عنها، وهذا سيؤدي حكماً الى تدمير “إسرائيل” التي لم تستطع خوض الحرب على جبهة غزة كما أثبتت الحرب الأخيرة، فكيف الحال إذا فتحت الجبهات كلها”. وشدّد الخبراء على أن “”إسرائيل” لم تعد تملك القوة الحاسمة لأي حرب في المنطقة كما أنها فقدت عنصر الحماية الأميركية والغربية على الصعيد العسكريّ، إذ إن القوى الغربية الداعمة لها تاريخياً لم تعد تستطيع خوض الحروب وتحمّل تكاليفها الباهظة للدفاع عن “إسرائيل” وهذا ما عكسه الموقف الأميركي الذي نصح “إسرائيل” بوقف الحرب وعدم الاستمرار بها لتجنّب توسّع الحرب وبقاء “إسرائيل” وحيدة فيها”.
وأشار الخبراء الى أن “السيد نصرالله وجّه رسالة واضحة الى العدو الإسرائيلي بألا يقوم بأي مغامرة ضد لبنان، لأن المقاومة في لبنان استفادت من نتائج الحرب الأخيرة في غزة وأن مَن عجز عن الفوز في حرب مع قطاع غزة فهو أعجز عن الفوز في أية مواجهة مع لبنان، وبالتالي تثبيت وتعزيز معادلة الردع التي أرستها المقاومة مع العدو الإسرائيلي منذ العام 2006 حتى الآن”. كما رأى الخبراء في تهديد السيد نصرالله للعدو بأن حساب قتل أحد عناصره في سورية والشهيد محمد طحان لا يزال مفتوحاً، “أنه رسالة بأن الحزب قد يستغلّ خروج العدو الإسرائيلي مهزوماً ومنهكاً من حرب غزة ويقوم بعملية انتقاميّة على الحدود. وهذا ما سيربك العدو أكثر ويدفعه الى رفع درجة الاستنفار الأمني والعسكري على الحدود مع لبنان”.
وتعتبر المصادر أن الشهر المقبل حاسم على هذا الصعيد. لكن أكثر من جهة سياسية تتوقع بقاء الفراغ الحكومي حتى الانتخابات النيابية المقبلة، إلا إذا وصل المسار التفاوضي الدائر على الصعيدين الدولي والإقليمي الى تسويات كبيرة ستطال لبنان بطبيعة الحال.
وحتى ذلك الحين توقعت المصادر أن يشهد لبنان شهرين ساخنين على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأمني في الشارع بسبب الضائقة المعيشية حتى انجلاء الوضع الإقليمي لا سيما على صعيد استقرار الوضع السوري بعد إنجاز الاستحقاق الرئاسي السوري واكتمال الانفتاح العربي على دمشق وانتهاء الاستحقاق الرئاسي الإيراني وتقدّم المفاوضات النووية نحو إعادة إحياء الاتفاق النووي ووضع الحرب على اليمن على سكة الحل السياسي”.
صحيفة الأخبار كتبت تقول فارق كبير بين تعليق البطريرك الماروني بشارة الراعي، من بعبدا في 25 نيسان الماضي، على الزيارات الخارجية لرئيس الحكومة المكلّف بأنها «تعني أن هناك متابعة واهتماماً بالملف اللبناني»، وبين ما أسرّ به أمام زواره أخيراً، وبينهم سفراء عرب وأوروبيون، بأن «من يريد تشكيل حكومة ما فيه يضلّ برا لبنان». وبون شاسع بين دعوة البطريرك الأطراف السياسية، في عظته في 22 آذار الماضي، إلى الكفّ عن وضع «شروط تعجيزية غايتها العرقلة»، وأن «الأولوية لتأليف الحكومة لا للتدقيق الجنائي»، وبين دعوته، في عظة الأحد الماضي، سعد الحريري إلى إرسال تشكيلة حكومية «محدّثة» إلى رئيس الجمهورية. وتغيّر واضح في اللهجة بين الفيديو الذي سُرّب للراعي، مطلع نيسان الماضي، يصف فيه الحريري بأنه «زعيم السنّة»، و«مرجعية أساسية لا يمكن التخلي عنها»، وبين حضّه الرئيس المكلّف على الاتفاق مع رئيس الجمهورية، وإلّا «فليتخذا الموقف الشجاع الذي يتيح عملية تأليف جديدة»، في إشارة مبطنة إلى عدم ممانعته الاستغناء عن الحريري إذا استمر تعذّر التأليف.
ليس خافياً أن بكركي، منذ اندلاع أزمة التشكيل، كانت تميل دائماً إلى تحميل الرئيس ميشال عون وتياره السياسي القسط الأكبر من المسؤولية عن الاستعصاء الحكومي، بتأثير من «ملائكة» الحريري الحاضرين دوماً في بكركي، كالوزيرين السابقين سجعان قزي وغطاس خوري. ولفترة طويلة، بقي الراعي مقتنعاً بأن مطالبة رئيس الجمهورية وفريقه بالثلث المعطّل ووزارة الطاقة واستمرار المحاصصة وغيرها، هي ما يعرقل تشكيل الحكومة العتيدة.
«تكويعة» البطريرك بدأت، عملياً، عقب لقاء الحريري البابا فرنسيس في 22 نيسان الماضي. في اللقاء، أكد الحريري لمضيفه حرصه على المناصفة وحقوق المسيحيين، وأن المشكل يكمن في أن حليف عون، حزب الله، لا يرغب في تشكيل حكومة قبل اتضاح مآل المفاوضات الأميركية – الإيرانية، وأن رئيس الجمهورية وفريقه يغطّيان الحزب باختلاق ذرائع وحجج تؤخّر التأليف. وبعد اللقاء، ورّط الحريري الفاتيكان عندما أطلق، خارج المألوف بروتوكولياً، مواقف نارية ضد رئيس الجمهورية، ما أثار انزعاجاً شديداً في عاصمة الكثلكة.
قبل أن يعود الحريري إلى بيروت، وصلت رسالة ودّ من الفاتيكان إلى رئيس الجمهورية، واتصال إلى بكركي يطلب استيضاح أسباب المشكل الداخلي اللبناني، وإمكانية قيام البطريرك بمبادرة ما.
على الأثر، استضاف الراعي رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على العشاء للاطّلاع منه، مباشرة، على أسباب العرقلة. أبرز الأخير للراعي سلسلة أوراق بتشكيلات غير مكتملة وبأسماء وزراء مجهولي المرجعيات السياسية قدّمها الحريري لرئيس الجمهورية، وعرض وجهة نظر التيار بأن الحكومة تحتاج إلى نيل ثقة الكتل النيابية، وسأل الراعي: هل يقبل الثنائي الشيعي ووليد جنبلاط بأن يسمي الحريري وزراء الشيعة والدروز؟ فأجابه بالنفي. وعندما سأل البطريرك عن الثلث المعطّل، أجابه باسيل بأن تقديم الحريري تشكيلة حكومية كاملة تتضمّن الحقائب وتوزيعها على المذاهب والأسماء ومرجعياتها السياسية، سيبيّن أنه في حكومة من 24 وزيراً، لن ينال فريق رئيس الجمهورية، مع الطاشناق والنائب طلال أرسلان، أكثر من ثمانية مقاعد. أما في ما يتعلق بالوزيرين المسيحيين الآخرين فيمكن التوصل إلى صيغة توافقية عليهما.
اتفق الراعي مع باسيل على ترتيب موعد مع عون في بعبدا يحضره الأخير. عُقد اللقاء في 26 نيسان، وأبلغ خلاله البطريرك رئيس الجمهورية بأنه يقوم بمسعى سيرفع نتائجه إلى الفاتيكان. وطلب اقتراحاً بتشكيلة من 24 وزيراً للاستئناس، على أن يطلب من الحريري تشكيلة مماثلة. قبل زيارته لموسكو، في 29 نيسان، سلّم باسيل الراعي الورقة التي طلبها من عون. وبعد عودته، قدّم للبطريرك – بناءً على طلب الأخير «اقتراحاً أكثر مرونة» – ورقة ثانية تتضمن تخلي التيار عن وزارة الطاقة.
في غضون ذلك، كان البطريرك يعمل على «جبهة الحريري». أرسل الأخير إلى بكركي مستشاره غطاس خوري الذي سمع من الراعي طلباً باقتراح مكتوب شبيه لما طلبه من رئيس الجمهورية، فأسمعه الأخير الكلام المعتاد عن أسماء وحقائب وعن عراقيل يخترعها باسيل. إلا أن البطريرك أصرّ على الاقتراح المكتوب، فزار الحريري بكركي بعيداً من الإعلام، في نهاية الأسبوع التي سبقت عيد الفطر في 13 الجاري. في اللقاء، قال الحريري للراعي إن حزب الله لا يريد تشكيل حكومة. فسأله الأخير: «ما علاقة الحزب بالأمر؟ لا يبدو ظاهراً أن هناك مشكلاً مع الثنائي الشيعي. دعني أرَ أولاً أنك متّفق مع الرئيس. وأنا هنا أبذل مسعى بينك وبينه». وعرض عليه «ورقة عون»، طالباً منه إعداد ورقة مماثلة «حتى نعرف وين المشكلة». تم الاتفاق على أن يسلم الحريري الورقة قبل سفره في إجازة العيد، إلا أنه سافر من دون أن يفعل، ما أثار غضب البطريرك الذي امتنع عن معايدته، وإشكالاً بين قزي وخوري قال فيه الأول للثاني: «ما فيكن تكذبوا عبطرك الموارنة». استدعى الراعي غطاس خوري مستفسراً، فأكد الأخير أنه تعذّر إعداد الورقة قبل العطلة، وأن الحريري «راجع الأحد»… غير أن الأخير مدّد «إجازته» أسبوعاً آخر، مسقطاً مبادرة الراعي الذي عمد إلى رفع الأمر إلى دوائر الفاتيكان، وأيضاً إلى باريس التي تبلّغت انزعاج بكركي الشديد. وهو الانزعاج الذي عبّر عنه الراعي في عظة الأحد الماضي، عندما بدا أقرب من أي وقت مضى إلى مواقف رئيس الجمهورية. كما عبّر عنه أمام أكثر من سفير ووزير سابق زاروه أخيرا”.