التفسير العلمي للزلازل.. نظرية الصفائح التكتونية واحتباس الطاقة وحدود النار.. السر المخبوء في قاع المحيط.. هل سنشهد زلازل جديدة تؤدي إلى تصفير بعض الدول العربية؟
خالد شحام | كاتب عربي
لا تزال أعمال البحث عن الناجين أو العالقين في ركام المباني جارية في تركيا وسوريا، كل يوم تقفز معجزات جديدة مع تضاؤل الامال ، ثلة من المنقذين يبحثون عن أثر أو صوت او انين لبعض الأحياء وها هنا يصبح أثر من الحياة معجزة وسط سكون الحطام.
في هذه المقالة سوف نطلع سويا على الأفكار العلمية الأولية حول ظاهرة الزلزال بوصفها حدثا جيولوجيا صرفا خاصة بعد انتشار الكثير من الافكار السطحية والفوضوية حول حقيقة الزلزال وأسباب حدوثه والشعوذة العلمية التي نسمعها بين الحين والآخر ويتزعمها مروجو الكوميديا التخويفية واستقطاب الناس بالأخبار المفبركة المضللة.
في بدايات أي حقل علمي تتواجد دوما قناعات تاريخية بشرية موروثة تمثل التحليل الثقافي الخاص بشعب أو حضارة تحاول تفسير ما تراه او ما تصطدم به من ظواهر وأحداث طبيعية في الكون وفي الغالب تستند هذه التفاسير الى الاساطير الدينية والميثولوجية ، كانت الزلازل فيما مضى لغزا كبيرا – وطبعا لا تزال كذلك – وبصحبة مفهوم الزلزال كانت هنالك أسئلة كبيرة مقترنة تقف أمام الباحثين والعلماء من مثل الجبال وكيف نشأت ، الأخاديد البحرية العميقة وسر تكونها ، لماذا تنشط الزلازل والبراكين في مواقع محددة في العالم وتكاد لا توجد في مواقع أخرى ؟ لماذا تندفع الصهارة من جوف الأرض ؟ ماذا يوجد في قاع المحيط العميق ؟ هل البشرية في خطر دائم من الهزات أم ماذا بالضبط ؟
يمتاز العلم عادة ببنية تراكمية قابلة لإعادة التجديد والتصحيح ، هذه الميزة الفريدة منحت العلم الثقة والاعتمادية و يمتاز العلم أيضا بعلاقة وثيقة مع فطرة الإنسان ولولا هذه الفطرة ما وُجِد الفضول ولا الشغف ولا الذهول من حقائق العلم ، هذه العلاقة هي التي تدفع ببعض البشر المميزين للبحث والتقصي وقراءة الملاحظات الصغيرة والكبيرة والجري وراء الأسئلة التي يهملها الآخرون كي يحققوا اكتشافات ومعجزات تنفع كل البشر طيلة السنين .
جرت محاولات كبيرة عبر التاريخ البشري لإجابة الأسئلة الكبيرة السابقة ولكنها لم ترتق للمكانة الصحيحة وفي بعض الأحيان تاتي الاجابات من حيث أحد لا يحتسب .
في العام 1912 كان الباحث الألماني ألفريد فاجنر وهو متخصص في علم الرصد الجوي يقوم بتجميع نموذج من الكرتون لقارات العالم حيث خطرت في باله فكرة غريبة عندما اكتشف بصدفة عابرة بان قطعة الكرتون الممثلة لقارة افريقيا تتراكب بشكل ما مع قطعة قارة امريكيا الجنوبية ، هذه الملاحظة البسيطة دفعت الرجل فورا لتكوين فرضية بسيطة وطريفة : ماذا لو كانت كل قارات العالم متلاحمة مع بعضها البعض في الزمن القديم ؟ هذه النوعية من الخيال هي التي يتميز بها العلماء ولا يشترط أن تكون لديه الشهادات العلمية ليمارس هذا النوع من التفكير .
استحكمت الفكرة في عقل فاجنر وصرف جهدا طائلا في ابحاثه وأسفاره وجولاته وتوصل الى حقائق أولية شجعته على تعزيز فرضيته وبعد جهد جهيد وسنوات كاملة من العمل والاستقصاء توصل الى اكتشافات مثيرة جدا كلها عززت فكرته بأن كل قارات العالم المتباعدة كانت ذات زمن كتلة قارية واحدة متماسكة أطلق عليها اسم أم القارات ( بانغايا ) وهذا الحدث يعود إلى ما قبل 250 مليون سنة .
لقد كان تفكير فاجنر كالاتي : اذا افترضنا بأن القارات كانت متجاورة متلاصقة معا فمعنى ذلك بأننا سنجد تشابها في أشياء كثيرة على حواف القارات التي تباعدت ، يفترض ان نجد تشابها في التراكيب الصخرية وأنواع الأحافير ودلائل المناخ القديم ونفس علامات الجليديات القديمة والحركات الأرضية العظيمة ونفس الأدلة المرتبطة بحدث ما في ذلك الزمن .
لقد وجد فاجنر كل ما فكر به بالضبط في عبقرية ابداعية من البحث والافتراض والتقصي للبحث العلمي وعززت النتائج التي توصل اليها قوة فرضيته ومصداقية التصور الذي وضعه ، لقد تبين بما لا يدع مجالا للشك بأن قارات العالم كانت قطعة واحدة ولذلك وضع نظرية ثورية في علم الجيولوجيا أطلق علها اسم نظرية الانجراف القاري !
عندما أعلن فاجنر عن هذه النظرية في الأوساط العلمية قوبلت نظريته بالسخرية من أشهر العلماء في ذلك الوقت وربما لو كان حيا في زماننا هذا في دولنا العربية لأتهم بنشر أخبار كاذبة وتم الزج به في السجن ، رُفِضت نظرية فاجنر ليس لأن الأدلة ضعيفة أو غير صحيحة ، لقد رُفِضت لأنها عجزت عن تقديم التفسير المنطقي الصحيح في تفسير كيفية حركة القارات والتي تبدو كتلا عظيمة ثابتة من الصخر يستحيل التصور بأنها تتزحزح !
انطوت السنوات وتم تغييب نظرية فاجنر في قاع الجب العلمي وقضى الرجل نحبه في العام 1930 في بعثة علمية في حقول الجليد وظل السر الكبير الذي يفسر كيفية زحزحة القارات أمرا غامضا ولغزا مستعصيا لم يكن ليخطر في أقصى مخيلة أحد .
ظلت الأمور كذلك حتى دارت حبكات الزمان واستقرت بين يدي الدكتور هاري هيس الذي كان يُدَرِس الجيولوجيا في جامعة برينستون واستدعي للخدمة العسكرية في سلاح البحرية الأمريكي وقائدا لسفينة تجوب المحيط الأطلسي لرسم خريطة لقاعه بطريقة السونار ( الصدى الصوتي ) في العام 1946 ، كانت الولايات المتحدة مهتمة بهذا الأمر لغايات عسكرية خاصة بعد النجاح المذهل في صناعة القنبلة الذرية ، اكتشف الرجل من خلال المسح الصوتي ثم بالغواصات لاحقا ملاحظات ثورية وشاهد أشياء اعجازية في قاع المحيط دفعته للبحث والتقصي بروح العلم الجاذبة والمثيرة .
لقد وجد هاري أن قاع المحيط ليس مجرد منطقة سهلية كما كان الكل يتصور ، إنه مساحة هائلة فيها جبال عظيمة وسهول شاسعة ووديان هائلة وبراكين دائمة النشاط وصدوع في القاع تمتد الاف الكيلومترات .
قاس هاري أعمق نقطة في المحيط بعمق 11 كم تحت الماء واكتشف في قاع المحيط العميق سلاسل جبلية عملاقة مسطحة القمة ( اسماها جايوت تكريما لأستاذه الجيولوجي ) واكتشف معلما مهما في وسط المحيط وهو مجموعة جبال شاهقة بارتفاعات 4 -1 كيلومتر وفي وسطها شق وكسر في قاع المحيط حيث تنبعث اللافا البركانية بصورة مستمرة دون توقف من هذا الكسر العظيم الذي يتجاوز عرضه بضعة كيلومترات ، وجد هاري ايضا أن هذا الكسر يمتد في جميع محيطات العالم وبطول قد يصل إلى 65 ألف كيلو متر ، إنه صدع عظيم يتربع في قاع المحيط في الأعماق السحيقة بصمت وهدوء وتنبثق منه الصهارة بصورة مستمرة وتحيطه الجبال وقد اطلق عليه اسم ظهر المحيط .
بعد اجراء فحوصات ودراسات طويلة وعميقة تبين لهاري هيس بما لا يضع مجالا للشك بأن هذا الصدع في قاع المحيط يعمل على فسخ الأرض التي يقع عليها المحيط وكلما اتسع الفسخ فإن الصهارة تتجمد وتكوّن صخرا جديدا وهذا يعني أن ارض المحيط البازلتية تتجدد وتُبنى بصورة متواصلة بعكس التصور القديم الذي كان يفترض بأن قاع المحيط هو صخور قديمة جدا أقدم عمرا من القارات اليابسة التي نعيش عليها .
بما أن ارض المحيط تبنى كل يوم فهذا يعني ان قاع المحيط يتسع باستمرار ولهذا السبب فقد صاغ هاري نظرية جديدة في علم الجيولوجيا بعد جهود مضنية اطلق عليها اسم نظرية اتساع قاع المحيط ! نعم إن قاع المحيط يتسع سنويا بمعدل بضعة سنتمرات وكمثال على ذلك فإن الشق البركاني في وسط البحر الأحمر هو المسؤول عن ظهور هذا البحر قبل ثلاثين مليون سنة وهذا الشق البركاني سيوسع قاع البحر الأحمر ليحوله الى محيط ربما بعد 200 مليون سنة .( يتسع البحر الأحمر كل سنة بحدود 1.5 سم ) ، بما أن هنالك قشرة أرضية تتشكل تحت المحيط فأين تذهب هذه القشرة المنتجة خاصة إذا عرفنا أن حجم الأرض يكاد يكون ثابتا ؟
لقد وجد هاري بأن القشرة الصخرية المحيطية التي يصنعها شق ظهر المحيط تتمدد نحو الكتل القارية التي نعيش نحن البشر فوقها وبما أن قشرة المحيط مؤلفة من صخر البازلت الثقيل فهي تلقائيا ستميل للنزول والغوص بحكم ثقلها أسفل الكتل الصخرية القارية العملاقة والمؤلفة من صخر أقل كثافة هو الجرانيت ، في هذا المكان بالضبط تنشأ الأخاديد البحرية و من معجزات هذا الوضع ان قشرة الأرض المحيطية المتولدة تنزلق ببطء إلى أسفل القارات كي تنصهر في الأعماق من جديد ، إن هذا الدفع العظيم البطيء الذي تقوم به قشرة قاع المحيط باتجاه الكتل القارية الجرانيتية لا يمضي بسلام حتى لو كان البازلت يغوص وينصهر في الأعماق !
هنالك مظهر فريد من نوعه يحدث بفعل هذه القوة العظيمة جدا التي يدفع بها قاع المحيط ، وهذا المظهر الفريد يتمثل في زحزحة القارة بأكملها بضعة ملمترات كل عام ! ما هي حصيلة هذه الحركة على مدى ملايين السنين ؟ الجواب هو أن القارة العملاقة التي لا يمكن الظن بأنها تتحرك سوف تتحرك بالفعل وتنتقل من مكانها بالتدريج حتى تقطع الاف الكيلومترات خاصة عندما نعلم أن القارة تطفو فوق صخور منصهرة في أسفلها !
لقد كان فاجنر على حق وكان السر العظيم الذي يفسر نظريته يقبع في اعماق المياه المظلمة ، إنه شق ظهر المحيط الذي تندفع منه الحمم البازلتية وباندفاعها هذا تولد قوة عظيمة تحاول توسيع هذا الشق مما يدفع بالقشرة المحيطية شمالا ويمينا من الشق ، إنها طاقة عظيمة جدا بطيئة الأثر وطويلة المفعول لكن نتائجها كانت هي التفسير الحقيقي لنظرية فاجنر ، في ظهر المحيط تتحول الطاقة الحرارية المخزونة في باطن الأرض الى طاقة ميكانيكية حركية هائلة تدفع القارات .
بعد وفاة فاجنر بأكثر من ثلاثين سنة تأكد للعلم بأنه كان على حق ولم يكن كلامه خزعبلات علمية، وبناءا على المعطيات الجديدة قرر مجتمع علم الجيولوجيا دمج نظرية الانجراف القاري لفاجنر مع نظرية توسع قاع المحيط لهاري هيس والخروج بنظرية واحدة اطلق عليها اسم نظرية الصفائح التكتونية وذلك في العام 1967 والتي تعد أعظم وأضخم وأكبر انجازات علم الجيولوجيا والتي لها القابلية والمقدرة على حل كل الالغاز المستعصية التي عجز عنها العلم لسنوات طويلة .
ما الذي تقوله نظرية الصفائح التكتونية وما معنى هذا الإسم؟
إن القشرة الأرضية التي نعرفها وتتراوح سماكتها ما بين ( 5-35 كم ) ليست سطحا كرويا واحدا متماسكا ! إنها ليست مثل مجرد قشرة بيضة ملساء سليمة خالية من الكسور ، إنها تشبه تلك القشرة التي تهشمها بالملعقة عندما ترغب في تقشير البيضة المسلوقة ، إنها قشرة مهشمة إلى شظايا ضخمة بعدد هائل من القطع أكبرها هي 8 قطع ضخمة تسمى كل منها بإسم صفيحة صخرية ومن الأمثلة عليها : صفحية المحيط الهادي – صفيحة الاناضول – صفيحة امريكيا الشمالية – صفيحة افريقيا …. إن هذه الصفائح تطفو على صخور مائعة في أسفلها داخل الأرض وبما أن ظهر المحيط يقوم بدفع القشرة المحيطية فمعنى ذلك أن هذه الصفائح الصخرية سوف تعاني من حركة دائمة ومستمرة وغير منتظمة وقد سميت ( تكتونية ) والتي تعني انها جزء من بنيوية الأرض الديناميكية، إن الصفائح الصخرية ليست ذات حواف أو شكل منتظم ! إنها كتل صخرية عظيمة ذات حواف مكسرة ومتشابكة مع الصفائح الصخرية الملاصقة لها، تخيلوا هذا السيناريو : لديك كتلة صخرية عظيمة تتلقى قوة دفع من شق ظهر المحيط ولكن خشونة الحواف تمنعها من الانزلاق والاستجابة للحركة ، ما هي نتيجة ذلك على المدى الطويل ؟ وهل القوة المسلطة تنتهي وتتلاشى؟
إن ما يحدث هنا يشبه بالضبط المثال الآتي الذي يمكنكم ايجاده في مقاطع (اليوتيوب ) حيث يختبر أحدهم تحمل الأشياء حيال الضغط من ماكينة كبس هيدروليكي مرعبة ، ضع تحت مكبس هذه الماكينة مثلا أنبوبة سمينة من الفولاذ وحاول ضغطها بالمكبس، في بداية الأمر ومع تسليط القوة على الأنبوبة لن نرى شيئا لأنها سوف تتحمل ، ولكن أين تذهب القوة التي نسلطها ما دام شيء لم يحدث ؟ الجواب هو أن هذه الطاقة تُخَزَن داخل المعدن تماما كما تُخَزن طاقة داخل زنبرك عند ضغطه، مع استمرار الضغط سوف نصل الى نقطة لن يعود بمقدور الفولاذ ان يتحمل فوقها وعند ذلك تتكسر الأنبوبة بقوة هائلة محررة كل الطاقة التي خزنتها مرة واحدة فتتفتت وتنطلق الشظايا مثل الرصاص في كل اتجاه مع صوت فرقعة شديدة.
هذا بالضبط هو السيناريو الذي يحدث عندما تحاول صفيحة صخرية عملاقة أن تنزلق بفعل القوى المسلطة عليها ولكنها تتعثر بخشونة حواف صفيحة أخرى حيث تبدأ عملية تخزين الطاقة المرعبة المقدار عبر عشرات او مئات السنين حتى تصل الطاقة المخزنة الى حدود لا يمكن لصلابة الصخر أن تتحملها فينكسر الصخر محررا كل الطاقة التي حصدها خلال تلك المدة على امتداد كامل الصدع ، منطقة الكسر الطولية هذه هي ما يعرف بإسم بؤرة الزلزال وقد تكون سطحية أو عميقة والطاقة المفرغة المنتشرة عبر الصخور على شكل اهتزازات عنيفة هي ما يعرف بإسم الزلزال.
إن كل صفيحة صخرية تمتلك حوافا صدعية ولكن ليس كلها تمتلك النشاط الزلزالي، الحواف التصادمية الانزلاقية التي تجمع بين صفيحيتن صخريتين هي المؤهلة لذلك و تسمى بإسم الصدع الزلزالي ، والصدوع الزلزالية تعتبر دائما مناطق خطر كبير ومناطق احتباس للطاقة وقد تمكن علماء الجيولوجيا من تشخيص عدد كبير من هذه الصدوع التي تمتد لمسافة مئات أو ألوف الكيلومترات ، وربما سمعتم بصدع سان أندرياس في ولاية كاليفورنيا الأمريكية وصدع البحر الميت ، وفي حالة تركيا فهنالك 3 صدوع رئيسية تحيط بتركيا التي تقع على الصفيحة الصخرية الاناضولية وهي صدع شمال وشرق وغرب صفيحة الاناضول وتمثل هذه بؤر تخزين للطاقة الميكانيكية المنتجة من النشاط الناري الواقع تحت الصفائح الأرضية ، إن الصدع الذي ولد زلزال تركيا هو الصدع الشرقي لصفيحة الأناضول ، إن تركيا معرضة للزلازل لأنها تقع عند تقاطع ثلاث من الصفائح الصخرية هي صفائح الأناضول والعربية والإفريقية. تتجه الصفيحة العربية شمالا نحو أوروبا مما يتسبب في دفع صفيحة الأناضول غربا.
إن الطاقة التي حررها الانكسار الصخري على عمق 18 كم من سطح الأرض في صدع الأناضول تكافىء فعل 700 قنبلة ذرية من تلك التي القيت فوق هيروشيما ، وهي طاقة غاشمة مهلكة لا يسلم منها شيء ولها القدرة على الانتشار بسرعة 5 كيلو متر/ث كمعدل .
يتخيل البعض أن مركز الزلزال يكون عبارة عن نقطة بؤرية محدودة ولكنها في الحقيقة ليست إلا كامل مسافة امتداد الصدع الصخري الذي يصل إلى ألاف الكيلومترات ولكن طولا محددا منه هو الذي يتميز بأعلى احتباس للطاقة ، وعقب تحرر الطاقة من هذا الموضع ينشط كامل الصدع لتوليد المزيد من الهزات المخزنة على طوله في مواضع أخرى وتتولد لدينا بالتالي الموجات الزلزالية الارتدادية المستثارة من تفعيل الكسر الأقوى والتي قد تمتد لأسابيع أو سنوات أو تستثير النشاط في صدوع أكثر بعدا، إنها هزات ارتدادية لأن الصدع الصخري يحاول تفريغ طاقته غير المستقرة ليحاول الارتداد إلى الحالة الفيزيائية المستقرة .
في بلادنا هنالك صدوع كثيرة وعديدة و يعتبر صدع البحر الميت التحويلي من أخطر الصدوع الأقرب ، وهذا الصدع له نشاط تاريخي لا يستهان به حيث تسبب بزلزال أريحا 1926 والذي بلغت شدته 6.5 ريختر ، هل من الممكن أن ينشط هذا الصدع ويسبب زلزالا جديدا؟ إن المراصد الزلزالية الأكثر قربا وبكوادرها هي القادرة على منح التوقع والجواب المناسب وليس تخوفات الناس والإعلام والمشاهير وبرامج جذب المشاهدات ولا يعني حدوث هزات صغيرة متكررة بأن هنالك تحضيرا لزلزال كبير ولكنه لا ينفيه أيضا.
هل يمكن لبعض النشاطات البشرية أن تتسبب في إيقاظ الطاقة المخزنة في الصدوع الانزلاقية الخطرة؟ الجواب هو نعم! فأي نوع من إضافة طاقة إلى الصدع يمكنها ان تقود إلى تنشيطه ، مثلا يمكن لبناء مدينة كاملة بثقلها في موقع خاطىء أو بناء سد مائي هائل الكتلة أن يتسبب في توليد قوة إجهاد تضيف طاقة إلى الصدوع الخطرة وتتسبب في تحرير الطاقة منها ، يمكن لبعض التجارب النووية أن تفعل نفس الشيء ، تعد اليابان وإندونيسيا من أكثر دول العالم بالنسبة لعدد الزلازل، أما الصين وإيران وتركيا فتعتبران من أكثر دول العالم تسجيلا لزلازل كارثية.
إن كان من احد أو جهة لديها القدرة الأكبر على الرصد الأكثر دقة ضمن المعطيات العالمية من الرصد والتنبؤ المسبق فهو المرصد الأمريكي للزلازل بحكم ميزانياته الضخمة والكادر القوي جدا الذي يخدم فيه وطبيعة التجهيزات المتطورة المملوكة وشبكة الأقمار الصناعية الخادمة وشبكات الربط مع المراصد العالمية وفي ترجيحي بأنه ربما هنالك توقع مسبق وبعض الملاحظات لدى الأمريكان والتي ربما تم تغافل الاشارات التحذيرية المرصودة عنها لغايات لا تخفى على أحد .
في زلزال تركيا وسوريا لا نعلم بالضبط هل نلقي اللوم على الحياة أم الموت! لأنه في بعض الاحيان يستوي الاثنان على نفس الاتزان ، وفي احيان اخرى يكون الموت أكثر حسنى من الحياة ، في حقيقة المشهد الكارثي الذي وقعت فيه تركيا وسوريا هنالك نقطة ذات أهمية كبيرة قد يغفل عنها البعض، لا أحد في مأمن من سيناريو الكوارث بكل صيغها وصورها مهما تبدى من المعرفة والتنبؤ والوقاية القائمة على الأسس العلمية ، كامل منطقة الشرق الأوسط ملغومة بمؤهلات الكوارث بشدة ، هذا يعني بأن الذين يَمنّون على سوريا في مساعداتهم قد يصبحوا غدا هم من بحاجة إلى مساعدة ومن يظن نفسه في منجى وحصن حصين من ضربات الكوارث و الزلازل فعليه ان يعيد حساباته لأن الضربات القادمة قد تكون اشد فتكا ودمارا وقد تقود الى تكوين دول فاشلة وعاجزة بمعنى الكلمة وتتحول الى لقمة سائغة جدا في بطن المشروع الصهيوني تحت غطاء التدخل والمساعدات ثم السيطرة الكاملة خاصة عندما نعرف أن معظم دولنا الكرتونية لا تصمد أمام عاصفة ثلجية او اضطراب في سوق المال.
إن زلزال تركيا سيغير وقائع كثيرة وسيفرض تبدلات على الاتجاهات السياسية والاقتصادية داخل تركيا وشبكة علاقاتها وربما يطيح بالسيد اردوغان وطموحاته ونهجه وربما سيغير كثيرا من الخطط وقواعد اللعب على الارض السورية وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم على الرغم من فداحة الألم.
في داخل المنطقة العربية لايقف الأمر عند الصدوع الجيولوجية الزلزالية لأن هنالك صدوعا سياسية تختزن كل يوم مزيدا من الطاقة الخطيرة أشد خطورة من الزلازل الأرضية نفسها ، صدوع كثيرة احدها يدعى التطبيع مع الكيان الصهيوني ، صدع آخر يسمى إفقار الشعوب وتحويلها إلى قطعان جائعين ومتسولين ، صدع ثالث يسمى نشر الرذيلة والإلحاد ومعصية الله، صدع خطير آخر يسمى خيانة الشعوب والتحالف مع أعداء الله والأمة العربية والإسلامية ، صدع أخير يسمى الدولة الفاشلة التي تتعمد تخريب حياة مواطنيها ومؤسساتها لصالح الأجندات الاستعمارية.
لقد كانت الزلازل عبر التاريخ مصدرا للموت والخراب وشيئا لم يمكن التنبؤ به ولكنها في الوجه المقابل أداوت بعث حياة في اتجاهات اخرى لم يكن توقعها او حسابها ، نتائجها البعيدة هي أيضا أشياء لا يمكن التنبؤ بها .