إيهاب زكي – باحث فلسطيني في الشؤون السياسية.
اعتقدَ الجالسون حول طاولة بن سلمان في مدينة العلا السعودية، في قمة مجلس التعاون الخليجي، أنّهم يقدمون ورقة قوة للإدارة الأمريكية الجديدة ذات حدّين، الأول في مواجهة إيران ومحور المقاومة، والثاني في تفعيل عملية”الأسرلة” وما يُعرف بالتطبيع، وهذا الحلف الذي أسميه”حلف الفشلة” لم يدرك بعد أنّ اجتراح أيّ انتصار في أيّ ساحة مواجهة، هو أمر يقارب المستحيل تحققه أو تحقيقه، فعلى مدى العقد المنصرم مُنيت مجموعة الأدوات هذه بتثلماتٍ غير قابلةٍ للترميم، حيث هزيمة محققة في سوريا وهزيمة مشابهة في العراق، وهزيمة تزداد تيقناً مع مرور الوقت في اليمن، وعقارب الوقت لا ترجع للخلف، لذلك فإنّ هذا التحالف فقد قابليته للاستثمار بالنسبة للولايات المتحدة لسببين رئيسيين، الأول يتعلق بالولايات المتحدة ذاتها، حيث تنهار قدراتها على الاستمرار بفرض سيطرتها كقطبٍ أوحد، لما تعانيه حالياً من انقسامات وقلاقل، ولأسبابٍ متعددة سابقة على تأزمها الحالي، أمّا الثاني فيتعلق بالفشل المتلاحق لكل المشاريع الأمريكية التي حاولت دول النفط تمريرها وتكريسها، كما يتعلق بهشاشتها المنفردة والمجتمعة، وأضيف بعد الأزمة القطرية هشاشتها البينية.
لا يوجد قوة إقليمية من حلفاء واشنطن قادرة على مواجهة إيران عسكرياً، فلا”إسرائيل” منفردة أو مجتمعة مع حلف خليجي قادرة على التعرض العسكري لإيران، وهذا يدركه بايدن كما يدركه نتن ياهو، لذلك فإنّ المجتمعين في العلا ليسوا أوراقاً كافية لإجبار إيران على القبول بانضمامهم لدول الاتفاق النووي5+1، قد يصلحون ورقة للتلويح لتعزيز الموقف الأمريكي في المفاوضات، ولكن المعضلة التي سيصطدم بها المفاوض الأمريكي، هي أنّه لا يوجد مفاوض إيراني من أصله على طرف الطاولة المقابل، فالموقف الإيراني واضح وغير قابلٍ للضغط أو التغيير، العودة الأمريكية للاتفاق مع رفع العقوبات، والعودة الأمريكية وفق هذه الرؤية الإيرانية الواضحة، ستنتفي الحاجة لورقة التلويح الأمريكية بالعباءات الخليجية، وسيجد الأمريكي مفاوضاً إيرانياً على الطرف الآخر للطاولة، لكن التفاوض سيكون بعيداً عن النووي الإيراني، وبما أنّ إيران لن تّخضع برامجها الدفاعية لأيّ تفاوض، وهذا مبدأ مقدس لا تجادل فيه إيران، وبما أنّه أيضاً سيكون النفوذ الإقليمي مسألة لا تقاربها إيران حسب العقلية الأمريكية، فكما قال السيد نصرالله”أنّ إيران لا تفاوض نيابة عن أحد ولا تفاوض باسم أحد”.
ومع استبعاد كل هذه الملفات غير القابلة للتفاوض، أعتقد أنّه لا يبقى سوى الملف الأهم للتفاوض، والذي قد تقبل إيران بالتفاوض والجلوس على الطاولة أمام المفاوض الأمريكي، وهو ملف الانسحاب الأمريكي من المنطقة، ومستقبل نفوذها وسطوتها على بعض الأنظمة وسطوها على ثرواتها، وهذا بالطبع سيكون ملفاً ترفض الإدارة الأمريكية التفاوض فيه أو عليه، لكنه سيكون الرفض المؤقت طالما كان مريحاً، أي حين يكون رفضاً بلا تبعات، ولكن بالأخذ بعين الاعتبار الاستراتيجية التي أعلنتها إيران ومحور المقاومة، على خلفية اغتيال الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، حيث أنّ الثأر سيكون بإخراج أمريكا من المنطقة، يعني أنّ البقاء الأمريكي في المنطقة لن يكون بلا أثمان، وإذا كانت الأثمان باهظة والأكلاف غير محتملة، فإنّ المفاوض الأمريكي قد يبحث حينها عن مفاوضٍ إيراني على طرف الطاولة، وحينها سيكون التفاوض ممكنا وسيكون مجدياً، وحينها ما الجدوى من اجتماع أو افتراق مجمع العلا و”إسرائيل” بجانبه، ولكن السؤال الأهم بناءً على ما تقدم هو متى تبدأ مرحلة تدفيع الثمن، ومتى تبدأ واشنطن بأنّ حسابات البقاء خسارة لا تضاهيها خسارة الرحيل، وحسب ما أعتقد فإنّ دخول المنطقة في هذه المرحلة هي مسألة وقت، وهذا الوقت سيكون محكوماً بعدة عوامل، تخضع لرؤية المحور الجيواستراتيجية للأزمنة المناسبة، كما للسلوكيات الأمريكية ما بعد ترامب.
إنّ المأزق الذي تعانيه أدوات الولايات المتحدة في المنطقة، خصوصاً مأزق البقاء”الإسرئيلي”، لا تملك له إدارة بايدن أيّ حلولٍ سوى أمرين، الأول هو تبريد الصفيح الساخن الذي تعيش فوقه المنطقة، وذلك عبر العودة للاتفاق النووي بالشروط الإيرنية، أمّا الثاني فهو اللجوء إلى استخدام القوة النووية ضد إيران، وهذا أمرٌ مستبعد جداً، فاللجوء لهذا الخيار سيضع العالم في عين حربٍ عالمية ثالثة ما يهدد بفناء الحضارات، وعليه فإنّ الخيارات”الإسرائيلية” تنحصر بالوقوف والمشاهدة فقط، حيث تتنامى القدرات الإيرانية وقدرات محور المقاومة، أمّا ما تمارسه من عملياتٍ استعراضية في سوريا، فهي أكثر من يدرك أنّها بلا طائل، وإنّها لا تعدو كونها تغريرٌ بالمطبعين، والذين بالمناسبة لا يحتاجون إلى أيّ تغرير، فهم منقادون بلا إرادة للتطبيع والأسرلة، لأنّهم بالأصل لا يملكونها، لذلك فإنّ إدارة بايدن عليها أن تُجهز أوراقها منذ أول يوم استلامها السلطة، لعملية التفاوض على الانسحاب من المنطقة، لأنّ الإدارة الأمريكية ستضطر لفعل ذلك يوماً، وليس من الجيد التفاوض عن غير جاهزية مسبقة، لأنّ الخسائر ستكون مضاعفة.