هذه القطب ستكون العائق الأول أمام جوزيف بايدن، رئيس أميركا المنتخب، يوم دخوله البيت الأبيض لمحاولة انقاذ ما تبقى من “اتفاق القرن” بعدما جرى تفريغه من محتواه. اعلان العودة قد يكون الخطوة الأكثر سهولة في مسار إعادة الحياة، اذ أنها تماما كقبول طبيب دخول مريض في حالة الخطر إلى غرفة العمليات، هي خطوة ضرورية لكنها ليست كافية على الإطلاق، إجراء العملية والعلاج هو الأساس، وبايدن قد لا يملك كل الأدوات اللازمة للوصول إلى النهاية المطلوبة.
التاريخ الحديث يزخر بالعديد من الأمثلة لمحاولات تفاهم أميركية إيرانية باءت بالفشل، بل يمكن القول إن العهود الرئاسية الإيرانية منذ المدة الثانية من رئاسة آية الله علي خامنئي مرورا بعهد الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني والرئيس الإصلاحي محمد خاتمي وعهد الرئيس محمود أحمدي نجاد وصولا إلى ولاية الرئيس الحالي حسن روحاني، كلها شهدت محاولات للتفاوض ومراسلات مباشرة وغير مباشرة، لكن النوايا لم تكن تكفي لتغيير حقيقة أن الفجوة بين الحد الأدنى الإيراني والحد الأدنى الأميركي صعبة على الجسر.
الصعوبة هنا في كون الهوة مزدحمة بالعقبات التي لا تبدأ بالأيدلوجيا ولا تنتهي بالتحالفات. إيران ٢٠٢١ تماما كإيران ١٩٧٩ مثقلة بالتزامات عقائدية لا تريد التحلل منها، أما الفارق بين جمهورية العقد الثامن من القرن العشرين وجمهورية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين هو أن الأخيرة باتت أكثر براغماتية في تقبل الحوار وأكثر تشددا في رفض التنازل عما تعتبره مكتسبات باتت تشكل جزءا من قراءتها لمنظومة أمنها القومي والإقليمي. بداية من الملف الصاروخي مرورا بنفوذها الإقليمي وصولا إلى ملفات تحولت مع الوقت من طموحات بعيدة إلى أمر واقع، كبرنامجها الفضائي، هذا إذا وضعنا جانبا العنوان الرئيس للحوار والاتفاق الذي كان، البرنامج النووي.
صحيح أن الأصوات الصادرة من طهران تتمايز في التعبير عن التشدد والتهاون، لكن الحسم في نهاية المطاف ليس منوطا بالأصوات، الحسم قرار نظام يؤطر بناء على ما يجري تقييمه كمصلحة، غير ذلك مساحة تعبير واسعة لا تقدم ولا تؤخر لحظة الالتزام. فلا يمكن لعاقل أن يدعي مثلا أن الاتفاق النووي كان يمكن أن تقبل به طهران بدون مباركة من القائد الأعلى خامنئي وتسليم بقية أعضاء دائرة صنع القرار، من قيادات عسكرية وأمنية وسياسية وحتى دينية. لا يعني هذا بالضرورة أن خامنئي كان من أنصار الاتفاق بشكله الذي انتهى إليه، لكن موافقته على المطروح الممكن شيء وما يرغب به شيء آخر.
الحقيقة أن الهوة بين واشنطن وطهران بقيت عصية على الجسر لأن في الولايات المتحدة من يعوّل على اتفاق نووي يكون مقدمة للتفاوض مع إيران على بقية الملفات العالقة، ولأن في طهران من وجد في الاتفاق النووي درعا حاميا للملفات الأخرى ذاتها التي لا رغبة لديه في التفاوض عليها
العلاقة مع أميركا لا تزال عصية على هذه المساحة الضبابية، فالقائد الأعلى هنا والحرس الثوري المجلس الأعلى للأمن القومي لم يصلوا بعد، جميعهم، إلى خلاصة تجعلهم يعتقدون أنه بالإمكان القبول بالحد الأدنى الممكن وذلك لأن عنصرا أساسيا يبقى غائبا عن المعادلة، ولعل رئاسة دونالد ترامب لأميركا عمقت أكثر من غيابه. الثقة، كلمة السر هذه هي مبتدأ وخبر أي خرق حقيقي على مستوى العلاقة بين واشنطن وطهران، وبناء على التجارب هي ليست نتاج التزامات كلامية، بل صناعة معقدة قد تمتد لسنوات يثبت فيها كل طرف خطوطه الحمراء والخضراء التي يجري اختبار نجاعتها.
بالنسبة لأميركا المسألة قد تكون أكثر تعقيدا بعد. فهناك جيل في واشنطن لا يزال يعيش ذكريات من ستينات وسبعينات القرن العشرين، حين كانت طهران الحليف الإقليمي الاستراتيجي وأول مستوردي السلاح الأميركي. هذا يدفع دوما للتفكير بسيناريوهات لاستعادة الماضي بحيث تحضر دوما في الأدبيات فكرة تغيير النظام. لا يمكن التعميم بالنسبة لهذه النقطة، وهذا ما جعل من اتفاق فيينا ممكنا في زمن باراك أوباما وجون كيري، وكلاهما من النظام ومتمرد عليه إلى حد ما. تجربة أوباما كيري وجدت لها شريك في رقصة التانغو من الجانب الإيراني تمثلت بالثنائي حسن روحاني ومحمد جواد ظريف، لكن الحقيقة أن الهوة التي تحدثنا عنها سابقا بقيت عصية على الجسر لأن في الولايات المتحدة من يعوّل على اتفاق نووي يكون مقدمة للتفاوض مع إيران على بقية الملفات العالقة، ولأن في طهران من وجد في الاتفاق النووي درعا حاميا للملفات الأخرى ذاتها التي لا رغبة لديه في التفاوض عليها، هكذا بدا كل طرف كمن يرسم خططا استراتيجية على رمال ثقة مرتجفة.
الكاتب : علي هاشم
الموقع :jadehiran.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2021-01-18 09:29:41
رابط الخبر
ان المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها والموقع لا يتحمل مسؤولية مضمونها