ايزابيل فرنجية | كاتبة وباحثة في الشؤون الدولية والقانونية .
قرار تعزيز تحالف مجموعة الدول المكونة من جمهورية الصين الشعبية والاتحاد الروسي وجمهورية إيران الإسلامية زائد المكونات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي تتوخى إلانفصال عن الأحادية القطبية والتصدي للهيمنة التي يفرضها الغرب حاليًا، أثار حفيظة واشنطن والدول الخاضعة لنفوذها.
محور بكين – موسكو – طهران ، عملاق وضخم من الناحية الديموغرافية والجغرافية، ويبلغ عدد سكان المحور مجتمعا 1500 مليون نسمة كما يمتاز بمساحة 29 مليون كيلومتر مربع واقتصاد يتمثل ب 22٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بالإضافة إلى ذلك هناك اثنان من أعضائه، الصين وروسيا، يشكلان جزءا من النادي النووي الحصري والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مع حق كل منهما في استخدام حق النقض، ما يمنح المحور الجديد قوة عسكرية قادرة على التصدي، في مناطق النزاع أرضاً وبحراً وجواً لمنظمة حلف شمال الأطلسي، وهذا بإعتراف القيادة العليا لحلف شمال الأطلسي ومجمع التفكير بالإنجليزية (Think tank) المرتبط بعلاقة مباشرة بكل من الناتو والبنتاغون.
بدأت الصين وروسيا وإيران في تحديد تعاون استراتيجي بقرار ورعاية حكومية، فجرى التنسيق وإتخاذ الإجراءات الخاصة حول مناطق إستراتيجية والتي تعاني من تدخلات و عدوان غربي ، والذي طال بشكل خاص الشعب السوري واليمني والعراقي، حتى توسعت قاعدة نفوذهم ليس فقط تجاه النزاعات التي تمس بيئتهم وحتى أمنهم الداخلي، ولكن أيضا تطوير الخطوط الأمنية على خارطة النفوذ الجيوستراتيجي
التقارب بين روسيا والصين وإيران ليس وليد الضروروات الداهمة أو وليد البارحة، أو لمواجهة عمل الجماعات التكفيرية الإرهابية، التي ضمت بين أعضائها مرتزقة يحملون الجنسية الروسية والصينية و يشكلون تهديدًا للداخل الصيني الروسي لا يمكن تجاهله.
في الحالة الصينية، على سبيل المثال، يشكل تقارب قواتها المسلحة تحت مظلة الاتفاقات التي أبرمتها روسيا وإيران مع الجمهورية العربية السورية تغييراً وتحولاً ذا طبيعة استراتيجية في الطريقة التي قاربت بها الصين مسألة النزاعات الدولية.
تشكل الحالة الصينية من حيث انضمامها إلى التحالف الثلاثي، ورقة ضغط دبلوماسية وسياسية على جبهات مختلفة، وبالتالي منع القوى الغربية وشركائها في الشرق الأوسط من النجاح في الإطاحة بحكومة الأسد، وبالتالي تؤسس لقاعدة عمليات دفاعية تمتد من إيران، لجنوب روسيا حتى غرب الصين، واضعين في عين الإعتبار العامل الجيوستراتيجي الذي يمثله الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالنسبة للصين، حيث تتلقى من هناك حوالي 50٪ من النفط والغاز الذي تحتاجه لاقتصادها.
في مايو 2014، عقد رئيس الصين، شي جين بينغ، مؤتمرا حول التفاعل وتدابير الثقة في آسيا – CICA –في شنغهاي، وحضره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني وجاء في كلمته أن “المؤتمر حول التفاعل وتدابير الثقة في آسيا يجب أن يصبح حوارًا حول الأمن ومنصة للتعاون المتبادل، ويجب أن يؤسس آلية استشارية دفاعية من أجل إنشاء مركز استجابة أمنية في حالات الطوارئ الكبرى ” .وسبق كلام XI Jinpig توقيع اتفاقية تاريخية لتوريد الغاز الروسي إلى الصين ، مقابل 400 مليار دولار ، والتي يجب قراءتها من حيث العواقب الجيوستراتيجية التي تنطوي عليها الاتفاقية المذكورة .
حضر توقيع هذه الاتفاقية الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي دخلت حكومته حتى ذلك التاريخ في محادثات واتفاقيات وعقود مع شركات من العملاق الآسيوي للعمل معًا، ليس فقط في بيع الغاز والنفط، ولكن أيضًا في تمويل مشاريع التنقيب وبناء الموانئ والسكك الحديدية وحتى نظام التنقيب عن الهيدروكربونات.
في أبريل 2015 ، أعلنت إيران، في مؤتمر موسكو الرابع للأمن الدولي، عن استعدادها الكامل للتعاون، جنبًا إلى جنب مع حكومتي الصين وروسيا حول مسائل الرد المشترك على التهديدات من الغرب، وبشكل أساسي من استراتيجية الصواريخ التي وضعها حلف الناتو في العراق، وهذا يؤثر بشكل مباشر على حكومتي طهران وبكين اللتين يعتبرهما حلف شمال الأطلسي أعداء من الطراز الأول، إذ حدد وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان في ذلك الاجتماع رغبة إيران في دعم فكرة التعاون العسكري المتعدد الأغراض بين الصين والهند وروسيا ، لمواجهة توسع الناتو شرقا وتركيب درع صاروخي في أوروبا و مناقشة جوانب معينة من الأمن الإقليمي .
هذا التعاون الثلاثي للنظام المتعدد الأقطاب الجديد أسس لشراكة إستراتيجية في المجال العسكري في ما يتعلق بأوروبا والولايات المتحدة كأولوية. فالبيئة الجيوسياسية للشرق الأوسط وآسيا الوسطى آخذة في التغير ، وهذا ليس بأي حال من الأحوال مؤاتياً للقوى المهيمنة، لذا أطلق عليه البعض بالفعل اسم الوفاق الثلاثي الأوراسي الذي يعزز عملية طويلة من التكامل السياسي والاستراتيجي والدبلوماسي والعسكري.
ولا يقتصر الاهتمام الصيني على الأمور التجارية فقط، تهتم حكومة بكين بمكافحة وجود إرهابيي الأويغورفي منطقة شينجيانغ الأويغورية ذاتية الحكم الواقعة على الحدود الشمالية الغربية مع الدول ذات الأغلبية المسلمة مثل كازاخستان وتركمانستان وأفغانستان،مع كل تأثير الجماعات السلفية التي تعمل هناك. وهذه الجماعات الإرهابية وتكتسب الخبرة من خلال مشاركتها في حربي العدوان على سوريا والعراق.
هناك أيضًا هدف آخر للحكومة الصينية، وهو تخفيف الضغط عن بؤرة التوترات الموجودة في بحر الصين الجنوبي، من خلال الضغوط والاستفزازات الأمريكية التي قام بها شركاؤها الآسيويون، اليابان وكوريا الجنوبية والتي انضمت إليها أستراليا، حيث نشر الدرع الصاروخي الأمريكي THAAS في كوريا الجنوبية، إضافة إلى قرار محاربة هؤلاء المتطوعين الأويغور الذين استقروا في الأراضي السورية وحتى في مدينة الرقة – تحت سيطرة داعش – على عكس حكومتي روسيا وإيران ،ليس لديهم بيانات استخباراتية واسعة النطاق ومحددة عن الجماعات الإرهابية التي قد تؤثر على مجتمعاتهم، فهم لا يمتلكونها، وبالتالي ، تتطلب عملًا استخباراتيًا وجمعًا وتحليلًا لكل مجموعة،يمكن أن تتصرف في الأراضي الصينية والطريقة التي تسيطر بها واشنطن وشركاؤها الأوروبيون ، وخاصة إنجلترا ، على أفعالهم ، مما يؤدي إلى زعزعة استقرار بكين.
بدأ التحالف بين الصين وروسيا وإيران ينسج في خضم الضغوط والحصار والعقوبات والاعتداءات التي يمارسها الغرب على هذه المجموعة من الدول، إما بشكل مباشر أو من خلال الضغط في ما يتعلق بالمطالبات الإقليمية مثل بحر الصين، والتدخل في الإطاحة بالحكومات وتنصيب الإدارات التابعة للغرب كما هو الحال في أوكرانيا- إقامة جدار عسكري على الحدود الغربية لروسيا ، من خلال توسيع منظمة حلف شمال الأطلسي – الناتو – أو الإكراه والهجمات ضد جمهورية إيران الإسلامية منذ لحظة انتصار الثورة، وزاد ذلك بحجة البرنامج النووي الإيراني والاتهامات بشأن فرضية القرار الإيراني لتصنيع أسلحة دمار شامل، الذريعة التي عملت على رفع واحدة من أبشع العمليات، من وجهة نظر التحريف السياسي ، والتضليل الإعلامي ، والتلاعب بالمنظمات الدولية ، وانتهاك القانون الدولي ، وفرض عقوبات على جمهورية إيران الإسلامية.
لعبة كلاسيكية تلعبها واشنطن لإثارة الإنذار والاتهام والضغط من أجل فرض عقوبات وزعزعة الاستقرار ومحاولة الإطاحة بالحكومات غير الخاضعة لها.
في مقال مثير للاهتمام بقلم مهدي سنازمروايا حول مؤتمر موسكو الرابع للأمن الدولي ، يشير إلى أن التحالف بين الصين وروسيا وإيران يحقق أسوأ الكوابيس للولايات المتحدة، والتي تنبأ بها في ذلك الوقت المستشار الأمني السابق بريجنسكي الذي حذر المؤسسة السياسية والعسكرية الأمريكية من تشكيل محور تعاون أورو-آسيوي من شأنه أن يتحدى الولايات المتحدة وحلفائها في العالم.
ووفقًا لما قاله بريجنسكي ، فإن هذا التحالف الأوراسي يمكن أن يبرز على أنه تحالف بين الصين وروسيا ، تكون فيه بكين هي النقطة المركزية.وهكذا تعاون إذا إنتقل بين جهات فاعلة لا تقل أهمية عن الصين وروسيا وإيران، في مجالات متنوعة مثل الاقتصاد والسياسة والطاقة والمجال العسكري، سيتحول من كابوس إلى واقع ، وتهديد مباشر للهيمنة الغربية.
أما على الصعيد الإقتصادي، لقرون متتالية، كانت إيران جزءًا مهمًا جدًا من طريق الحرير التاريخي ، بالإضافة إلى ذلك ، فإن سياسة ارتباط القوى في النظام الدولي، تشير إلى “التنافس بين الشرق والغرب” من جهة، زائد الأهمية الجيوستراتيجية للوصل بين المناطق النائية والخليج الفارسي، من جهة أخرى، فتحولت إيران إلى حاجة أساسية من بين الدول الواقعة على طريق الحرير الجديد، الذي تروج له الصين. وتعد إيران واحدة من الدول التي بفضل ميزتها الجيوسياسية ، قادرة على لعب دور إيجابي وبناء في تطوير الاتصالات والعلاقات بين الدول الآسيوية، على الرغم من التراجع النسبي لطريق الحرير القديم، فقد تم تهميش العديد من الدول الواقعة عليه ولكن واصلت إيران لعب دورها الجيوسياسي المهم ذي محور مركزي في الحزام الاقتصادي لطريق الحرير الجديد،بالنظر إلى المزايا مثل كونها أقصر طريق إلى أوروبا، يمكن لإيران أن تلعب دورًا مهمًا في نقل البضائع بمجرد إعادة تنشيط هذا الطريق.
أدى تفكك الاتحاد السوفياتي ، وبعد ذلك الاستقلال الذي حصلت عليه دول آسيا الوسطى ، إلى تعزيز موقف إيران في إعادة تنشيط طريق الحرير. ترجع أهمية هذا الموقف إلى حقيقة، أن آسيا الوسطى والقوقاز غير ساحلية وأن موقع إيران هو الخيار الوحيد المتاح للبلدان في هذه المنطقة للوصول إلى الخليج الفارسي والمياه الحرة.
أعطى الموقع الجغرافي للدولة الفارسية أهمية خاصة من حيث حركة البضائع ومرور أنابيب النفط والغاز في الاقتصاد العالمي،وازداد التعاون بين إيران والصين وأنشطة شركات العملاق الآسيوي في مختلف القطاعات، في الأسواق التجارية والإنتاجية بشكل كبير لدرجة أنها جعلت الصين أكبر شريك تجاري للأمة الفارسية( إيران هي ثالث أكبر مورد للخام للصين ) وازدادت التجارة بين الطرفين، ومن المتوقع أن تصل التجارة بين بكين وطهران إلى 400 مليار دولار بعد توقيع الاتفاقية .فالموقع الجغرافي الفريد لإيران مناسب ليس فقط لمبادرة طريق الحرير الجديدة، ولكن أيضًا لمشاريع العبور الأخرى ،ما يسمح لإيران بإعطاء الأولوية لخطط العبور الأخرى .على سبيل المثال ، تبرز الخصائص الفريدة لإيران في ممر النقل بين الشمال والجنوب (NSTC).
وإلى جانب إيران ، فإن روسيا والهند هما أيضًا الجانبان الرئيسيان للممر والذي ، مقارنة بقناة السويس ، يختصر وقت نقل البضائع من بومباي إلى موسكو إلى 20 يومًا. يصل حجم تبادل البضائع من 20 مليون إلى 30 مليون طن سنويًا.
إضافة إلى المشروع الصيني لطريق الحرير والممر بين الشمال والجنوب ، والذي تشكل إيران المحور المركزي له ، تقوم طهران بتنفيذ مشاريع تهدف إلى استكمال وتوسيع مسارات اتصالاتها مع دول المنطقة. أحدها هو خط سكة حديد شاهبهار – سرخس ، الذي يمتد من جنوب شرق إيران ، أي من ميناء شاهبهار المحيطي إلى سرخس في شمال شرق البلاد على الحدود مع تركمانستان ، ويربط آسيا الوسطى بمياه الهند. وهنا يجدر الإضاءة على مسار ميناء شهبار وصولاً إلى ميناء كولمبو في سيرلانكا الذي وضعت الصين يدها عليه، مسافة شديدة الأهمية في فض الحصار عبر المياه الحرة .
مع الأخذ في الاعتبار كل ما سبق ، يمكن القول إن إيران تتمتع بموقع محوري كمفترق طرق تاريخي في جميع مبادرات العبور الإقليمية والخارجية ، والتي يتم الترويج لها بهدف ربط آسيا وأوروبا والخليج الفارسي. ولا يمكن للمقاربات السياسية لبعض البلدان أن تترك أثراً سلبياً على هذه الميزة الاقتصادية والجيوسياسية للأمة الفارسية.
لإيران دور كبير في إعادة تنشيط طريق الحرير الجديد ، الذي اقترحته الصين ، بالإضافة إلى خطط العبور الأخرى، الذي يهدف إلى إقامة صلة وصل بين آسيا الوسطى والقوقاز وجنوب آسيا وغرب آسيا، وسواحل الخليج الفارسي وأوروبا. لا أحد يستطيع أن ينكر مكانة إيران في مبادرات العبور في المنطقة بسبب موقعها الجغرافي السياسي الخاص، واستقرارها ، وأمنها ، وموقعها التاريخي ، وتأثيرها الحضاري والثقافي ، وبسبب مواردها الغنية بالطاقة والقوى العاملة الشابة.
سعت الإدارة الأمريكية السابقة لدونالد ترامب إلى إبعاد إيران وروسيا والصين عن طريق نقل الطاقة والبضائع من خلال متابعة تنفيذ مشروعي آسيا الوسطى الكبرى واستراتيجية طريق الحرير الجديد ،مجندةً طاقتها ذات الأهداف السياسية التوسعية و مرتكزةً على خطة “كل شيء من دون إيران وروسيا والصين” ،فتحاول واشنطن إضعاف الموقف التقليدي لهذه الدول الثلاث في تطوير الأحداث الاقتصادية والتجارية في آسيا الوسطى وجنوب آسيا وأفغانستان. لكن تجارب السنوات التي أعقبت تفكك الاتحاد السوفييتي وفشل المشاريع الأمريكية في المنطقة، مثل مناطق الترانزيت أو نقل الطاقة (مثل مشروع خط أنابيب الغاز عبر قزوين)، أظهرت أن واشنطن لا تستطيع فرض نواياها السياسية المهيمنة على الحقائق الجيوسياسية لإيران و تمردها الوجودي في المنطقة.