الدكتور رفعت بدوي | باحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية – مستشار الرئيس سليم الحص .
عقدت مؤخراً في الكيان الصهيوني ندوة بحثية وصفت بالإستراتيجية ضمت العديد من رؤساء مراكز دراسات وأبحاث ومفكرين من بريطانيا وأميركا وفرنسا وألمانيا شكلوا حلقة متخصصة للبحث في مستقبل المنطقة العربية وتحولاتها خصوصاً بعد تهافت بعض دول الخليج على السلام والتطبيع مع العدو الإسرائيلي.
محور الندوة هو الإجابة عن ثلاثة أسئلة
السؤال الأول:
هل إقبال العرب على السلام مع إسرائيل هو نتيجة الاقتناع بجدوى السلام أم إنه نتيجة ضعف؟
الجواب الإسرائيلي:
إن سلام العرب معنا هو اعتراف بقوتنا الإستراتيجية ونتيجة خوفهم وضعفهم وليس عن اقتناع.
السؤال الثاني:
هل ترون إمكانية نشوب حرب بين العرب وإسرائيل إذا ما استعادوا قوتهم بغض النظر عن أي اتفاقيات مبرمة بيننا؟
الجواب الإسرائيلي:
العرب سبق لهم وقبلوا بعقد اتفاقات مع الروم والفرس والصليبيين وهادنوا العثمانيين لكن العرب عادوا وخاضوا حروباً ضارية ضد الصليبيين وأعلنوا ثورتهم على العثمانيين ثم على قوى الاستعمار الأوروبي وخاصة بريطانيا وفرنسا لينتهي النقاش بحتمية عودة العرب إلى الحرب ضد إسرائيل فور توفر الظروف واستعادة عوامل القوة العربية.
السؤال الثالث:
إذا كان الأمر كما ورد في السؤال الثاني فما هو الحل وكيف لنا ضمان بقاء إسرائيل وأمنها؟
الجواب:
ضرورة العمل وبكل الوسائل المتاحة لإبقاء العرب في حالة إنهاك لضمان استمرار ضعفهم الدائم.
وإذا ما أخذنا جواب السؤال الثالث يتأكد لنا فهم ما جرى ويجري من حروب دموية متنقلة ومن سياسات ضاغطة وسطو منظم على ثرواتنا النفطية وحرماننا من خيرات زرعنا وقمحنا ومياهنا إضافة إلى افتعال الفتن وغسل الأدمغة الذي أسهم في تراجع المستوى العلمي والثقافي وزيادة في التخلف والجهل ناهيك عن العقوبات الاقتصادية الجائرة المفروضة على منطقتنا.
الغرب عموماً لا ينظر إلينا نحن كأمة عربية باحترام والسبب هو قبولنا بما أقره وفرضه المستعمر بعدما قبلنا بقسمته لأرضنا العربية وتحويلها إلى إمارات وبلاد رسم حدودها الوهمية تنفيذاً لاتفاقية بين المستعمرين أطلق عليها سايكس بيكو فرضت علينا لأننا لم نكن نملك الحول ولا القوة بل أكثر من ذلك فقد أقدم الاستعمار الغربي على اقتطاع أجزاء من الأرض العربية «لواء اسكندرون» وقدمها للدولة العثمانية كمكافأة من حسابنا نحن العرب.
إن القبول بالحدود التي حددها لنا اتفاق سايكس بيكو والانكفاء نحو الداخل يصفه البعض بالانتماء الوطني بيد أن هذا النوع من الانتماء لا يمكنه منحنا الصمود إن لم ننخرط في الدفاع عن آمن الإقليم العربي بكامله واعتباره وطناً واحداً متحداً جغرافياً واقتصادياً وامنياً لاسيما ما يربط بلاد الشام.
البعض يدعو للدفاع عن الحدود التي رسمت لنا والاكتفاء بإطلاق شعار وطني أولاً هؤلاء أوقعوا أنفسهم في فخ السجود لإرادة الاستعمار ولن يدركوا بعد أن ما جرى ويجري على أرضنا العربية من اقتتال وفتن مذهبية وطائفية هو نار متنقلة بين دول رسم حدودها مستعمر غربي لإلغاء الهوية العربية عنها بعد أن نصّب عليها وكلاء بصفة نواطير مهمتهم الأساسية الحفاظ على تركة المستعمر وتأمين مصالحه على حساب تخلف وجهل شعبنا العربي.
نحن بحاجة إلى مشروع اتحاد عربي إقليمي وحدوي قائم على رسالة سياسية جغرافية اقتصادية ثقافية وإلى ثورة علمية محمية بقوة المقاومة العربية فالإسلام لم يكن موجوداً قبل ظهور الدعوة إلى مشروع دولة الإسلام المتحد دولة يحترم فيها الإنسان تنبذ العبودية وتدعو إلى الحرية وإلى مقاومة ومقاتلة الأعداء، أما مشروع أميركا العظيمة فلم يكن موجوداً قبل اتحاد ولايات أميركا ومشروع الشيوعية لم يكن موجوداً قبل قيام الثورة البلشفية وفرنسا لم تصبح في مصاف الدول الرائدة قبل قيام الثورة الفرنسية أما أوروبا لم تتوحد إلا بعد دراسة وفهم تاريخ الصراعات بين شعوبها المتنوعة وبعد إجراء نقد ذاتي أدى إلى وحدتها وإلى تطور الإنسان فيها.
الشروع في مشروع اتحاد عربي حقيقي بحاجة إلى إعادة لقراءة متأنية في تفاصيل التاريخ وإلى استيعاب مراحله وإلى مضاعفة جهود التوعية الإعلامية بضرورة مناهضة المشاريع الاستعمارية السياسية والاقتصادية والعسكرية والفكرية والثقافية وحتى الإسلامية بنسخته المزورة وذلك لردم الهوة الحاصلة بين تاريخ صنعه لنا المستعمر وبين تاريخ وجب علينا صناعته بأنفسنا لضمان مستقبل أمتنا وأجيالنا العربية.
نحن العرب نستحق الحياة والاحترام مثلنا مثل باقي الأمم ونحن لم نخلق من أجل الهوان والخنوع لما فرضه الغرب علينا أو لتصدير الأدمغة العربية ولن نحوز صفحة مشرفة في تاريخ احترام الأمم والشعوب طالما بقينا نتلقى ضربات العدو الإسرائيلي والأميركي من دون أي رد منا بل من حقنا المبادرة إلى الرد بالمثل ولو بأقل منه لأن الدفاع عن سيادة أرضنا العربية واحترام إرادة شعبنا واجب مقدس ولم يعد مقبولاً التحجج بالأولويات فلا يمكننا الاستمرار في حال الدفاع عن النفس لأن في ذلك ضرب للعزيمة وتهاون بكرامة شعبنا وعلينا توفير كل الإمكانات لكسر هيبة العدو الإسرائيلي.
إن إيلام العدو الإسرائيلي كفيل بإيلام عملائه وبردعهم عن الوغول في إضعافنا وأما تحرير فلسطين فهو كفيل بتحرر الوطن العربي من أي استعمار ثقافي وعسكري واقتصادي فلا جدوى من المطالبة بتحرير أرض عربية محتلة من دون تحرير فلسطين البوصلة وأم القضايا العربية.
من هنا تأتي أولوية التمسك بتحرير فلسطين لأنها أرض عربية اغتصبت وسهّل اغتصابها بعض العرب بعد إعطائهم الضوء الأخضر لبلفورد البريطاني الذي منح الصهاينة حق احتلال فلسطين العربية.
إن القول بوجوب إعادة صياغة التاريخ على أسس السلام والتطبيع مع العدو الإسرائيلي فيه تعد على التاريخ نفسه فالتاريخ هو حقبة أو مرحلة موثقة لا تقبل التحريف ولا التزوير ولأن صراعنا مع العدو هو صراع وجود فالتاريخ هو قاضٍ منصف لا يعرف الحلول الوسط.
إن إعادة قراءة تاريخنا والتمعن بكل تفاصيله وفهم واستيعاب مراحله وإجراء نقد ذاتي ضرورة ملحة من أجل معالجة مكامن الضعف وتعزيز عوامل القوة ما يحقق ردم الهوة الحاصلة بيننا وبين حقنا وتاريخنا الحقيقي.
إن مشروع اتحاد الإقليم العربي وهو السمت الصحيح لتصحيح الجغرافية السياسية لمنطقتنا بعدما رسم حدودها مستعمر وبحبر مزور أورث أجيالنا حروباً دائمة ومتنقلة لإبقائنا في حال من الضعف الدائم وحرمنا من امتلاك مشروع الاتحاد الإقليمي الأمر الذي أفقدنا فرصة احترام التاريخ لامتنا العربية.
نحن في مرحلة مصيرية لا حلول وسط فيها ولا مجال للتردد والانهزام فلا تنازل عن الحقوق ولا تفريط بشبر واحد من أرضنا ولا بمياهنا العربية ولا بثرواتنا ولن نُستَعمَر مرة أخرى لأننا أمة مقدر لها النهوض من تحت الركام لنكون أسياداً على أرضنا مستقلين في بلادنا أحراراً بثرواتنا وحقوقنا ولأننا أصحاب هذه الأرض، فالأمة المتمسكة بحقوقها لا بد وأن تفرض وجودها على باقي الأمم حينها فقط يفرد لها التاريخ صفحات الاحترام.