البلد غارق في الأزمات ومأزق التشكيل يضاعف الكلفة.
غالب قنديل | رئيس مركز الشرق الجديد
لا تلوح في الأفق مخارج قريبة لمأزق تشكيل حكومة جديدة. واستعصاء هذه الأزمة يبدو غير مفهوم أو مبرّر للمواطن العادي. ويستمر الغموض السياسي حول الأمر، بينما تتزايد التأويلات والتسريبات. في حين يسلّم الجميع بأن تمادي الفراغ سيرفع الكلفة، ويسرّع وتائر الانهيار، الذي لا يمكن وقفه في ظل حكومة تصريف الأعمال.
أولا: لم يتقدّم الرئيس المكلّف بمشروع يخالف منوال ما هو جارٍ في إدارة الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة، أو بتفسير لاستعصاء التأليف. فالواضح أن عقدة حصص التمثيل في مجلس الوزراء، هي التي تؤخر ولادة الحكومة العتيدة. ومن غير أن تعلن ايٌّ من الرئاستين الأولى والثالثة رؤيتها الخاصة، والمفارِقة لتشكيل الحكومة أو لخطتها الطارئة في مواجهة الانهيار الخطير.
من المؤسف، ومن اللاسياسة أن تصل أزمة التشكيل الى هذا الاستعصاء، ويُترك البلد معلقا في فراغ السلطة التنفيذية ضمن حلقة لحس المبرد، وفي أزمة لا ترحم، وتطحن الطبقات الشعبية، بل إنها مسّت وبقوة الشرائج الاجتماعية الوسطى، التي كانت الخرافة اللبنانية القديمة تقول إنها صمّام أمان الاستقرار. وفي ذلك شيء من الصحة، ولكن هذه الطبقة تضمحلّ اليوم وتتقلّص، فيما تطحنها الكارثة الكبرى التي يستغرق فيها البلد، ولا عين ترفّ لأي من المتجادلين المتنازعين الدائرين في حلقة مفرغة، تورث هذا الفراغ الخطير.
ثانيا: كنا نتمنى لو أن حيثيات الاستعصاء قُدِّمت برؤى وبرامج تبرّر عدم التلاقي والتفاهم بين الرئاستين الأولى والثالثة على التشكيلة الحكومية العتيدة. والمواطن، في نظرته الى ما يجري، يؤلمه هدر الوقت الثمين في حلقة الفراغ الحكومي، بينما تطحنه الأزمات من كل اتجاه. والمسؤولون أنفسهم كانوا يعلنون ليل نهار أن اخطر ما يفاقم المأزق الاقتصادي والمالي والانهيار المعيشي، الذي يسحق الفقراء ومتوسطي الحال، هو الفراغ الحكومي في زمن يستدعي حكومة غير عادية لمجابهة الكارثة.
لا يتفهّم الناس أيّا من الاعتبارات التي قد يُوردها المعنيون في تفسير هذا المأزق. فالحقيقة أن أيّا منهم لم يتقدّم برؤية تتصل بمضمون التوجّهات والخطط المطلوبة لحلّ الأزمة الكارثية. ومن الواضح أن جميع المواقف في هذا المجال متماثلة ومتوافقة بين سائر الأطراف الأساسية المكوِّنة لمعادلة القرار والمعنية بالتشكيل. فأحدٌ ليست لديه اقتراحات خارج حلقة الديون والقروض ومواصلة إدارة الأزمة وانتظار جلاء الجائحة، علّ الله يقضي أمرا كان مفعولا. ولم نسمع أو نقرأ مشروعا جدّيا يخرج عن دائرة إدارة الأزمة، ليقترح مسارا جديدا مفارقا بصورة نوعية، يبرّر اختلافاتٍ نوعية وجذرية مع المنهج المتّبع في إدارة الشأن العام مع تمادي الكارثة الاقتصادية والمعيشية.
ثالثا: إن دوام الفراغ، بكل أسف، هو نوع من العبث غير المشروع أو المفهوم في مصائر الناس والبلد، في ظرف غير عادي وشديد الصعوبة. ولا سيما أن أحدا من المتنازعين في وجهات النظر حول التشكيلة الحكومية لم يقدّم للبنانيين حيثية واحدة للاختلاف، تتصل بخطط العمل الحكومي ومشاريع الإنقاذ. ولا تخرج جميع أدبيات المتنازعين عن مفردات الأحجام والحصص التمثيلية والابتعاد عن تقديم أي حجة تتصل بمشروع الحكومة أو خطّتها.
إن تمادي هذه الأزمة سيرتّب على البلد كلفة إضافية. فأي قرار يتعلّق بمعالجة الأزمة واحتواء نتائجها، يتطلّب بالضرورة حكومة كاملة القوام الدستوري، لتقرّ الخطط والمشاريع، ولتتخذ الإجراءات الكفيلة بوقف الانحدار السريع نحو هوة خطيرة، وهذا ما يعرفه جميع المعنيين. وبالتالي إنها مسؤوليتهم المشتركة في التفاهم على تشكيلة حكومية وبرنامج إنقاذي يمنع المزيد من الانهيار. وهذا هو الحدّ الأدنى الذي ينتظره الناس، ولا يسامحون المتلكئين في توفير شروط نجاحه. وهو أقلّ الواجب الوطني والمسؤولية في زمن كارثي وغير عادي، لم نشهده من قبل. وبالتالي لا مجال معه للمزيد من هدر الزمن في سجالات التشكيل والحصص الوزارية.
إن كنتمم متفقين على وصفات وقف الكارثة، فلا ترفعوا كلفتها بتمادي الفراغ.