نارام سرجون | كاتب عربي سوري
وصلتني هذه الرسالة التي وجدت ان من واجبي نشرها ونشر ردي عليها .
الاستاذ نارام
سمعت الكثيرين يتحدثون عنك ولكن اليوم الكثيرون يقولون انك لا تعبّر عن همومهم . لماذا لاتكتب عن همومنا اليوم ؟ همومنا ليست في دحر اميريكا وهزيمة تركيا.؟ همومنا هي المازوت والبنزين والخبز والراتب الضئيل.ولااعرف ان كان مانعيشه تسميه نصرا. الا تظن ان علينا ان نقايض النصر ببعض الخبز؟ اظن حان الوقت كي تخرج من عالمك المثالي الى عالمنا الواقعي كي ندخل في عالمك .أرجو أن لا أكون قد اغضبتك.
صديقتك التي كانت تحبك ولاتزال .
صديقتي ..
مايزعجني ليس السؤال بل مايزعجني هو انك انت من يعيش عالما مثاليا ويعيش في اليوتوبيا .. أنني أكثر منك واقعية كما أظن .. انت وكثيرون مثلك ممن يظنون ان الرفض هو موقف غير واقعي وأن المقايضة هي الخيار الذي سينقذنا… ماأزعجني هو انك لم تقدري ان تربطي بين خبزك وبين اميريكا
ولكن دعيني ادغدغ ذاكرتك وأنشطها قليلا .. قبل ان اسألك عن العلاقة بين اميريكا وبين الخبز .. وعندها انت من يقرر من منا الذي يعيش الخيال والاوهام..
من الذي أحرق القمح السوري في أراضينا علنا؟ انها أميريكا
من الذي دمر الليرة؟ انها أميريكا
من الذي يمنع الوقود عن محطات الطاقة؟ انها اميريكا
من الذي يمنع اعادة الاعمار وتشغيل مئات الالاف كي يبقوا فقراء؟ انها اميريكا
من الذي أخذ خبزنا ونفطنا علنا وأمام عيون الدنيا ويلاحق ناقلات النفط التي تتجه الينا؟؟ انها أميريكا
السؤال الأهم: ماذا تريد اميريكا؟
هل تظنين انها تريد فقط موقفا تطبيعيا مع اسرائيل وسلاما وهكذا نبوس بعضنا ونتصافح ويمضي كل منا لحاله؟؟
هل تتذكرين الاحلام العراقية عندما جاع العراقيون من الحصار وكانت شرطة الحدود الأردنية تصادر ربطات الخبز التي يأخذها العراقيون العائدون الى بغداد بحجة الامتثال لقرارات الامم المتحدة والفصل السابع؟ تخيلي ربطة خبز مع اسرة عراقية تصادر على الحدود مثل السلاح والمخدرات .. لماذا صار الخبز الداخل الى العراق يضاهي قوة السلاح؟؟ كي تقولي انت مثل هذا الكلام الذي قاله العراقيون الذين قبلوا بالتخلي عن بلادهم وقيادتهم ..
احلام العراقيين كانت مثلك بسيطة: خبز ووقود وكهرباء وسفارات وأسفار مثل بقية الامم الطبيعية التي لاتحارب .. وقبل العراقيون بعدها تحت دغدغة الاحلام قبلوا بالاحتلال واجثتاث البعث والتخلص من يوتيوبيا صدام حسين الذي يريد تحرير الكويت يوما وعربستان يوما ورفع سمعة الماجدات العراقيات والعودة بأساطير حمورابي وأشور بانيبال .. ولكن هل اعطتهم اميريكا الخبز والوقود والمجد؟ طبعا لا .. العراقيون على بحر من النفط ولكنهم لايزالون بلا كهرباء ولاماء ولا خدمات .. وفوق كل هذا رغيف خبزهم مغمس بالدم .. بل واعطتهم اميريكا حربا طائفية قتلت الملايين واهدتهم داعش .. وانقسم العراق نفسيا الى 3 دويلات ..
هل تعلمين ان العراق بعد ان تخلص من فساد (البعث) هو من أكثر بلدان العالم فسادا؟؟ والسبب هو ان اميريكا وضعت عملاءها في كل مفاصل الدولة العراقية وهؤلاء مهمتهم نشر ثقافة الفساد .. ثم وضعت دستورا عراقيا لايعمل الا بالفساد والفاسدين لانه دستور محاصصة طائفي به تصبح كل طائفة تشد الدستور والمصالح نحوها وهذا مايخلق طبقة فساد سميكة جدا في كل طائفة .. فهذه الطبقات هي التي تستفيد من التوتر الطائفي والانقسام وولاء الطوائف والفقراء.. وصارت مصالحها في ابقاء الدستور والانقسام ومصالحها التجارية صارت فوق مصالح العراق والعراقيين ..
ونفس الطبقة الرثة موجودة في لبنان ودستوره .. ولكن هل استراح اللبنانيون وأكلوا الخبز وشبعوا المحروقات وسكبوا البنزين في نوافير البيوت؟؟ الجواب طبعا لا .. اللبنانيون تحكمهم طبقة كثيفة جدا جدا من الفاسدين والطائفيين .. ولذلك تجدين البنوك اللبنانية فارغة من الدولار .. والليرة اللبنانية مثل قيمة مجيدية عصملية قديمة .. ومع هذا لايجرؤ احد على ان يحاكم حاكم مصرف لبنان الذي أفرغ البنك اللبناني من العملات لأنه موطف تعينه اميريكا .. ولايجرؤ احد على ابراز نتائج التحقيق في انفجار مرفأ بيروت لأن اميريكا تريد ان تتهم حزب الله .. والخبز والكهرباء مفقودان مثل اي بلد محاصر .. لماذا لم ينفعهم النأي بالنفس رغم انهم يعملون كل مافي وسعهم لارضاء اميريكا ولايشترون بدولار واحد من الصين ولايستوردون الدواء من الصين او ايران كي لاتغضب امريكا؟؟ .. ومع هذا لاترحمهم اميريكا .. وتتركهم أذلاء متسولين بلا خدمات .. وحتى القمامة لايقدرون على ازالتها ..
هل تتذكرين احلام العصافير في ليبيا التي خرج الناس لاسقاط الديكتاتور لأنهم شبعوا خبزا ولكن لم لم يشبعوا حرية؟؟ وبعد الحرية صار الخبز والحرية مفقودين .. ولايزال البحث جاريا عن بلد كان اسمه ليبيا ..
وهنا سأترك عالم اليوتيوبيا المثالي الذي اعيش فيه وأنزل عن صهوات النجوم وسأدخل في عالمك الواقعي وأسأل .. ماذا تريد اميريكا كي تفرج عن القمح والمحروقات والليرة السورية الاسيرة؟؟ انها لاتريد موقع الرئاسة ولايهمها من يحكم البلاد .. بل تريد موقع سورية واتجاهها وقتل خريطتها .. الاميريكون صريحون جدا ولايناورون ويقولون انهم لم يعودوا يقبلون بسورية الموحدة مهما قدم السوريون من تنازلات كما لن يقبلوا العراق الموحد وكما لن يسمحوا لمصر ان تبقى موحدة .. هذا الكلام منشور منذ عام 1982 .. ولذلك الاميريكيون يريدون فصل الجزيرة السورية كي تحرم السوريين من القمح والمحروقات الى الابد .. ويريدون دولة اسلامية في ادلب برعاية اردوغان تبقى كالدمل والصداع في راس سورية .. وكيانا جنوبيا فارغا من السلاح كي لاتنزعج اسرائيل .. والباقي لكم بلا قمح ولاوقود ولاسلاح .. وهذا هو الطريق الوحيد للنجاة ..
اما ان تقبلوا التقسيم او ان تسمحوا بتغيير الدستور السوري في استانة بحيث تقبلون بمحاصصة طائفية .. وعندها ستحصلون على ماحصل عليه العراقيون دون زيادة او نقصان .. فساد كثيف جدا وزعماء طوائف فاسدون جدا .. وفقر وحرمان في بلاد مابين النهرين بلا ماء ولا كهرباء ولاوقود مثل اي قرية في ادغال افريقيا .. وتعليم فاشل .. ومفرخة لداعش ..
مشكلتي ليست مع الامريكي دوما .. بل مشكلتي معك انت وأمثالك ممن تريدون ان ترسموا بايديكم خطوط التقسيم وخطوط الدستور الطائفي من اجل حفنة من الدولارات .. وفيزا .. وخبز ومازوت ..
أنا كنت أظن انك سترسلين لي رسالة تعتبين فيها على الرئيس الأسد انه لم يأذن بعد باطلاق الرصاص واعلان انطلاق المقاومة في الشرق السوري بشكل كامل كطريق وحيد لحل أزماتنا المعيشية التي تسببت بها أميريكا .. وانا ظننت ان كثيرا من الشباب بدلا من ان يتقاتلوا على محطات الوقود قرروا ان يتظاهروا امام القصر الرئاسي للمطالبة بتحرير الجزيرة السورية كي تتوقف ازمة الوقود وازمة الخبز نهائيا .. فخبزكم هناك .. وقمحكم هناك .. وماؤكم هناك .. ونفطكم هناك .. وعدوكم هناك ..
هل تظنين ان اميريكا لاتراكم وانتم تثرثرون عن الوضع المعاشي الصعب في كل وسائل التواصل التي تصب اهتزازاتها في غشاء الطبل للسي أي ايه؟؟ أنا استطيع ان اقول لك ان الطابور الخامس بيننا يكتب كل يوم ويصور الطوابير كل يوم .. ولكن ان كتب هذا الطابور تقارير لأميريكا ينقل فيها ان الناس غاضبون من القيادة السورية لانها لاتحرك الجبهة الشرقية وان هناك غليانا يطالب باطلاق مقاومة شعبية واقتلاع رأس أميريكا من الشرق فان اميريكا سترسل بدلا من حاملات الطائرات بواخر تحمل الطحين والسكر والوقود مع بطاقة اعتذار .. وستترك الجزيرة السورية وتغادر .. ولكن كلما سمعت اميريكا مثل كلامك ورسالتك تقرر ان ترسل حاملات الطائرات والمزيد من الجنود .. فالهدف يقترب من السقوط في السلة وسنساعده على ذلك ..
فلم تغادر اميريكا؟.. ولم تفرج عن القمح؟ .. وعن الوقود؟.. والماء؟.. وكل شيء؟.. طالما انكم لاتعرفون ان من يسبب هذه الكوارث ليس الفساد الحكومي وحده بل سرقة مواردكم وأموالكم امام عيونكم .. والبعض منكم فوق كل هذا يتبرم ويتأفف ويطلب حلا .. والبعض يطلب ان نغير سياسة المواجهة .. ونصبح اصدقاء اميريكا ؟ وان نخرج من ابراجنا العاجية؟ وكأنه لم ير الاميريكيين يحرقون حقول القمح السورية علنا .. ويستولون على النفط علنا .. وكأنه لم ير ماذا حصل العراقيون من اميريكا بعد أحرقوا لها بلادهم .. وماذا حصل الليبيون بعد ان احرقوا لها بلادهم .. وماذا حصل اللبنانيون .. بل وماذا حصل المصريون الذين لم يطلقوا رصاصة واحدة وكلمة واحدة على اميريكا منذ خمسين عاما .. ومع هذا لايزالون ينتظرون قمحهم تأتي به البواخر الامريكية كل شهر .. واذا تأخر القمح اسبوعا ستصل طوابير المصريين امام الافران الى سد النهضة في اثيوبيا ..
اميريكا لن تعطيكم القمح .. ولا الوقود .. ولو فرشتم لها دمشق بالأعلام الاميريكية .. ولوغطيتم قبر صلاح الدين بالعلم الامريكي وكللتم منارة الجامع الاموي بالعلم الاسرائيلي ..
انتم شعب يجب ان يفقد ارادته .. وأن يبقى يتسول الخبز والوقود والماء والحياة .. ويجب ان تقسم ارضه وتصبح احلامه ان يعود الى سايكس بيكو الكبيرة ..
ياصديقتي .. انا من يعيش الواقع وانت من يعيش في عالم الوهم واليوتيوبيا .. اخرجي منه مع رفاقك وتوجهي الى القصر الجمهوري وطالبي الرئيس امام عدسات الكاميرا ان يعطي الاشارة بتحرير الشرق السوري .. وصدقيني اذا علم بايدن وادارته بهذا الغضب الشعبي السوري فستنعمون بخيرات بلادكم كما تريدون .. وسترين نوافير السبع بحرات تفيض بالبنزين .. وتجدين ان الخبز سيعلق على الأشجار في الحدائق بدل بالونات الزينة .. وقد يستعمل بدل الورق في المدارس والمكاتب الحكومية ..
الأمريكيون يخافون الشعوب التي تعلم الحقيقة .. ويستبيحون الشعوب التي تعميها الأنانية والجهل ..
ولك انت الخيار .. ياصديقتي