سمير الحسن | كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية
مهما قيل في الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وما يمكن أن يرافقه من تبريرات، لكنه أوضح تعبير عما وصلت إليه القوة الأميركية التي باتت مدرجة في حك القوة “المزعومة”.
ولئن ترافقت عملية الانسحاب بعد مفاوضات طويلة بين الطرفين، لكن التفاوض، والانسحاب نتيجة له، كان تحت النار، وعلى وقع الانتصارات العسكرية.
ومنذ سقوط قندوز بيد طالبان، والقوات الأميركية تواجه صعوبات كثيرة، ومواقف حرجة إلى أن فشلت في فرملة التقدم الطالباني بالرغم من صرف ٨٦ مليار دولار على التجميع الهجين، وادعاءات التدريب، والتجهيز لما عرف بالجيش الأفغاني المفترض أن يكون بات قويا، ومهيأ لمختلف الصعوبات بعد كل ذلك التجهيز والتدريب والأموال المنفقة عليه.
ورغم كل ما قيل عن تحضير الجيش الأفغاني، إلا لم يكن انهياره السريع لم يكن مفاجئا، و كل المراقبين توقعوه قبل أشهر، وقد تحدث وزير الدفاع الأفغاني بذلك مشيرا إلى قرب الانهيار، في وقت كان يلحظ التطور العسكري، والسياسي، والتنظيمي لقوات طالبان التي شهدت وفود منها جولات مكوكية في الأشهر الماضية، وفي عدد من البلدان منها روسيا، والصين، وإيران، مما عزز من احتمالات قرب النصر.
ومما لا شك فيه أن سلسلة الهزائم العسكرية الأميركية في المنطقة، ونتيجته انحسار الدور، ما يمكن وصفه بفشل المشروع الاميركي الذي استكملت هزيمته بأفغانستان ميدانيا، وظهر ذلك الإخفاق ممتدا من سوريا، والتي من ساحتها عاد الدب الروسي، والتنين الصيني، وفي فلكهما محور المقاومة من طهران حتى غزة.
وليس بالضرورة أن يكون محورالمقاومة وتحالفه، قد تجاوز المواجهة بصورة كاملة، فالمسار معقد وطويل، وطابع الصراع عالمي وليس إقليميا فحسب، فالانقلاب بين مرحلة ومرحلة عالمية استغرقت حربين عالميتين سابقا، ولكن محور المقاومة هو في طور تثبيت ذلك الانتصار بالتدريج. أما العراق فقد انتقل من مرحلةالتوازن، إلى مرحلة الغلبة، حيث أصبح الحشد الشعبي قوة فعلية، وعلى حساب الحكومات العراقية المتأمركة.
كما أن اليمن، الذي انتقل من دولة هامشية إلى حضور فاعل، قد يتحول إلى دولة محورية، وغزة، وبالرغم من الحصار، استطاعت في معركة “سيف القدس” أن تكرس وجودها العسكري المسلح، وتتمدد إلى القدس كمعادلة جديدة.
أما لبنان فهو الساحة اللوجستية لكل ساحات المقاومة. إنه أشبه بغرفة عملياتها، وتتثبت فيه وقائع متسجدة ومتطورة، رغم ما يشهده من حالة انهيار، وما فتح باب استيراد النفط من إيران إلا تأكيد على بداية وضع الانتصارات موضع التوظيف السياسي الاستراتيجي.
كل هذه المعطيات تؤكد التراجع الاميركي الذي بات يقاتل للمشاركة في النفوذ بعد أن كان صاحب النفوذ الأوحد في العالم والمنطقة.
وبخصوص طالبان، والمبالغة في تخوف كثيرين منها من أن تتحول إلى أدوات في صراعات دول الجوار، وتصبح أفغانستان معها ساحة تصفية الحسابات، ولكن التقييم يحتاج إلى بعض الوقت، ولا يمكن إسقاط التجربة السابقة على اليوم، فحضور المجاهدين العرب، والقاعدة لعب دورا محوريا في تلك المرحلة، وكان بمثابة الدَين برقبة الملا عمر، زعيم الطالبان، ولهذا تعذر تخليه عنهم في المرحلة السابقة، من جهة، كما أن “الطالبان” يطرح مشروع “إمارة إسلامية”، أي بطابع محلي، وليس خلافة أممية تهدد بقية المجتمعات والدول، وهذا يبعدها عن صراعات الدول المجاورة.
وهناك عنصر تغيير بالغ الأهمية وهو تلقي طالبان الدعم الروسي والصيني والإيراني، مما عزز العلاقات فيما بينهم، ناهيك عن عدم قدرة الطالبان على الاشتباك مع تلك الدول القوية، وخاصة إيران التي تمتلك حضورا قويا في الداخل، في ظل اعتقاد ان طالبان يبحث عن الاستقرار لمواجهة الازمات الداخلية على مستوى الاقتصاد، والظروف المعيشية، والحياتية.
ان ما حدث في أفغانستان بغض النظر عن كل التحاليل، والاجتهادات، فهو يندرج بالدرجة الأولى في هزيمة كبرى لأمريكا و حلفائها.