الانتخابات النصفية الأميركية.. ما هي مفاعيل تعديل قوانين الانتخاب؟

عبير بسام | كاتبة وباحثة

يدفع البيت الأبيض نحو تعديلات في القوانين الانتخابية في هذه الأيام، وذلك لجماً لتعديلات أقرتها حتى اليوم 22 ولاية، ذات الأغلبية الجمهورية، لا سيما اثر التعديل الذي شهدته بعض الولايات الأميركية والذي افتتحته ولاية جورجيا. ويرى الديمقراطيون أن هذه التعديلات هي محاربة للديمقراطية الأميركية. ففي شهر آذار/ مارس، ورداً عليها، عمل الديمقراطيون على سن قانون فيديرالي ملزم. ونقلت “رويترز” عن مكتب الإدارة والموازنة في إدارة بايدن أن الولايات المتحدة تواجه: “اعتداء غير مسبوق على ديمقراطيتنا ومحاولة لم نشهدها من قبل لتجاهل إرادة الشعب وتقويضها وتبديدها، كما تواجه هجومًا عدوانيًا جديدًا على حقوق التصويت يحدث الآن في مختلف أنحاء البلاد”.

قوانين الانتخاب الجديدة التي تسير باتجاهها الولايات ذات الأغلبية الجمهورية تتعلق بالتصويت بالبريد وغيرها مما يحد من المشاركة بسبب تقصير الوقت المسموح لطلب بطاقات الاقتراع كما يقصر المدة السامحة بإرسالها وهو ما سيعيق عملية التصويت بالبريد بالتأكيد. أما تقصير وقت الاقتراع وتحديد أماكن مخصصة له فسيمنع الكثيرين من الوصول إليها، وخاصة الفقراء. ولكن عندما تقوم الولايات الأميركية بتعديلات في قوانينها من أجل تقييد العملية الانتخابية بالطريقة التقليدية أو بمواعيد محددة، هنا يطرح السؤال حول تأثير هذه التعديلات فعليًا على العلاقة بين الديمقراطية والتنمية وبين تقييد الحريات وما إلى ذلك.

يقول بيتر ستيفنسن في صحيفة “واشنطن بوست” إن معارضي قانون الانتخابات الجديد في ولاية جورجيا يقولون إن القانون هو هجوم واضح على حقوق التصويت ويهدف إلى قمع أصوات الأقليات العرقية في الولاية، والتي برأيهم هي من ساعدت على انتخاب جو بايدن وأعطت الديمقراطيين مقعدين في مجلس الشيوخ. ووصف بايدن القانون بأنه “مريض، ولا يشبه أميركا”، لأنه يحد من المشاركة الشعبية في التصويت.

يبدو أن الصراع محتدم على السلطة بين الجمهوريين وبين الديمقراطيين ويتجلى هذه الأيام من خلال تغيير القوانين الانتخابية لضبط عملية الاقتراع بما يناسب كل طرف منهم، اذ كان رد الديمقراطيين على التغيير الذي فرضه الجمهوريون في ولاياتهم من خلال سن القانون الفيدرالي الذي سيكون صاحب اليد الأعلى في أية ولاية. القانون يمكن أن يمر في مجلس النواب حيث لدى الديمقراطيين الأغلبية ولكن تمريره في مجلس الشيوخ سيحتاج لموافقة الخمسين نائباً من الديمقراطيين، الذين لديهم الأغلبية، إضافة إلى موافقة عشرة آخرين من الجمهوريين.

يرى الجمهوريون أن مشروع القانون الفيدرالي يجرد الولايات من سلطاتها ويزيد المخاوف في حدوث التلاعب، ويسعون إلى فرض قيود على الانتخابات. وما تريده إدارة بايدن من إقرار هذا القانون الفيدرالي فسح المجال أمام الجميع من دون قيود وخاصة لصالح مجتمع الأفارقة الأميركيين الذين يذهبون للتصويت يوم الأحد بعد الصلاة في الكنيسة ويتقاعسون عن الذهاب إلى أماكن الاقتراع، مما سيجعل الديمقراطيين يخسرون الكثير من الأصوات التي اعتمدوا عليها للفوز في الانتخابات الماضية، لأن قوانين الانتخاب التي أقرت في بعض الولايات ذات الأغلبية الجمهورية، تعرقل التصويت عن بعد والتصويت بالبريد وحتى التصويت يوم الأحد. كما أن القانون الفيدرالي يفرض طلب صورة هوية المقترع حتى لا تحدث اتهامات بعمليات التزوير لاحقاً.

هناك نقاط يجب أخذها بعين الاعتبار دفعت نحو فوز بايدن في تلك المرحلة بالذات. فوز غير منطقي شهدته الانتخابات الماضية، والدليل هبوط شعبية بايدن في آخر استطلاع، بحسب ما نشر في الصحافة إلى 48%، وهو لم يكمل عامه الأول بعد في موقع الرئاسة. الأمر الأول، أنه يُنظر إلى بايدن على أنه رئيس يعمل في ظل الرئيس السابق باراك أوباما وغير قادر على اتخاذ القرارات بنفسه، ووضعه الصحي مقلق، وذلك بحسب تصريحات طبيبه الذي يرى أن عدم قدرة بايدن على تذكر اسم وزير دفاعه خلال لقاء تلفزيوني يشكك بقدرته على الحكم، وهذا يعني أن نائبته كامالا هاريس -التي ناداها بايدن باسم السيد الرئيس- قد تقوم بإتمام مرحلته الرئاسية.

والنقطة الثانية، أنه لولا اشتعال حركة “حياة السود مهمة” وتصريحات دونالد ترامب التي لم تخلُ من العنصرية وتصرفاته المرتبكة، والتي أثارت مخاوف كثيرة من وصول رئيس عنصري للحكم، لما كان توجه الملونين من اللاتينو والأفارقة الأميركيين وغيرهم إلى صناديق الاقتراع بهذه القوة، والذي سهل تمرير عملية الاقتراع هو الاقتراع بالبريد أو في الكنائس في المراكز البعيدة عن متناول السكان الفقراء، وخاصة بعد أن أطلق بايدن الوعود لجهة إيقاف مشروع جدار الفصل ما بين المكسيك والولايات المتحدة، وتحسين قوانين الهجرة، مما أكسبه أصوات ذوي الأصول اللاتينية.

والنقطة الثالثة، هي ما مثله ترامب من صورة متخلفة للسياسات الأميركية، التي أبدت تبجحًا في طريقة انسحابها من جميع المعاهدات التي أقرها سلفه باراك أوباما، والتي وضعت أميركا اليوم في مكان مختلف، روجت معه أوروبا ضرورة أن يكون لأمريكا رئيس يدعو للثقة بعد فشل ترامب في الحفاظ عليها معها. ولكن حقيقة التغيير في السياسات الأميركية تجاه أوروبا اتضحت بعد نقل معمل الغواصات النووية من فرنسا إلى استراليا.

ولكن وفي جميع الأحول، لولا مقتل جورج فلويد بالطريقة المشينة التي قتل بها، لما كان هناك تحرك كبير ضد دونالد ترامب ولربما فاز بدورة ثانية في الرئاسة الأميركية. واليوم هناك حديث عن عودة دونالد ترامب بقوة للعمل في داخل الحزب الجمهوري، وأنه الرجل الأول فيه. غير أن ترامب يرفض إعلان إذا ما كان سيترشح أم لا، إلا بعد ظهور نتائج الانتخابات النصفية أو انتخابات منتصف المدة، التي يُطلق عليها هذا الاسم لأنها تحدث بعد عامين تقريبًا من بدء ولاية الرئيس. وما يحدث في الانتخابات النصفية يمكن أن يكون له تأثير كبير على الاتجاه الذي تسير نحوه البلاد.

يرى الديمقراطيون أن عدم تمرير أجندتهم الانتخابية في الكونغرس ستكون له آثار قاتلة في الانتخابات النصفية، وهو أمر تسبب بخلاف كبير ما بين الديمقراطيين أنفسهم، وذلك بحسب ما نشرته “نيويورك تايمز” في أواخر الشهر الماضي، والتي ترى أن الخلاف يكبر ما بين المعتدلين والتقدميين داخل الحزب الديمقراطي مما سيعرضهم لهجوم جمهوري كاسح. وهنا مربط الفرس وفيه كلام آخر.

بايدن بحاجة لتمرير قانون الانتخاب الفيدرالي، الذي يستطيع أن ينهي فعالية القوانين المحلية في الولايات، للحفاظ على أصوات المقترعين التي جاءت بالأغلبية الديمقراطية إلى الكونغرس. وبناء عليه يحتاج الديمقراطيون إلى إعادة ثقة الناخبين بهم عبر سن قانوني المشاريع اللذين قطع بايدن وعداً بتنفيذهما، وهما قانون الأشغال العامة وقانون تشريع الرخاء الاجتماعي والمتضمن دعم رعاية الأطفال والمساعدة في رسوم الجامعات. كما يجب أن يمرر بايدن جدول أعماله الانتخابي هذا الخريف ليوافق عليه الكونغرس كمشاريع لبدء العمل قبل الانتخابات النصفية المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وإلا فإن ما سيحدث اليوم، هو أن المعارضين للرئاسة سيكون تصويتهم بأغلبية أكبر من الناخبين، مما يؤدي إلى حيازة المعارضة على الأغلبية النيابية داخل الكونغرس حيث سيتم تعطيل المشاريع التي قد يطلب بايدن المصادقة عليها. وهذا ما على الديمقراطيين تفاديه إذا ما كانوا يريدون العودة لفترة رئاسية ثانية.

العهد

Exit mobile version