لا يحتاج المراقب أن ينتظر نتيجة فرز صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية السورية ليدرك التداعيات والنتائج. ولا نتحدث هنا عن هوية الفائز، وإن كانت عيون وشعارات وهتافات المقترعين تشير الى فوز حاسم للدكتور بشار الأسد، ولكننا نتحدث عن سقوط رهان المراهنين على ضعف الإقبال على صناديق الاقتراع للتشكيك في مشروعية الانتخابات، ومحاولة مصادرة صوت الشعب السوري وحقه في اختيار قائده.
سبع سنوات فصلت بين انتخابات اليوم وانتخابات عام 2014، مرت سوريا خلالها بتحديات هددت كيانها ووحدتها، خسرت الدولة السورية الكثير من أراضيها ومواردها، وقدم الجيش العربي السوري والشعب الكثير من التضحيات من شهداء وجرحى، وخسائر فادحة في الاقتصاد. لكن الجيش السوري وبمساعدة الحلفاء استطاع تحقيق الانتصارات، وحسم معظم المعارك الأساسية الكبرى. ولم تكد تنتهي هذه المعارك حتى بدأت حرب اقتصادية ضروس، لم يكن قانون قيصر في محاصرة سوريا ومعاقبتها على خياراتها القومية إلا احدى مراحلها.
المتابع للإعلام الغربي وكل الإعلام المعادي لسوريا في المرحلة السابقة يلاحظ حجم الاهتمام بهذه الانتخابات، والتصريحات التي تستبق نتيجتها، محرضة على عدم المشاركة للتشكيك بشرعيتها، داعين من تحت الطاولة لإشراك مخيمات النازحين فيها للتصويت في صناديق لا تخضع لسلطة الحكومة السورية كما وفق ما ينبغي أن يحصل في كل انتخابات في العالم.
المشهد الانتخابي السوري، وحجم الحضور والإقبال على صناديق الاقتراع ربما فاجأ الكثيرين، لكن هذه المفاجأة لم تبدأ يوم الانتخابات للمقترعين في الداخل السوري، بل قبل أيام عندما فُتحت صناديق الاقتراع للناخبين خارج القطر السوري. وهو إقبال دفع بعض الدول الغربية لمنع عملية الاقتراع على أراضيها، وكان من بينها المانيا التي “تستضيف” على أراضيها أكبر نسبة من السوريين في أوروبا.
هذا الحجم من الإقبال غير المسبوق على صناديق الاقتراع، حتى قبل الحرب على سوريا، سوف يدفع الكثير من مراكز الأبحاث والدراسات المهتمة بشأن المنطقة عمومًا وسوريا خصوصًا إلى مراجعة وقراءة متأنية لمحاولة معرفة أسبابه، لكن ما لا شك فيه أنه يدلل على فشل كل الحروب التي شنت على سوريا، ولا سيما الحرب الاقتصادية التي أرادت تركيعها بعد فشل الحملات العسكرية.
في السياسة، سيعزز الحضور الشعبي الكبير في الانتخابات الموقف السوري في المفاوضات السياسية، سواء فيما يتعلق بمسار سوتشي، أو مسار لجنة صياغة الدستور، التي كانت تراهن على حصول خرق في المفاوضات يجعل الفترة الرئاسية المقبلة ضمن سقف حق الرئيس الأسد في إعادة ترشحه للانتخابات.
وفي السياسة أيضًا، سيسرع الحضور الشعبي من محاولة بعض العرب العودة الى “الحضن السوري”، كما سيفرض على الولايات المتحدة الامريكية والدول الأوروبية ضرورة تقديم مقاربة جديدة للحل السياسي في سوريا.
من المقطوع به أن هذا الحضور الكثيف للناخب السوري سيفرض معادلة قوامها أنه كما أن هزيمة سوريا عسكريا باتت من الماضي، فإن محاولة فرض تسوية سياسية تتجاوز الواقع العسكري ونتائج الحرب، باتت من الماضي ايضًا.
هذا الاقبال الكثيف على صناديق الاقتراع جعل من هوية الفائز في الانتخابات أمرًا ثانويًا طالما أن المرشحين هم من الشخصيات التي لم تغادر البلاد، وإن كان فوز الدكتور الأسد سوف يكمل هذا الفوز، باعتبار أن خيار الشعب السوري سيكون أن من خاض الحرب العسكرية وانتصر فيها، هو الأقدر على الصمود أمام التحديات المستقبلية وايصال سوريا إلى بر الأمان.
أسدلت الانتخابات الرئاسية السورية 2021 الستارة على أعوام من الحرب السورية. وفي هذا الحضور الكثيف على صناديق الاقتراع فإن الشعب السوري قال كلمته: كما انتصرنا في الحرب العسكرية، ها نحن ننتصر في الحرب السياسية، وها هي خياراتنا واضحة لم تتغير ولن تتغير.
العهد