ميخائيل عوض | كاتب وباحث
الواقع ومعطياته؛
تصاعدت حدة التوترات بين المحمدين وانفجرت حملات اعلامية وهجمات متبادلة لم تخلوا من التشهير والتذكير بتواريخ الصراع وزعمت الامارات بان السعودية اغتصبت اراض ونهبت ثروات ونفط.
الامارات عززت علاقاتها بإسرائيل وتبادلت السفراء والسواح والتعاقدات الاقتصادية ومشاريع الاستثمارات واعطاء الجنسية الاماراتية لألاف الإسرائيليين على زعم وسائل التواصل.
فاجأت ادارة بايدن الجميع بان الغت الصندوق الاستثماري المسمى الابراهيمي الذي اعلنه ترامب في اواخر ايامه، وضجت به وسائل التواصل وعقدت عليه الكثير من الرهانات والتحليلات الخلبية كعادة الضخ الاعلامي والفبركات التهويلية وبين المروجين ما يسمى اعلام محور المقاومة الذي دأب على النفخ والتطبيل والتزمير وكثيرا من الاحيان التهويل باي خطوات او حتى مشاريع اوهام بما يخص العلاقات بين اسرائيل والدول الاخرى، كما اشتغل في تضخيم نتائج التطبيع ووهم كذبة صفقة القرن التي لم تك الا وهما لغر سياسي رأسماله ان صهر ترامب.
في تطور لافت وبالغ الخطورة اعلنت امريكا سحب قوات من الخليج والعراق والاردن والاهم اقفال قواعد في السيلية بقطر والابقاء فقط على القاعدة الجوية وقيل انها نقلت المعدات والقوات البرية ومستودعات الذخائر الى الاردن على اثر المعاهدة الاستراتيجية التي وقعها الملك من خلف ظهر مجلس النواب وقيادة الجيش واعطى فيها الامريكي السيادة المطلقة على المرافئ والموانئ والمطارات والقواعد والجغرافية الاردنية دون اية ضوابط.
على خط متصل كثرت الزيارات الاردنية لدمشق، عسكريون وامنيون ورجال اعمال ونخب، ما يذكر بتكتيكات واشنطن بعد ٢٠٠٥ عندما فوضت امير قطر حمد ورئيس وزراء تركيا اردوغان بتعزيز العلاقات مع الاسد وسورية على مستويات متقدمة جدا وعندما دقت ساعة التآمر انقلبا وتحولا الى غيلان واخطر المتآمرين عليها فهل تستخدم امريكا مجددا نفس التكتيك برموز وعناصر جديدة؟ وهل تنطلي الامور على القيادة السورية بعد كل ما عانت؟ والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين؟؟ والمريب تحريك داعش في البادية وعلى الحدود بأسناد مباشر من قاعدة التنف وقسد، وعودة التوترات الى درعا والسويداء وتصعيد عمليات استهداف الروس والجيش والاغتيالات..؟
في لبنان الامور تسير على طريقها للانفجار والفوضى دون اي اعاقة او محاولات لاحتواء الازمة ما خلى جهود رئيس الجمهورية لفرض صلاحياته ورفع العتب والمسؤولية باستدعاءاته المتكررة لحاكم المصرف وبذل المستطاع لدفعه لتمويل مشتريات النفط وتأمينها منعا للانفجار الشامل وتأجيلا لقرار حزب الله باستيراد المشتقات النفطية الايرانية وكسر مافيا احتكار النفط احد اخطر اذرع المنظومة الفاسدة والمافياوية، اما مسألة الرواتب وانهيار القدرة الشرائية والاضراب شبه المفتوح للموظفين تحت ضغط انهيار القيمة الشرائية واحتلال لبنان اخر سلم الدول بقيمة الحد الادنى فمتروكه على الله، ولا من يطرح او يتحرك للضغط وقد قفز الدولار قفزات نوعية مستهدفا سعر ال٢٠ الف ليرة ورهن مستقبل البلاد والعباد على مبادرة بري وتمسكه بالحريري او من ينتدبه، وبرغم محاولات تعويم الدور السعودي بين بكركي وزيارة سفراء فرنسا وامريكا للرياض لاستجداء عطف بن سلمان على الحريري تبدو المعطيات برمتها تؤشر الى مسارات الخراب والفوضى والتوحش، فقط السيد حسن نصرالله اعطى اشارة دالة قد تشعل بصيص امل ونور في نهاية النفق في اشادته الاستثنائية بالجيش اللبناني وتحذير من يهاجمونه بان هجومهم يستهدف الحزب فالثلاثية مازالت ذهبية ولها الدور في الانتصارين والتحريرين.
في التحليل؛
السعودية- الامارات؛ صراع الديوك على خرابة.
بدأت التوترات بين المحمدين عندما قررت الامارات الاستثمار بحرب اليمن لصالحها دون الاخذ بعين الاعتبار المصالح السعودية وكم هدرت في الحرب فأعلنت الامارات الانسحاب باكرا وتخلت عن السعودية وهادنت ايران والحوثيين ووفرت لإيران مصادر دخل وتخفيف الحصار، ورتبت امورها في اليمن عبر مرتزقة وادوات داخلية وتشكيلات محلية، وتفاهمت مع الاخوان المسلمين واستجلبت بالتفاهم مع امريكا وتركيا المرتزقة الدواعش والقاعدة واعتمدت القيادة من الخلف والاستثمار بالتناقضات الداخلية، ووجدت نفسها وحيدة في الخلاف مع قطر بعد الانفتاح المصري عليها والى حد ما السعودية، وعرف محمد بن زايد ان ادارة ترامب ادارت ظهرها لمحمد بن سلمان فقرر تسريع التطبيع العلاقات مع اسرائيل وامريكا لحماية نفسه من الغضب الامريكي وللتعامل مع ادارة بايدن كغير متورط بأسناد ترامب، وربما ادرك ان مستقبل السعودية واو ما اعد لها من انفجار وصراعات في العائلة ستنعكس حكما في تأزيمها واحتمالات استيلاء الاخوان والشيعية والقاعدة على مناطق واسعة ولن تهب امريكا او اسرائيل لإسنادها وتطويب محمد ملكا، فقرر بن زايد ان ينأ بنفسه وبإمارته عما تذهب اليه السعودية ففتح علاقات مع سورية وفتح سفارته فيها بالتوازي مع تعزيز العلاقات مع اسرائيل للعب على التوازنات، وزاد في توتره من بن سلمان تسريع الاخيرة الانفتاح المجتمعي والتخلي عن الوهابية ومحاولات لبرلة الاسلام وعلمنته واستقطاب الفنانين والسياحة ومستقبل مشروع نيون الذي يصادر مكانة دبي والامارات، وجاء طلب بن سلمان من الشركات السعودية والعالمية العاملة في السعودية بإقفال مكاتبها ومراكزها في الامارات والتمركز بالسعودية او تتعرض لعقوبات بما فيها منعها من العمل والاستثمار في السعودية كمؤشر على انتفاء مكانة٠ دبي ودور الامارات.
وجاء تفرد السعودية في مفاوضات اوبك بلاس كالقشة التي قصمت ظهر البعير فأعلنت الامارات رفضها وتلاسنت مع السعودية وقررت ان تفتح على حسابها بانتظار الوساطة الروسية، او التحرر من قيود اوبك ورفع انتاجها لتمويل موازناتها ومغامراتها، وكلاهما الامارات والسعودية عززتا العلاقات مع روسيا وتجتطلعان للصين لتامين الاستقرار مع فراغ جعبة امريكا وانسحاباتها من الاقليم .
صراع الامارات والسعودية ينهي عقود من التحالف والانخراط بحروب اخضاع العرب ومحاولة اخضاع ايران وقيادة الفتنه السنية الشيعية وكلها جهود فشلت وتلوح هزيمة نكراء في اليمن ومع تمكن المتشددين من ايران يتحسب كلاهما لمستقبل التحولات ومساراتها، فالنتيجة الاساسية للصراع بين الحليفين يصب المياه في مجاري حلف المقاومة والخيار الاوراسي وعلى حساب ما كان من هيمنة امربكية عبر اموال الخليج والادوات المحلية والحماية الامريكية وبإلغاء بايدن الصندوق الابراهيمي تكون الامارات قد تلقت صفعة قوية تسقط رهاناتها على اسرائيل ودورها ومكانتها حتى في امريكا.
في الجنوب السوري امر مريب وفي حشد القوات الامريكية واعتبار الاردن القاعدة الاهم في الشرق والاوسط امر لافت والاحتمالات تراوح بين؛
١- ان تكون الاردن محطة عبور وتخزين لا اكثر وهذه لا تغير في التوازنات واتجاهات التطورات.
٢- ان يكون هدف الحشد الامريكي حماية وتعزيز المملكة وسلطتها بعد ان انفجرت الازمة في العائلة وفي المجتمع جراء الازمات الضاربة من كل صوب، الا ان القوات والمخازن والذخائر لا تحمي الملك وسلطته انما هو بحاجة للاموال والمساعدات الإسعافية.
٣- ان يكون الحشد الامريكي في الاردن ومثلث الحدود السورية العراقية الاردنية السعودية ضمن مشروع وتخطيط امريكي يستهدف اقامة كردستان وسنستان والاستيلاء على شرق الفرات والبادية السورية واقتطاع محافظات الجنوب كدرعا والسويداء التي مازالت تعلن التمرد على الدولة والمصالحات وتنشط فيها داعش والنصرة وقسد والإسرائيليين فالمشروع الامريكي الساعي الى اقتطاع شرق الفرات امتدادا الى الوسط العراقي والغرب تواصلا مع كردستان وقطع الطرق البرية على روسيا والصين وبين ايران والعراق وسورية ولبنان مازال مشروعا قائما وتبذ له امريكا كل ما تستطيع بما في ذلك التحرش بالقوافل الاتية من ايران للبنان ولسورية وتوجيه ضربات للحشد الشعبي على ضفتي الحدود، الا ان المشروع الامريكي يثير كل من الصين وروسيا وسورية والعراق الحشد الشعبي وايران وقد لا تتماشى معه تمام تركيا بسبب رهابها من كردستان الكبرى. وتاليا تفهم عمليات التصعيد واستهداف القواعد الامريكية في سورية والعراق واربيل ما يرسم ملامح احتمالات تصعيد وان تكثفت عمليات استهداف الأمريكيين فسيتسبب ذلك بحرج كبير للبنتاغون ولإدارة بايدن سيما وقد تصل الجثث الى واشنطن المأزومة والتي تلتهب حربها الداخلية مع اقتراب الانتخابات النصفية التي اعد لها ترامب عدته وحشد قوته وتشير الوقائع والمعطيات الى انه سيسدد ضربة قاصمة للديمقراطي في الكونغرس وقد حسمت استطلاعات الرأي بخسارة الديمقراطي لأكثر من اربعة شيوخ، وتصعيد العمليات سيلزم بايدن على الارجح لاتخاذ قرار الانسحاب من سورية والعراق لتطلق عفاريت كامنه ستؤدي الى انقلابات تاريخية في موازين القوى وفي كل ما كان موروثا من الحروب العالمية ونظمها وهنا لابد من الاشارة الى مؤشرات تصعيد السيد حسن نصرالله ضد الامريكي ودوره في لبنان والازمة وعودة التعامل مع الامريكي كعدو محوري وتاليا اولوية مقاتلته وطرده كشرط للحلول بما في ذلك الازمة الاقتصادية الاجتماعية اللبنانية.
في لبنان؛ كل شيء يدلل على ان مسار الفوضى والانهيار هو الطريق الوحيد التي تقود البلاد اليه المنظومة المافياوية الحاكمة والتي تعطل كل اجراء جاد وترهن اي خيارات بإرادتها وتحقيقها المزيد من الارباح وشفط الدولارات من الاحتياطي ومن السوق لتمويل ادارتها ونهبها وتتمسك بمبادرة بري المتمسك حتى الانهيار بسعد الحريري او بمن يفوضه، وسعد في هموم ودنيا اخرى واهتمامات لا اساس فيها للبنان وازمته ومعاناة ناسه على كل الصعد، واخر ما تفتق من جهد لتعويم سعد احتفاليات البطريركية بالسعودية ومحاولات سفراء فرنسا وامريكا استجداء بن سلمان الرضى على الحريري واو الارجح محاولات استجداء مساعدات للحؤول دون انهيار المؤسسة العسكرية واو نجاح لبنان بإحداث انعطافه حادة نحو الشرق عبر ايران وامدادها لبنان بأسباب البقاء والاستمرار ولو في غرفة الانعاش وجاءت زيارة الوزير القطري بنفس السياق وقد تبرع للمؤسسة العسكرية ب٧٠ طن مساعدات غذائية، وكأن للسفراء قدرة واهمية تجاوز قدرات الادارات، وتستمر فرنسا ما كرون بالمحاولات لإخضاع لبنان ووضعه تحت الانتداب الفرنسي المباشر او بوساطة الامم المتحدة وسواها، كما في تصريحات ومناقشات برلمانين فرنسيين .
الاهتمام الروسي الصيني عبر الدور السوري مؤكد وحاسم الا ان السوري الذي عادت طرقه مفتوحة على خطوطها للقوى والمجموعات والزعماء والنواب الذين يتقاطرون الى دمشق ويفعلون الوسطاء للتصالح وطلب العفو والمغفرة، لكنها سورية ما بعد الازمة والخروج من لبنان وبعد ان غدر بها ذوي القربى غير سورية ال٧٦ ومبادرات حافظ الاسد الاخوية والابوية.
الامل الوحيد الباقي هو اشارة السيد حسن نصرالله للجيش ودوره وطبيعته وتقريعه للإعلامين والوسائط والذباب الالكتروني المحسوبة على الحزب وبيئته وردعها من التطاول على الجيش ما يشي بتحولات في مواقف الحزب والامين العام وقد قالها بصريح العبارة وبمرارة في خطابه للمؤتمر الاعلامي الازمة ازمة نظام وحكم ما قد يفتح كوة ضوء لفرصة انقاذ يكون الجيش عمادها اما بحكومة انتقالية بصلاحيات تشريعية او بتسليم الجيش الادارة واو بالحفاظ على الجيش ليكون عماد الحل بعد الفوضى الجارية على قدم وساق .