في الأيّام العادية، يصعب على إدارة أميركية، أيّ إدارة أميركية، الإقدام على مغامرة عسكرية في مرحلة انتقالية تشبه المرحلة الحالية. عملياً، لا يزال دونالد ترامب رئيساً إلى العشرين من يناير المقبل، لكنّ العرف المتبع في الولايات المتحدة يقضي بتفادي اتخاذ قرارات كبيرة من نوع الاشتباك مع إيران، أو غير إيران، من دون تشاور مع الإدارة الجديدة والتنسيق معها، لا لشيء سوى لأن مثل هذا الاشتباك سيكون له تأثيره على عمل هذه الإدارة بطريقة أو بأخرى وتصرفاتها وسيلزمها قرارات لا تريد أصلاً اتخاذها أو التزامها.
من هذا المنطلق ومن المستبعد نظرياً، إقدام الإدارة الحالية في الأسابيع الثلاثة الأخيرة من عمرها على أيّ خطوة من نوع الاشتباك مع إيران. لكنّ المشكلة تكمن بكل بساطة في ان إدارة ترامب ليست إدارة عادية تنطبق عليها المقاييس التي تنطبق على الإدارات السابقة. يكفي للتأكد من ذلك ردود الفعل التي صدرت عن الرئيس الأميركي الحالي ورفضه المستمر لقبول نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الثالث من نوفمبر الماضي.
لا يزال ترامب يرفض، الى الآن، الاعتراف بهزيمته أمام جو بايدن رغم رفض القضاء الأميركي كلّ الطعون والقضايا التي تقدّم بها…
في ضوء هذه المعطيات، يظلّ وارداً حصول مفاجأة ما بسبب الموقف الصعب الذي تواجهه إيران مع اقتراب الذكرى الأولى لتصفية الأميركيين لقاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري». اغتيل سليماني مع عدد من مرافقيه، بينهم أبو مهدي المهندس نائب قائد «الحشد الشعبي» في العراق، بعيد مغادرته مطار بغداد مساء الثالث من يناير 2020 في ما يمكن وصفه بضربة لا سابق لها تتلقاها «الجمهورية الإسلامية» منذ سنوات عدّة.
اغتيل قائد «فيلق القدس»، الذي لم يكن مسؤولاً عسكرياً إيرانياً عادياً، بأيّ شكل من الأشكال أو مقياس من المقاييس، بواسطة صواريخ أطلقت من طائرة أميركية من دون طيّار رصدت موكبه.
ما كشفه اغتيال قائد «فيلق القدس» أن الرجل كان مسؤولاً عن ملفات عدّة، من بينها العراق وسورية ولبنان واليمن وأفغانستان، وانّه كان أهمّ بكثير من أي مسؤول حكومي في ايران بما في ذلك رئيس الجمهورية حسن روحاني. كان بالفعل الرجل الثاني بعد «المرشد» علي خامنئي.
ثمّة من يقول إن سليماني كان مرشّحاً لان يكون خليفة «المرشد» الحالي. جاء مقتله ليؤكّد أن إيران ليست أكثر من نمر من ورق وأنّ ليس في استطاعتها الردّ على ما قامت به الولايات المتحدة. أكثر من ذلك، قتلت إسرائيل، في ما يعتقد، العالم محسن فخري زاده قرب طهران في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي. ما الذي فعلته إيران؟ لا شيء، أقلّه الى الآن. ما لا مفرّ من الاعتراف به أن إيران في حاجة الى الردّ، ان على اغتيال سليماني أو على اغتيال العالم النووي. تحتاج الى الردّ في هذه الأيّام بالذات في ذكرى مرور سنة على تصفية قائد «فيلق القدس» من جهة، وكي تدخل في أي مفاوضات جديدة في شأن ملفّها النووي مع إدارة بايدن من موقع قوّة، من جهة أخرى.
في ظلّ هذه المعطيات، يمكن القول انّ المواجهة الأميركية – الإيرانية أمر وارد، خصوصا أنّ إدارة ترامب ليست في صدد السكوت عن أي عملية تقوم بها إيران وتؤدي الى مقتل أميركيين. هذا ما تبيّن بوضوح من خلال الإجراءات المتخذة في بغداد بعد إطلاق صواريخ في اتجاه السفارة الأميركية وتقليص عدد الديبلوماسيين الموجودين فيها.
في الوقت ذاته، هناك كلام عن نقل السفارة الى أربيل، وإن موقتاً. في موازاة ذلك أرسلت الإدارة الأميركية غواصة نووية لتعبر مضيق هرمز في تحدّ واضح لإيران.
من يبحث عن مشكلة، إدارة ترامب ام «الجمهورية الإسلامية»؟ الواضح ان الجانبين يبحثان عن مشكلة، وإن بحذر. يضاف الى ذلك عامل في غاية الأهمّية. يتمثّل هذا العامل في ان إسرائيل مصممة على منع إدارة بايدن من العودة الى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني الموقع صيف العام 2015 في الأشهر الأخيرة من عهد باراك أوباما عندما كان بايدن لا يزال نائباً للرئيس.
الأكيد أن هناك قلقاً إسرائيلياً من أي عودة الى مثل هذا الاتفاق ومن رفع العقوبات الأميركية على إيران من دون أن تكون هناك شروط جديدة تفرض على «الجمهورية الإسلامية». تشمل هذه الشروط الصواريخ البالستية على وجه الخصوص والوجود الإيراني في جنوب سورية…
ما يدعو الى الحذر أن إدارة ترامب ليست في وارد التساهل مع إيران وقد بعثت إليها برسالة واضحة فحواها أنّها مسؤولة عن الصواريخ التي تطلق بين حين وآخر على السفارة الأميركية في بغداد. كانت الإدارة الأميركية واضحة كلّ الوضوح في أنّها لا تصدّق الألاعيب الإيرانية عن عناصر «غير منضبطة» تطلق هذه الصواريخ. من وجهة نظر الإدارة، هذه الصواريخ إيرانية ولا شيء آخر غير ذلك وان التبرؤ منها لا ينفع في شيء.
استطاعت إدارة ترامب إلحاق ضرر كبير بالاقتصاد الإيراني. أدّت العقوبات الأميركية الى توجيه ضربة قويّة لهذا الاقتصاد، المرتهن للنفط والغاز، في وقت ليس ما يشير الى أن سعر برميل النفط سيرتفع قريباً.
تجد إيران نفسها في وضع لا تحسد عليه. اذا قامت بأي عمل عسكري، ستجد ردّا أميركياً قد تُفاجأ بحجمه. وإذا لم تفعل فستفاوض إدارة بايدن من موقع ضعيف.
في النهاية، لم تتوقف إسرائيل عن توجيه ضربات الى أهداف إيرانية في الأراضي السورية ولم تتوقف إيران عن ترديد الشعارات التي اعتمدها البعث السوري منذ وصول حافظ الأسد الى الرئاسة في العام 1971 عن أنّ سورية «من يختار توقيت المعركة».
باتت إيران في سورية مثل النظام السوري. كلّ ما تستطيع عمله هو الاستقواء على الشعب السوري والانتقام منه… في غياب القدرة على الانتقام من أميركا وإسرائيل.
هذا الوضع القائم لا يمنع الاعتراف بأنّ اشتباكا أميركيا – إيرانياً يظلّ وارداً رغم كلّ القيود التي تفرضها الأعراف على رئيس في طريقه الى مغادرة البيت الأبيض!
https://www.alraimedia.com/article/1514088/مقالات/الاشتباك-الأميركي-الإيراني-وارد
The post الاشتباك الأميركي – الإيراني وارد appeared first on LebanonFiles.
الكاتب : Karl Corban
الموقع :www.lebanonfiles.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2020-12-27 07:26:37
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي