«الاحتلال» العاجز يطالب بحماية واشنطن!
تحسين الحلبي | كاتب وباحث فلسطيني مختص بالشؤون الإسرائيلية
لو كانت القيادة الإسرائيلية قادرة في هذه الظروف على شن «حرب وقائية مسبقة» ضد جبهة الشمال الممتدة من حدود الجولان المحتل إلى جنوب لبنان لقامت بشنها وخاصة لأن تل أبيب كانت تعتمد في استراتيجية العدوان على هذا النوع من الحروب لكن عجزها عن المجازفة بحرب شاملة غير مضمونة النتائج أصبح من بين الأسباب التي جعلها تلجأ مجبرة على شن غارات متقطعة بين فترة وأخرى أو على إطلاق التهديدات بهدف تحسين ميزان الردع الذي أصبح يميل أكثر فأكثر لمصلحة قوى المقاومة وخاصة في جبهة الشمال الإسرائيلية.
ربما هذا ما يشير إليه المحلل العسكري العجوز في صحيفة «يديعوت أحرونوت» رون بن يشاي في تحليل نشره في الرابع من شهر آب الجاري حين قال إن «سقوط الصواريخ الثلاثة التي أطلقت من جنوب لبنان على الأراضي الإسرائيلية في الأربعاء الماضي تحدث للمرة الرابعة خلال أربعة أشهر وهذا ما جعل سلاح الجو يستهدف بغارته الأخيرة قبل أيام الأراضي اللبنانية لإبلاغ رسالة تحذير بأن قوة الردع الإسرائيلي ستزداد إذا لم يتوقف إطلاق الصواريخ من جبهة جنوب لبنان» فجاء رد حزب الله على هذا التحذير بإطلاق صواريخ بنفس الطريقة من الجنوب ليشكل إحباطاً لخطة زيادة الردع الإسرائيلية.
وبقيت معضلة ضعف الكيان الإسرائيلي للمرة الخامسة تتفاقم أمام خيارات صعبة أو غير فعالة في مواجهة قوى المقاومة والسؤال المطروح على هذه القيادة الجديدة برئاسة نفتالي بينيت هو: ما الذي سيفعله أكثر مما فعله من قبله بنيامين نتنياهو خلال 11 عاما حمل فيها هزائم على أكثر من جبهة حرب؟
قد يبدو من الطبيعي أن يبحث «بينيت» في الأسبوع المقبل أثناء اجتماعه المعد مع الرئيس الأميركي جو بايدين هذه المعضلة وما تتضمنه من عجز إسرائيلي على تحييد الأخطار التي تشكلها جبهة الشمال وقوى المقاومة. ويذكر أن بينيت كان قد أرسل عددا من مستشاريه لشؤون الأمن والسياسة الخارجية قبل أسبوع للاجتماع بنظرائهم الأميركيين وتحديد المواضيع التي سيبحثها مع الرئيس جو بايدين قبل نهاية منتصف شهر آب الجاري.
فإسرائيل تجد نفسها أمام أخطر الظروف التي تمر عليها في ظل عدد من الإحباطات التي فرضتها المقاومة عليها ومنها: أولاً لم يعد في مقدور القيادة الإسرائيلية المراهنة على توظيف الجبهة الداخلية في سورية أو لبنان لإضعاف قوة جبهة جنوب لبنان وقوة سورية في جبهة حدود الجولان
ثانيا: ترى تل أبيب أن تراجع القيادة الأميركية عن الاصطدام العسكري المباشر مع إيران أصبح يولد خوفاً إسرائيلياً من تغير ميزان القوى الشامل في المنطقة لمصلحة محور المقاومة وهذا ما لم تتوقعه القيادة في تل أبيب منذ اتفاقات كامب ديفيد وأوسلو.
ثالثاً: لم تعد القيادة العسكرية في الكيان الإسرائيلي تخفي على الولايات المتحدة حاجتها إلى قوة بشرية عسكرية أميركية تقاتل إلى جانب الجيش الإسرائيلي عند أي طلب بمشاركتها المباشرة فالكل يرى موضوعيا وبموجب الأرقام الإسرائيلية أن عملية تهجير اليهود من العالم إلى الكيان الإسرائيلي شبه متوقفة ولا تتضمن أي أرقام مهمة في حين تزداد بالمقابل الهجرة العكسية التي جعلت 800 ألفاً من المستوطنين يغادرون خلال عشرين عاما إلى الولايات المتحدة ويقيمون فيها كمواطنين ودون عودة بموجب ما نشره موقع الكنيست – البرلمان الإسرائيلي في حين أصبح عدد المستوطنين الذين عادوا إلى أوطانهم في دول الاتحاد الأوروبي بموجب قانون استعادة الجنسية يزيد على مليون.
وإذا كان الكيان الإسرائيلي قبل عدوان حزيران عام 1967 لم يكن أمامه من الفلسطينيين سوى 15% من السكان الذين يعيشون فيما بقي من وطنهم فإنه يواجه الآن في كل فلسطين سبعة ملايين فلسطيني يمتد وجودهم من الجليل في الشمال والمثلث والوسط في الضفة الغربية وفي الجنوب قطاع غزة المحاصر وهؤلاء لا يمكنه تجاهل ما يتطلبونه من قوة بشرية عسكرية تواجه مقاومتهم وصمودهم تزيد على 150 ألفاً من القوات فماذا سيبقى لجيشه لحشده على جبهة الشمال.
ولذلك أصبح من المتوقع أن يطلب رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي نفتالي بينيت أثناء اجتماعه بالرئيس الأميركي جو بايدين ليس أسلحة فقط بل قوة بشرية عسكرية أميركية تشارك مباشرة أيضاً في حماية إسرائيل وهذا ما سيقلب الاستراتيجية التي صنعت بموجبها قوى الاستعمار هذا الكيان في فلسطين فقد أصبح عاجزاً عن القيام بوظيفته وتحول إلى كيان يطالب من صنعوه بحمايته من شعوب وقوى المقاومة التي ازدادت قوة مقابل ضعفه وعجزه المتواصل.