لأسبابٍ عديدة، احتلت الامارات مكانةً مهمّة ضمن لائحة الشركاء التجاريين لإيران في المنطقة. فالإمارات هي الشريك التجاري الثاني لإيران بعد الصين، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين 14 مليار دولار عام 2019، ولا سيّما أن %20 من الواردات الإيرانية مصدرها الإمارات، وهي بمعظمها أجهزة إلكترونية وفق إحصاءات مؤسسة الجمارك الإيرانية.
وخلال سنوات عديدة من تصاعد العقوبات الأميركية على إيران، لم يكن أثر هذه العقوبات ملحوظا بقوة على العلاقات بين الطرفين، غير أن اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل، من المرتقب أن يترك آثارًا سلبية قد تضع هذه العلاقة الاقتصادية المميزة في مهبّ الريح. تركيا، الشريك الاقتصادي الثالث لإيران، والخصم الإقليمي للإمارات، لا بدّ وأنها تنظر بعين الاستفادة مما تتجه إليه علاقات طهران – أبو ظبي، وقد يبلغ مدى هذه الاستفادة، تحوّل تركيا إلى الممر الاقتصادي الأبرز لإيران نحو العالم، في ظلّ استمرار العقوبات الأميركية المشدّدة على طهران.
مخاطر الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي على إيران
لاتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي “ابراهام” أهداف عديدة غير معلنة، لكنّها تبدو واضحة بالمعنى الجيوسياسي. لم يكن الاتفاق اتفاقا للسلام في ظل العلاقات الإسرائيلية الإماراتية الخفية منذ عقود، وكذلك لم تطلق الإمارات طلقة أو تهديدا لإسرائيل يومًا. ومن هنا فإن إعلان الاتفاق هدفه تهديد إيران بالدرجة الأولى، وفق ما يرى متابعون للشأن الإقليمي، حيث سيصبح لإسرائيل موطئ قدم في الإمارات، وبتعبير أوسع، في الخليج، وقد تفضي الاتفاقية بعد فترة، إلى إنشاء قاعدة عسكرية وأمنية إسرائيلية مقابل إيران.
ومكمن الخطر على إيران، هو أن معظم حقول نفطها، وموانئها المهمة، ومفاعلاتها النووية، قد تم تشييدها على سواحل الخليج. ولعلّ هذا ما يفسر اهتمام إسرائيل بالإمارات إذ أنها أقرب الدول مسافةً لإيران، ما يضع العين الإسرائيلية المباشرة، وربما اليد أيضًا، على بعد كيلومترات معدودة من منشآت إيرانية استراتيجية. هذا، على الأرجح، ما سيدفع طهران لاتخاذ إجراءات مضادة عسكرية، كما أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني منذ أيام، بأن “القوات المسلحة الإيرانية ستتعامل مع الامارات وفق معادلات جديدة، ولن تسمح لإسرائيل بان يكون لها موطن في الخليج، وأن طهران ستعقد تحالفات إقليمية جديدة لمواجهة النفوذ الإسرائيلي في الخليج”.
أميركا تستبدل تركيا بالإمارات؟
سباق التسلّح في المنطقة لا يبدو منفصلًا عن السياق السياسي للاتفاق الإماراتي الإسرائيلي. فالصفقة الأميركية التركية لشراء طائرات أف 35 ما زالت مرهونة بالصفقة التركية الروسية لشراء منظومة صواريخ أس 400 الاعتراضية. ولولا التدخل الإسرائيلي الصارم، لكانت الولايات المتحدة ستنفذ صفقة تزويد أبو ظبي بهذه الطائرات. غير أن معلومات بدأت تتسرب عن احتمال تزويد إسرائيل للإمارات بأسلحة تسمح لها باعتراض المسيرات اليمنية الإيرانية الصنع أو التقنية. جملة معطيات تضع طهران وأنقرة في حسابات مشتركة.
أما سياسيًا، فتسوّق الإمارات نفسها كلاعب أساسي في أزمات المنطقة الممتدة من سوريا إلى اليمن وليبيا والأزمة الخليجية، ويأتي تسويق أبو ظبي في سياق متماهٍ على نحو كبير مع الرؤية الأميركية، ما يعزّز الدور الإماراتي في الحسابات الأميركية، في مقابل قلقٍ أميركي من السياسات التركية في هذه الأزمات، وتقاطعات مواقف أنقرة مع طهران وموسكو في عدد من الملفات.
الخطورة الثنائية للاتفاق على تركيا وإيران
الموقف التركي الرافض والمندد باتفاق التطبيع، وتهديد الإمارات بقطع العلاقات الدبلوماسية، تقاطع مع الموقف الإيراني من الاتفاق. وهو مؤشر قد لا يكون نهائيًا، على إمكانية تعزيز حلفٍ تركي إيراني لمواجهة الحلف الإماراتي الإسرائيلي، لمعالجة ترددات اتفاق التطبيع.
تتجه إيران إلى مشكلة تجارية كبيرة في حال تخلّت عن شراكتها الاقتصادية مع الإمارات بوجود أكثر من 3000 شركة إيرانية هناك، ما يستدعي بحث الشركات الإيرانية عن سوق جديدة، ودولة جديدة تستطيع العمل فيها والاستمرار في إرسال البضائع الى إيران. تركيا هي الجار الأقرب والحليف الاستراتيجي الجديد. الاحتمال وارد جدًا. ومن ناحية أخرى فإيران تحتاج لدعم سياسي إقليمي لمواجه التمدد الإسرائيلي في الخليج. وهذا ما تتشارك فيه مع تركيا التي ترى تهديدا كبيرا لها في الاتفاق المبرم، خصوصا بعد الجهود الإماراتية الإسرائيلية لمد خط نقل الغاز الى أوروبا عبر اليونان ومصر بعيدًا عن تركيا، التي تعتبر نفسها بوابة أوروبا إضافة للتباينات الكبيرة بين أنقرة وأبو ظبي في الأزمة الليبية.
أنقرة هي المستورد الأول للغاز والنفط الإيرانيين، وتصدّر لإيران كميات كبيرة من الألبسة والأجهزة الالكترونية وغيرها من المنتجات. ويتعاون البلدان في العراق، وينسقان في مواجهة حزب العمال الكردستاني، ويساندان قطر في الأزمة الخليجية، إضافة لالتزامهما مواقف متشددة في ملف التسوية الفلسطينية مع إسرائيل، ودعمهما لفصائل المقاومة الفلسطينية بأساليب مختلفة (تركيا ماليًا في فترات معينة، إيران ماليا وتسليحياً)، فضلاً عن محاولات في الساحة اليمنية، إذ تتحدث تقارير إعلامية عن سعي إيرانيٍّ تركيٍّ للتقريب بين الفصائل المقربة منهما (حزب الإصلاح الإخواني المقرب بتركيا، وحركة أنصار الله المقرّبة من طهران).
في المحصلة، تجتمع تركيا وإيران على أرضية صلبة في مواجهة محورٍ إقليمي آخر تقوده السعودية وتلعب فيه الإمارات دورا بارزا، ومن شأن اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي تعزيز هذه الأرضية.
في سوريا تدير طهران وأنقرة اختلافاتهما على قاعدة عدم الاعتداء المتبادل. الموقف الإيراني المعلن يؤيد حكومة الوفاق المدعومة من أنقرة والدوحة في ليبيا، وهذا يحمل مغزى قوياً بالنسبة إلى البقعة المتوسطية بكاملها، بما فيها لبنان. مشاركة نائب الرئيس الإيراني محمد باقر نوبخت في افتتاح مصنع جديد لشركة AGT التركية العملاقة في قزوين، ربما يكون البداية لدخول استثمارات تركية كبيرة للسوق الإيرانية، ولا سيما مع ترحيبه بالاستثمارات التركية، وإعلانه استعداد الحكومة الإيرانية لدعم وحماية الشركات التركية والسعي لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
الكاتب : غيث علاو and فاطمة علي
الموقع :jadehiran.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2020-08-30 18:57:51
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي