عبد الكافي الصمد | كاتب لبناني
بشكل لافت تتسارع الأحداث التي تنذر بتطوّر الأمور في لبنان نحو الأسوأ، من غير أن تتضح ملامح القعر الذي يمكن أن يصل إليه البلد، ولا حجم الإنهيار الذي سيحصل، ولا كيفية الخروج من النّفق المظلم الذي دخل الجميع فيه، إمّا بإرادتهم أو رغماً عنهم، ولا تبدو نهايته قريبة أو واضحة للعيان.
آخر هذه التطوّرات سُجّل أمس، عندما تسربت معلومات من مصادر موثوقة أنّ الأمم المتحدة طلبت من موظفيها الأجانب مغادرة لبنان في غضون 48 ساعة إمّا إلى قبرص أو الأردن، في مقابل طلب السّفارة البريطانية في بيروت من موظفيها والمواطنين ممّن يحملون الجنسية البريطانية توخّي الحذر وعدم التجوال أو التواجد في أماكن أو مناطق تُصنّف بأنّها تشكّل خطراً عليهم.
ترافق ذلك مع إنهيار تاريخي إضافي شهدته الليرة اللبنانية يوم أمس، بعدما تراجع سعر صرفها مقابل الدولار الأميركي ووصولها إلى أكثر من 15 ألف ليرة مقابل كلّ دولار، ما جعل العملة الوطنية تخسر في أسبوع واحد، بعد سلسلة التراجعات السريعة والدراماتيكية لصرفها، أكثر من 50 في المئة من قيمتها، وهو تطوّر مالي بالغ الخطورة بالنسبة لتراجع قيمة الليرة، يكاد يكون الإستثناء الوحيد من نوعه في العالم.
كلّ ذلك يحصل بينما السّلع الغذائية الأساسية والمحروقات والدواء تشهد يومياً إرتفاعاً جنونياً في أسعارها، وتكاد تنفد من الأسواق، وسط ارتفاع صرخات الجوع والفقر من غير أن تجد لها آذاناً صاغية من أحد، والتحذير من حصول مجاعة في البلد إمّا بسبب عدم توافر السلع الغذائية الأساسية، أو ندرتها، وإمّا لعدم قدرة غالبية المواطنين على شرائها والحصول عليها بسبب رواتبهم ومداخليهم الزهيدة.
يترافق ذلك مع تطوّرات ذات منحى خطير تحصل في الشّارع، ليس بسبب قطع المحتجّين على تدهور أوضاعهم المعيشية الطرقات والسّاحات، والتي لا يتضرّر منها سوى مواطنين يعانون مثلهم من الضائقة، إنّما التطوّر الخطير يتمثل في تكاثر حوادث إطلاق النّار والإشكالات والإعتداءات اليومية، وحوادث السّرقة والنهب، إلى حدّ أن أحد الأحياء في مدينة طرابلس مثلاً، حسب تقارير أمنية، قد شهد في أسبوع واحد أكثر من 50 حالة سرقة للمنازل والمحال التجارية والسّيارات، ويمكن قياس ذلك على بقية المناطق لمعرفة حجم الخطر الذي ينتظر الجميع.
لكن برغم هذه الصورة السوداوية التي لا تبشّر بخير، ولا باقتراب ولادة الحلول للأزمات المحلية المتفاقمة، ما تزال الطبقة السّياسية تدور حول نفسها، وتتراشق التهم حول أمور تعنيها ومتعلقة بمصالحها ومصالح المحيطين بها، متجاهيلن كليّاً مصالح لبنان العليا، وغير قادرين ولا راغبين في تأليف حكومة برغم مرور نحو 5 أشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة، مختلفين على جنس الملائكة وعلى تقاسم حصص السّلطة والدولة التي باتت خاوية على عروشها.