زينب حاوي | كاتبة واعلامية لبنانية
في اللحظات الأولى التي تلت إعلان خبر اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم صباح أمس سرعان ما سادت موجة عارمة على السوشال ميديا، تصدّر فيها اسم سليم هذه المنصات، وحضرت فيها على الفور اتهامات جاهزة ومعلبة لـ«الحزب » بالتورط في عملية الاغتيال، لا سيما أنّها حصلت في منطقة الجنوب وتحديداً على طريق «العدوسية». هكذا، تسيّد هذا المشهد المشحون والتحريضي، وانسحب على القنوات الإعلامية المحلية والخليجية وحتى تلك الناطقة بالعربية، وكنا أمام فورة لا مثيل لها، استنهضت قوى وشخصيات ووجوهاً سياسية غائبة أو مغيّبة عن الساحة الإعلامية، عادت إلى الضوء من جديد، مع حادثة الاغتيال، وراحت تستثمر في الدماء التي لم تجف بعد. هكذا، وبتوقيت مريب، ترزح فيه البلاد تحت وطأة أزمات متلاحقة معيشية واقتصادية ونقدية، وحتى صحية، أتت حادثة الاغتيال لتغيّر المشهد، وتسحب خلفها أجندات تظهّرت على أنها طهيت في مطبخ واحد وخرجت منه، نظراً إلى تقاطع العديد من الطروحات والمواقف التي خرجت في الساعات الأخيرة. ولعلّ البارز منها المطالبة بقضاء دولي كما حصل بعيد انفجار المرفأ، واستحضار سلسلة الاغتيالات السياسية التي حدثت منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاه، ووضع ما حصل لسليم ضمن هذا السياق.
في التعاطي الإعلامي، سرعان ما التصق اسم لقمان سليم بصفة «المعارض لحزب الله» أو «المعارض الشرس لحزب الله»، وتظهير هويته الدينية وانتمائه للطائفة الشيعية، وسكنه في منطقة حارة حريك «التي يسيطر عليها الحزب». عبارات تكررت في الإعلام، وحملت معها دلالات سياسية واضحة، لربط الجريمة بمسؤولية حزب الله عنها. على الصعيد المحلي، توجه المراسلون إلى النقطة التي وُجدت فيها جثة الضحية، وإلى منزله في «حارة حريك» لاستصراح شقيقته الروائية رشا الأمير. واختلف التعاطي هنا، بين سرد للمعلومات الأولية لا سيما الأمنية منها، حول الحادثة، وبين دخول هؤلاء في بحر من التحليل وحتى التحقيق، وربط مكان إقامة سليم وآرائه السياسية بما حصل معه. وفي المساء، بدت الصورة أوضح، ووجهات الاتّهام مع أنها اعتمدت على صيغة المجهول، لكنها كانت كافية لرسم صورة الاتهام السياسي. على سبيل المثال رأت mtv، في مقدمة نشرة أخبارها أن «القتلة كانوا ينفذون حكماً صدر من مرجعية شرعية في مساحتها تعتبر أن لقمان بات يمثل خطراً على سيادتها وبيئتها ووجب أن يدفع ثمن حلمه»، في تلميح إلى «حزب الله»، واستكملت هذا الاتهام باستعادة مواقف سليم تجاه الحزب لا سيما في تفجير المرفأ. وفي تقاطع المحطة مع ما أوردته «الجديد»، كانت الوجهة واضحة في اعتبار أن لا نتائج فعلية في الاغتيالات السياسية السابقة، وبالتالي الأبواب باتت مشرّعة لتحقيق دولي. وفيما بقيت lbci، على مسافة مما حدث، خصصت في نشرتها الإخبارية مساحة واسعة لتصريح السفيرة الأميركية دوروثي شيا، حول عملية اغتيال سليم.
خليجياً لعلّ القناة الأكثر استنفاراً بعيد هذه الحادثة كانت «العربية/ الحدث». راحت تنشر على مدار الساعة صورة سليم مضرجاً بدمائه في السيارة، من دون أي تمويه، وتعرض لقطات أرشيفية بعد جمع سليم مجموعة ملصقات كانت قد وُضعت على جدران منزله، إثر الضجة التي أُثيرت في وسط بيروت، ومنع إقامة ندوة تتحدث عن «الحياد». سلسلة من الوجوه السياسية ذات الاتجاه المعارض لحزب الله، ظهرت على الشاشة السعودية، من محللين وصحافيين، راحوا يطالبون بالتحقيق الدولي، ويعتبرون اغتيال سليم رسالة إلى كل لبناني يعارض «حزب الله». ومع أنّ عائلة سليم لم تسمّ الجهة التي تعتقد أنها ضالعة في عملية الاغتيال، إلا أن القناة أصرّت على أن ما كان تقصده العائلة حزب الله وما أسمته بـ «قوى الأمر الواقع في الجنوب اللبناني». استنفار الشبكة السعودية، ومعها طبعاً الإعلام الإماراتي المتمثل في شبكة «سكاي نيوز»، أعاد إحياء ما يسمى بـ «قوى الرابع عشر من آذار» وتحديداً أمينه العام السابق فارس سعيد والصحافي نوفل ضوّ وغيرهما من الوجوه التي ظهرت على هذه الشاشات. وكان لهذه الوجوه بيان تُلي أمام الإعلام، بعد سبات فرضته الظروف الراهنة. القنوات الأجنبية والناطقة بالعربية لم تكن بعيدة عن هذه الأجواء المسيسة بل كانت منغمسة فيها إلى حد كبير. شبكة bbc عربي، على سبيل المثال، أوردت أن سليم «يقطن في حارة حريك في الضاحية الجنوبية معقل حزب الله»، وأعادت التذكير بأنه ينتمي إلى «الطائفة الشيعية»، ووصفته بـ«الكاتب والناشط والمعارض لحزب الله» الذي «سبق أن تلقى تهديدات بالقتل بسبب مواقفه، وكتاباته». على النحو عينه، سارت «فرانس 24» الفرنسية الناطقة بالعربية، وظهّرت أن لقمان «معروف بمواقفه المنتقدة لحزب الله»، وأنه يدير مركز «أمم للأبحاث والتوثيق»، في الضاحية الجنوبية لبيروت «معقل حزب الله» الأمر الذي كان «يُنظر إليه على أنه تحدٍّ للحزب الشيعي».
هكذا، تسيّدت سردية واحدة خطوط هذا الإعلام، الذي ذهب تجاه التسييس والاتهام الجاهز، وفرض أجواء مشحونة من التحريض والتأليب، الذي قد لا يفضي في الوقت الحالي سوى لمزيد من التشنج الأهلي لا سيما مع التلميح إلى حصول عمليات اغتيال جديدة.فورين بوليسي: أربعة مبادئ لأي اتفاق جديد مع إيران
الأخبار