الإستراتيجية الأمريكية – ما بين النجاح والفشل
حيّان نيّوف | كاتب وباحث سوري
منذ ظهور كو.رونا ، قلنا إن الولايات المتحدة التي تعاني من اربعة ازمات رئيسية ستؤدي بالنهاية أقلّه إلى فقدان تفردها بقيادة العالم ، هذا إن لم تنته بانهيارها ، هي من اوجدت هذه الجائحة وعممتها ، على مبدأ ( إما أنا او الفوضى العالمية ) ، وقد يقول البعض أن الولايات المتحدة اكتوت مثل غيرها بآثار هذه الجاىحة ، وهذا صحيح ، ذلك ان الولايات المتحدة ما كانت لتتوقع أن تتمكن الصين ومن خلفها خصوم الولايات المتحدة الآخرين ، ان يتمكنوا من التعامل مع هذه الجائحة بهذه السرعة ، سواء لجهة المعالجة او ربما لجهة الرد بالمثل ..
أزمات الولايات المتحدة الرئيسية :
1- ازمة الدين العام الذي وصل إلى 29 تريليون دولار.
2- ازمة التسارع المذهل للتكنولوجيا العسكرية الروسية.
3- ازمة التسارع المذهل للإقتصاد الصيني .
4- ازمة الإنقسام المجتمعي الأمريكي .
ومنذ اليوم الاول للجائحة ، سعت الولايات المتحدة إلى استخدام البنك الدولي كاداة غليظة لإخضاع الدول التي تحاول التفلت من سيطرتها ، وإخضاع دول اخرى تفلتت بالفعل من تلك السيطرة ، بدا ذلك واضحا عندما ربطتت مساعدات البنك الدولي وقروضه بشروط الإغلاق لتدمير الاقتصادات ، ولاحقا بالخصخصة والاتفاقيات المذلة لمعالجة آثار الإغلاق السلبية ، وبعد ذلك بحرب اللقاحات ..
ولم تكتف الولايات المتحدة بذلك ، وانتقلت في المرحلة الثانية الى ما بات يعرف بازمة المناخ وتاثيراتها ، وانعكاسات ذلك على حوامل الطاقة ، وعلى اسواق النفط والغاز والفحم ،ومن ثم الكهرباء والنقل ، وصولا الى ازمة غذاء عالمية قادمة لا محالة ، يكفي ان نعلم أن اسعار المواد الاستهلاكية ارتفعت عالميا بمقدار 30% خلال شهر واحد ، وان القمح ارتفع سعره بشكل قياسي ..الخ
وبالمختصر ، فالولايات المتحدة تريد إشغال العالم وتهديد إقتصاده عبر حروب خفية من الجيل الرابع إلى حين الانتهاء من بناء استراتيجيتها الجديدة التي تمكنها من معالجة ازماتها الاربع كليا او جزئيا ، وإجبار دول العالم على السير معها في هذا المعالجة ، بما يضمن لها موقع القوة في العالم الجديد الذي ترتسم معالمه ..
اما استراتيجيتها في الجانب الجيوسياسي والجيوبلتيكي فقد باتت واضحة المعالم إلى حد ما ، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى إنشاء حزام دفاعي لمحاصرة خصومها في الشرق ، يمتد هذا الحزام من البلطيق شمالا إلى البحر الاسود مرورا بشرق اوروبا والبلقان ويتجه شرقا إلى القوقاز واسيا الوسطى لتطويق روسيا ومنع التقائها مع ايران والصين ، ويتجه جنوبا من البحر الاسود إلى شرق المتوسط ومنه لوادي النيل وصولا الى القرن الافريقي مرورا بفلسطين المحتلة والاردن ومصر والسودان لإغلاق البحر المتوسط وافريقيا بوجه الحزام والطريق الصيني وبوجه التمدد الروسي ، ويعود ويتجه شرقا عبر المحيط الهندي والهادي مرورا بجنوب شرق اسيا وبحر الصين الجنوبي لاستكمال تطويق الصين ..
ولأجل كل ذلك تعمل الولايات المتحدة على إقامة تحالفات جديدة من خارج حلف الناتو ، كحلف اكوس ، وحلف كواد ، والحلف الابراهيمي ، ولاحقا منظمة الأمم التركية ، وقوة التدخل السريع الاوروبية ..
أما السؤال : هل ستنجح الولايات المتحدة في بناء استراتيجيتها الجديدة ؟ وهل نجاحها في بناء هذه الإستراتيجية سينقذها من أزماتها ويعيد لها تفردها بقيادة العالم ؟
جميع المعطيات تؤكد ان الولايات المتحدة لن تكون في نزهة ، وليس من السهل إن لم يكن من المستحيل نجاحها في تحقيق هدفها ، فازماتها التي ذكرناها أكثر عمقا من أن تستدرك خلال فترات قصيرة زمنيا ، كما أنها معرضة للانتكاسة في أي منها ، ناهيك عن أن خصومها في محور الشرق يتتبعون تحركاتها في كل اتجاه وعلى كل صعيد وحققوا اختراقات مهمة لاستراتيجيتها في اكثر من محور …
النتيجة ؛ الولايات المتحدة ستستمر في إحداث الازمات العالمية وعلى كل الصعد الممكنة المناخية والاقتصادية والغذائية والصحية والمالية وغيرها ، وقد تأخذ هذه الأزمات أبعادا حدية ولا إنسانية ولا أخلاقية إلى أن ينتهي الأمر بإحدى الخيارات ( التهدئة والتفاوض وتقاسم النفوذ ، او أن تجني على نفسها ، أو أن ينتهي بها الامر بحرب كبرى مع الخصوم )