غالب قنديل | رئيس مركز الشرق الجديد
مثّلت العقوبات وتدابير المنع والحظر علامات فارقة في سلوك الولايات المتحدة والمعسكر الإمبريالي المتغطرس ضد وسائل الإعلام الحرّة في العالم، واستهدفت منظومة متشعّبة من العقوبات سائر وسائل الإعلام والمنابر الحرّة، وشنّت الإمبراطورية حملات بطش وعدوان سافرة، لمصادرة جميع مساحات الحركة الإعلامية المعاصرة، بهدف خنق القوى التحرّرية والحركات الشعبية الثورية المناوئة للاستعمار والصهيونية في العالم. ولعلّ ما تتعرّض له وسائل إعلام محور المقاومة والاستقلال في منطقتنا، منذ عقود، هو الدلالة على حالة الهستيريا الأميركية من اتقان قوى المقاومة والتحرّر في المشرق لأحد أهم أدوات الصراع والتأثير وتعديل التوازنات في القرية الكونية، التي تعمل الإمبراطورية المتغوّلة النهّابة مع عملائها لإخضاعها، ولتعقيم فضائها من أيّ رسالة تحرّر أو تمرّد.
أولا: الانزعاج والغيظ الأميركي الغربي الذي تركّز قبل عقود على منابر المقاومة، وطاردها على الأرض وفي الفضاء بجدران العقوبات والمنع وتدابير الحصار التقني والمصرفي، طوّر منظوماته وأدواته بصورة توسّعت بالتناسب مع امتلاك محور المقاومة الإقليمي لشبكة من المنصات والأدوات الحديثة والمتطورة بلغات شرقية وعالمية متعدّدة، وبمنظومة تضمّ عشرات القنوات الفضائية التلفزيونية والمؤسسات الإذاعية والمواقع الإلكترونية، التي تلاقي انتشارا جماهيريا واسعا ومتزايدا في العالم، بفعل تميّزها في اتقان المهارات المهنية ومراكمتها لمصداقية متزايدة مع جاذبية التأثير والانتشار في قلب الدول الغربية، التي يزلزلها الحنق والغيظ من ذلك الحصاد بفضل المصداقية المكتسبة والجاذبية الثقافية، التي يعرف الخبراء وعلماء الاجتماع أنها تتحول إلى قوة تراكمية لا تقهر ضمن سجال لا رجعة فيه.
ثانيا: شهدت الأسابيع الأخيرة اشتداد شراسة الحملات الأميركية، بحيث تبدّى في قلبها اعتراف بحجم التحدّي الإعلامي، الذي حرّكه محور المقاومة والتحرّر العالمي في قلب الدول الغربية المتنمّرة. ويكفي بيانا التفاعل والتأثير، الذي طرحته قناة فضائية لمحور المقاومة باللغة الإنكليزية، هي قناة “برس” التي حصدت انتشارا ومصداقية في عقر الدار الغربي الأميركي الأوروبي، مما حرّك هستيريا القلق والغيظ في دوائر التخطيط الإمبريالي، التي تتحسّس نجاح محور المقاومة في تطوير خطاب جذّاب بلغات متعددة، بما فيها الانكليزية، قادر على التفاعل والتأثير في الرأي العام الغربي بلغته وثقافته، وهي بذرة قابلة للنموّ بفضل الوسائط المتعدّدة وسعة الانتشار، ومع امتلاك محور المقاومة لمنظومة مركّبة وقوية من المواقع الإلكترونية، التي يعتلم الأميركيون مقدار انتشارها وشعبيتها في صفوف الجاليات المشرقية، وهي تواصل تطوير المحتوى الإعلامي والثقافي وأدوات التأثير في حمل رسالتها الإعلامية التحرّرية دفاعا عن شعوب الشرق.
ثالثا: إننا نشهد للخبراء والمهندسين والإعلاميين الأحرار بعظمة هذا الإنجاز التاريخي، الذي يقلب الصورة، ويسقط عهودا من تسيّد الاستعمار لساحة السجال الإعلامي مع شعوب الشرق وحركات المقاومة والتحرّر. وينبغي علينا تسجيل الامتنان الكلي لدور إيران الريادي، الحاضن والداعم لكل بادرة تحرّر ومقاومة وتمرّد في الشرق. كما لا بدّ من التنويه بالقوى الشابّة الحيّة من المهندسين والخبراء والإعلاميين المنتمين إلى محور المقاومة، الذين يبرعون في خوض هذه المعركة، ويحققون مزيدا من الانجازات لصالح الإعلام التحرّري المقاوم ومعركته دفاعا عن شعوب الشرق وحقّها في الحياة بحرية وكرامة.
لقد تمكّنت أجيال فتية من النساء والرجال، تضم آلاف المهندسين والخبراء والإعلاميين في بلادنا، من استخدام التقنيات الحديثة، لنشر رسالة التحرّر، وخوض معركة إعلامية مشرّفة بكلّ جدارة، تحصد اعترافات متزايدة، وتنال احتراما وانتشارا متعاظمين. والمطلوب رعاية ما تحقّق، وتطويره أفقيا وعموديا كمّا ونوعا.