غالب قنديل | رئيس مركز الشرق الجديد
كعادتها تعمل الدول الغربية لاستثمار المأزق اللبناني حالة الاستعصاء الداخلي بالمزيد من الضغط الاقتصادي والسياسي، والسعي الى محاصرة المقاومة عبر تصعيد الضغوط على البلد.
أولا: إن هذا الواقع ما كان ليتبدّى بخطورته الشديدة لو توافرت إرادة وطنية لبنانة لبلورة برنامج إنقاذي، تتوحّد القوى الحية تحت لوائه في مسيرة إنقاذ وطني سياسية دستورية واقتصادية. وهذه هي الحلقة المفقودة في المشهد اللبناني، وهي سرّ التخبّط والمراوحة في المكان، بين تشكيل حكومة معلّق وأزمة اقتصادية مالية ما تزال خارج النقاش والسيطرة، مقصيَّة عن جداول أعمال اللقاءات، والمداولات شبه المعطّلة.
إن هذا الوضع هو ذروة التردّي السياسي، وشبه انحلال في البنية السياسية للمؤسسات. بينما يغيب النقاش الواقعي والجدي في المخارج والحلول عن الحياة السياسية بصورة شبه كليّة. وهذا أمر يثير القلق على مستقبل البلد ومصيره، ويضع الأمور والآفاق في دائرة استفهام كبيرة. بينما تتعطّل المبادرات باستثناء الجهد، الذي يبذله الرئيس نبيه بري والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. وكأنما تعطّلت لغة الكلام بين الأطراف، التي يُفترض أن تخبر اللبنانيين عن مواقفها واقتراحاتها لمغادرة المأزق السياسي الراهن.
ثانيا: تشكيل حكومة جديدة هو الاستحقاق الداهم. وهي حكومة ستكون مسؤولة عن احتواء أزمة اقتصادية ومالية خطيرة، وعن معالجة الانهيار المالي، الذي فاقم الكارثة الاقتصادية والاجتماعية بدرجات قياسية وغير مسبوقة. فجميع اللبنانيين اليوم مهددون، والمشكلات المعيشية تتراكم وتتفاقم، بينما يفرض تمادي جائحة كورونا على الدولة أعباء متزايدة في زمن الشحّ، وعلى الناس تعطيلا وإقفالا شاملين يزيدان من عمق الأزمة. ولا أفق قريبا زمنيا لتعليق التدابير الاستثنائية المرهونة بحصيلة عمل المختبرات الطبية العالمية في مجال اللقاحات والعلاجات في مواجهة الجائحة المتفاقمة والمتفشّية إقليما وعالميا.
هذا الوضع الخطير لا يحتمل انصراف أيٍّ من الجهات الفاعلة والمقرّرة في البلد الى أولوياته الذاتية على حساب التفاهمات الوطنية الممكنة. وهو التوقيت الأوجب لتحرّك المبادرين والساعين الى تحقيق مثل ذلك الإنجاز، لكن الأمر وقفٌ على تحسُّس الجهات المعنية لضرورة تحقيق تفاهم الحدّ الأدنى الممكن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وهو تفاهم دونه خراب كبير، سيدفع جميعُ اللبنانيين كلفته الباهظة، لا سمح الله. ولا مبرّر للانتظار.
ثالثا: ما من ظرف أدعى للحوار في سبل الخروج من المأزق بين القوى السياسية الفاعلة، التي تحمل مسؤولية إنقاذ البلد. فالعمل المشترك المطلوب لمنع الكارثة المتمثّلة بانهيار شامل، هو الواجب الوطني الراهن، بعيدا عن أيّ حسابات ذاتية، تتصل بالمصالح الفئوية وبالحساسيات المتراكمة بين الأطراف السياسية الرئيسية والمقرّرة. فالكارثة المحدقة سوف تطال جميع اللبنانيين بدون استثناء إذا استمر التآكل والنزيف بعد الانهيار الخطير الذي وقع. وأخطر ما في الأمر، هو تآكل الثقة الشعبية بهياكل الدولة ومؤسساتها وغياب أيّ مشروع لإعادة بناء الدولة وإصلاحها عن الحياة الوطنية، رغم تعدّد النظريات والشعارات الإنقاذية، التي لم يتحوّل أي منها الى مشروع جدي ذي مصداقية، يحمله حزب أو زعيم بمفرده أو مجموعة أحزاب. وهذا وضع صعب، يستعصي تخيُّل الحل الإنقاذي بدون تجاوزه جذريا.
الأكيد أن المقاومة التي تحمي السيادة وتردع العدوان الصهيوني عن البلد، وتضمن بذلك سلامة اللبنانيين وأمنهم، هي الجهة التي تحقق بيئة مناسبة لتوحيد الجهد الوطني في الإنقاذ الاقتصادي من خلال ردع خطر العدوان، كما أنها داخليا الجهة التي تبادر وتحثّ على إنتاج التفاهمات وبناء إرادة لبنانية جامعة لإخراج البلد من المأزق. ولكن ذلك ليس وقفا على حمل حزب الله لمشروع إنقاذي، بل هو يتطلّب تجاوبا من سائر الجهات المعنية لبلورة إرادة مشتركة. ومن هنا نقول إن المخاض سيطول الى أن تتبلور الإرادة العابرة للطوائف والجامعة للبنانيين حول برنامج الخلاص.
حتى ذلك الحين سيلعب حزب الله دور الساعي الى تقريب المسافات والعمل لتحقيق توافقات الحدّ الأدنى الضامنة للمصالح الوطنية. فالحقيقة أن المقاومة والقتال المتواصل ضد الاحتلال كان أمرا يستطيع الحزب حمل لوائه وتحمّل مسؤوليته بالشراكة مع حلفائه الموثوقين من القوى والأحزاب اللبنانية، التي شاركت في العمل المقاوم. أما الإنقاذ وإعادة بناء الدولة وهياكل الاقتصاد الوطني فهو أمر يتطلب إرادة جامعة، ويتخطّى طاقة أيّ حزب بمفرده، مهما كانت قوته. خصوصا في بلد حافل بالتناقضات والحساسيات الطائفية والمذهبية.