الأقليات وسبل البقاء بين خيار الدولة وخيار الميليشيا
الدكتور علي حكمت شعيب | استاذ جامعي
إن من التهديدات الوجودية التي تنذر بتدمير كيان أي جماعة هو أن يكون لدى قيادتها قصور في دراسة بيئتها لتحديد ما يحيط بها من مخاطر ويعيق تقدمها ويزعزع سبل بقائها.
وما ينفعها من فرص ويضمن نموها واستمراريتها.
وما هي نقاط قوتها وضعفها ونقاط قوة وضعف خصمائها.
وهذه قضية حساسة لأن الحكمة تقول:
“الجاهل بقدر نفسه هو بقدر غيره أجهل.”
إن سوء التقدير لهذه الأمور من قبل قيادة أي جماعة وموافقة الأتباع على ذلك هو الذي يغري بخوض المغامرات الخاسرة ويودي بالجماعة إلى الهلاك أو التهجير والاندثار.
وفي التاريخ شواهد كثيرة على ما قدمناه.
*والساحة المسيحية في المنطقة اليوم تقف بين خيارين:*
– خيار الدولة التي تحميها وتضمن رفاهيتها وبقاءها من خلال انصهارها مع محيطها.
– وخيار الميليشيا التي يقودها مغامرون ليس لديهم قراءة واعية لبيئتهم السياسية يدّعون الأهداف نفسها لكن عبر التقسيم والانعزال عن المحيط والتحالف الدوني مع قوى خارجية ليقدّموا لها خدمات فينفذوا خططها في التآمر على أبناء محيطهم مقابل التمويل والدعم.
هذان خياران استراتيجيان حقيقيان عند أي مسيحي لا بل أي منتسب لأقلية في المنطقة.
وعندنا في لبنان يقف إخوتنا المسيحيون أمام خيارين:
خيار الدولة أو خيار الميليشيا المارقة المتعطشة للفتن والقتل وسفك دماء الأبرياء من أبنائها وسائر المواطنين لأنه بذلك تتأمن لها التربة الخصبة لشجرتها الخبيثة.
إن قراءة التجارب الماضية للفتن والحروب التي مرت بها منطقتنا لا سيما وطننا لبنان في حربه الأهلية أواسط سبعينات القرن الماضي والعراق وسوريا في السنوات العشر الأخيرة ومن ثم النظر الى استراتيجية أمريكا التي تتحضر اليوم للانسحاب من منطقة الشرق الأوسط بعد انتصار محور المقاومة فيها وإلى إخفاقها وحماقتها في أفغانستان وكيفية التصرف مع عملائها هناك يقود دونما شك إلى:
جعل خيار الدولة هو البديل الأنسب لأمن وحماية ورفاه الأقليات أما الارتباط بالمحور الأمريكي فإنه قد خرّب كل من سوريا والعراق إذ أوجدت فيهما أمريكا حركات تكفيرية وهابية أمعنت في ذبح الأقليات وتهجيرهم.
وقد هاجر لذلك من العراق نسبة 90% من المسيحيين المقيمين فيه.
وفي الوقت الذي كانت أمريكا في المنطقة عبر دعمها للتكفيريين تقتل وتهجّر المسيحيين كان محور المقاومة يدافع عن مدنهم وقراهم ويؤمنهم فيها مواجهاً التكفيريين بكل صلابة.
وبناء عليه فإذا كانت الدولة هي الأفضل وعدم الارتباط بالمحور الأمريكي هو الأنسب والابتعاد عن المغامرين هو الأسلم.
فإن ذلك يتطلب استنكاراً وشجباً وإدانة وإنفاذاً لحكم القانون على كل من يسعى الى ضرب هذا الخيار في الوطن عبر أفعال ميليشياوية حقيرة تقتل الأبرياء الآمنين وتتباهى بذبحهم وتدّعي بذلك حماية منطقتها متجاوزة دور الدولة الرعائي في توفير الأمن والحماية ومتخذة من فعل القتل سبيلاً لرفع مكانتها في بيئتها.
إن هذا الفعل الشنيع الخسيس والجبان الذي يذبح الأبرياء مدّعياً الشجاعة والمرتكز الى سوء تقدير قوة الخصم من الناس والدولة والذي شهدنا مصداقاً له بالأمس في لبنان.
هو فعل لا يقوم به إلا الأنذال الحمقى وهو ما تطلبه أمريكا بالذات وبعض الدول العربية منهم للإفساد في ساحة الوطن من أجل إرباك بيئة من يقاوم أمريكا في المنطقة ويفشل خططها فيها.
إن هؤلاء المغامرين في لبنان الذين يوردون أتباعهم سبل الهلاك ويأخذون بيئتهم الخاصة الى التهجير ويريدون زعزعة الأمن في البلاد جزاؤهم التفكيك والنفي والسجن والتقتيل تحت حكم القانون.
لأن في القصاص حياة للمجتمع وموت للجريمة التي تأصلت في نفوسهم فلم يتوبوا بعد أن سنحت الظروف السياسية لهم بعفو سياسي وأعطتهم فرص التعافي بعد مقتل الرئيس رفيق الحريري عام 2005م.
الأمر واضح وجلّي ويحتاج الى عزم وحزم.
فليبادر أصحاب الإرادات الطيبة والعقول النيّرة من رجالات الوطن لاجتثاث تلك الغدة السرطانية المليشياوية التي جُبلت بالغدر والخيانة المكتنزة لكل عوامل الفتن والتي لا تتغذى إلا على دماء الأبرياء.