نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي
حين توحي تعليقات الصحافيين المقربين من البيت الأبيض بأن من أولويات جو بايدن أن يرغم الشيطان على النوم في الشرق الأوسط !
هذا بعدما تمكن من القبض على الشيطان في رأس بنيامين نتنياهو الذي، من أجل البقاء على العرش، فكّر في تحويل حرب غزة الى حرب كبرى، وهو ما استنفر القيادة الايرانية، وقيادة حزب الله . وكاد الانفجار الكبير (Big Bang)أن يقع لولا الضغوط الهائلة التي مارستها الادارة، والى درجة اعلان حالة الطوارئ في القيادة المركزية الأميركية في المنطقة. .
لماذا لا تلقي واشنطن القبض على الشيطان الذي يتجوّل في رؤوس بعض أهل السلطة عندنا، والذين لم يصابوا فقط بالعمى السياسي، وانما بالعمى الأخلاقي، وهم يرون لبنان، وكما توقع جان ـ ايف لودريان، على قاب قوسين أو أدنى من الزوال ؟
حتى اللحظة، لسنا على الأجندة الأميركية، كما في عهد جورج دبليو بوش ودونالد ترامب. السفيرة دوروثي شيا في واشنطن استعداداً للانتقال الى موقع آخر ، لم تعد تستقبل زوار منتصف الليل الذين وصفهم مايلز كوبلاند، صاحب «لعبة الأمم « بـ «الثعالب العرجاء»، أي ساسة العالم الثالث الذين تستخدمهم الولايات المتحدة ولا تلبث أن تلقي بهم من النافذة .
لكأن ادارة بايدن مطمئنة الى أن الخط الأزرق لن يهتز ما دام هناك في «هيئة الأركان الاسرائيلية» من يتعامل بواقعية مع معادلة توازن الرعب التي أرستها صواريخ حزب الله،كما أن المسار التفاوضي في فيينا يحدّ، كلياً، من حصول أي تدهور مفاجئ .
ربما كان المصدر الوحيد لقراءة الموقف الأميركي من الحالة اللبنانية التعليقات اياها، على محدوديتها، وهي تشير الى أن البيت الأبيض الذي يعمل، بخطى حثيثة، لازالة الآثار المدمرة لسياسات الرئيس السابق، يعتبر أن ما حدث في لبنان، ليس فقط نتاج السيناريو الذي وضعته ادارة ترامب، وأنيط بتنفيذه الثلاثي جاريد كوشنر، وديفيد شينكر، ودوروثي شيا، المنظومة السياسية هي المسؤولة الأولى عن التصدع الدرامي الراهن .
هل يعني ذلك أن علينا أن ننتظر حدوث انفراجات كبرى في المشهد الاقليمي لعلها تحمل الخلاص الى بلد يلفظ أنفاسه الأخيرة ؟
ما يستشف من التعليقات أن أقطاب الادارة الحالية لا يشككون فقط في كفاءة غالبية أهل السلطة، بل هم يشككون في أخلاقياتهم، كما ينتقدون التعامل الانتقائي للادارة السابقة مع المنظومة السياسية اللبنانية …
لبنان يحتاج، في نظر الادارة، الى تغيير شامل في القيادات، وان كان المختصون في قضايا الشرق الأوسط يرون أن التغيير يبدو أكثر من مستحيل، بعدما تمكنت الاليغارشيا الحاكمة من الربط العضوي بين السياسي والطائفي، ما أدى الى تعليب الجزء الأكبر من الشعب اللبناني الذي ما زال يجتر، ومنذ منتصف القرن التاسع عشر، الترسبات الطائفية القاتلة .
الواقع الذي انتهى اليه لبنان لا يحول فقط دون اندلاع ثورة تعيد انتاج السلطة عبر تدابير راديكالية، أو عبر صناديق الاقتراع، وانما يحول أيضاً دون وقوع انقلاب عسكري بمرحلة انتقالية تعيد ترتيب المسار السياسي، والمسار الدستوري، للبلاد .
الأميركيون يستغربون الحجة التي يستند اليها رئيس الجمهورية، وهو صاحب الشعارات المدوية، للبقاء في القصر كما لو أنه يصر على ادارة الخراب (من كوكب آخر)، كما يستغربون دوران الرئيس المكلف حول نفسه، ممسكاً بورقة التكليف التي فقدت صلاحيتها بحكم الأمر الواقع، وبحكم الضرورة السياسية والضرورة الأخلاقية، لكأنها خشبة الخلاص الوحيدة بين الأمواج المتلاطمة التي تضرب بيت الوسط من كل حدب وصوب .
في أوروبا يتردد الكلام نفJJسه تقريباً عن «فرسان الحطام» الذين لا تزحزحهم لا صرخات المعوزين، والجوعى، ولا نظرة العالم الى التركيبة الطائفية (التعبئة الطائفية) على أنها قتلت روح الدولة L,esprit de l,Etat بحسب تعبير هارولد لاسكي.
ما هو مصير دولة من دون روح ؟ الزوال بطبيعة الحال أو الموت السريري الى أن تحدث معجزة ما . كلنا نتلقى نصائح يومية من أكثر من جهة خارجية بالاستعداد لكل الاحتمالات. هل ثمة من احتمالات أشدّ هولاً ؟ اسألوا السيد الشيطان …