الدكتور محمد نور الدين | باحث مختص بالشؤون التركية
هوّنت المعارضة التركية من شأن قرار الرئيس رجب طيب أردوغان، اعتبار عشرة سفراء لتسع دول أوروبية وأميركا، أشخاصاً «غير مرغوب فيهم»، عازيةً الخطوة غير المسبوقة إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي بات يحدّ من مقبولية الحزب الحاكم في استطلاعات الرأي. إلّا أن حصْر «قنبلة» بهذا الحجم، بالأزمة الاقتصادية، أو بتدخُّل الغرب في قضيّة عثمان كافالا، كما يضعها أردوغان، ليسا، بحسب مراقبين، سببين مقنعين، فيما يُتوقَّع أن يكون لـ«أزمة السفراء» تداعيات سيفاقمها أيّ قرار مماثل للغرب
فجَّر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مفاجأةً من العيار الثقيل، بإعلانه سفراء عشر دول، هي: الولايات المتحدة، كندا، فرنسا، ألمانيا، هولندا، الدانمارك، السويد، النروج، نيوزيلندا، وفنلندا، أشخاصاً «غير مرغوب فيهم» في تركيا. خطوةٌ عزاها الرئيس التركي إلى البيان المشترك الصادر عن هذه الدول في الـ18 من الشهر الجاري، والداعي إلى ضرورة تطبيق أنقرة قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، إطلاقَ سراح رجل الأعمال، عثمان كافالا، المتّهم بالشراكة مع جماعة فتح الله غولِن، بتدبير المحاولة الانقلابية الفاشلة في الـ15 من تموز 2016.
وفي اليوم التالي لصدور البيان، استُدعي السفراء العشرة إلى مقر وزارة الخارجية التركية، حيث تبلّغوا استياء أنقرة واحتجاجها على ما صدر عن دولهم. لكن أردوغان قرَّر تصعيد الموقف، بقوله: «ينامون وينهضون ويقولون كافالا كافالا… من هو هذا كافالا؟هو مجرّد فرع لسوروس في تركيا… لقد أتوا إلى وزارة الخارجية. أيّ قلّة تربية هذه؟ أنتم، أين تظنّون أنفسكم؟هنا تركيا، تركيا… هنا لا تستطيعون أن تأتوا وتفرضوا إملاءات على وزارة الخارجية. لقد أعطيتُ وزير الخارجية التعليمات، وقلتُ له ما عليه أن يفعل. قلت له أن يعلن هؤلاء الأشخاص أشخاصاً غير مرغوب فيهم في تركيا». ويبدو أن تفاعلات خطوة أردوغان غير المسبوقة، لن تكون بسيطة على الإطلاق، لا سيما أن قراراً بهذا الحجم يُعدّ سابقة في العلاقات الدبلوماسية. خطوةٌ يكاد المراقبون يجمعون على أنها تمثّل أقصى قدرٍ من الاستفزاز للغرب، وهو ما يرمي إليه الرئيس التركي لإظهار نفسه بطلاً يرفض تدخُّل الخارج في الشؤون الداخلية لبلاده. لكنه، بحسب معارضيه الذين تلقوّا نبأ «طرد» السفراء باستهجان، «لا يحاول سوى حرف انتباه الرأي العام عن المشكلات الاقتصادية الكبيرة التي انفجرت في وجهه أخيراً»، في ظلّ تدهور سعر صرف الليرة، والارتفاع الكبير في الأسعار، وإثارة واشنطن قضيّة «بنك خلق» مجدداً، وهو ما انعكس في استطلاعات الرأي التي أظهرت تراجعاً كبيراً في شعبية حزب «العدالة والتنمية»، وشريكه حزب «الحركة القومية». وفي هذا الإطار، اعتبر رئيس «حزب الشعب الجمهوري»، كمال كيليتشدار أوغلو، أن «أردوغان يأخذ البلد إلى الحفرة بسرعة قياسية. ومثل هذه الحركات بإعلان السفراء غير مرحب فيهم ليست لحماية المصالح الوطنية، بل لاصطناع أعذار واهية للانهيار الاقتصادي». من جهته، قال رئيس الوزراء السابق، زعيم «حزب المستقبل» أحمد داود أوغلو، إن «إعلان السفراء العشرة غير مرغوب فيهم لا علاقة له لا بعثمان كافالا ولا باستقلال القضاء. ولو كانت هذه هي الحال، فماذا يمكن القول عن الراهب برونسون وتركه بناءً على طلب الولايات المتحدة؟ للأسف، لقد استبدلت الدولة عقلها بخطاب الأزقّة»، مضيفاً: «هذه السلطة أذلَّت كرامة هذا البلد، وكافالا يستحقّ محاكمة عادلة يمكن بها إسكات أصوات العواصم الأخرى». من جهته، دعا مساعد رئيس «الحزب الجيّد»، ياووز آغير علي أوغلو، السلطة للعودة إلى انشغالات الشعب الحقيقية. وخاطب أردوغان، قائلاً: «لقد استخدمت السياسة الخارجية وسيلةً لأهدافك الداخلية. حانت نهاية عشرين عاماً من حكمك… السياسة الخارجية لا تدار بالانفعال».
وفي حال إصرار أردوغان على موقفه، يُتوقَّع مغادرة السفراء العشرة أنقرة، على أن تعلن الدول الغربية المعنية الموقف نفسه، من حيث المبدأ، وتطلب مغادرة السفراء الأتراك أراضيها، ما من شأنه أن يخلق حالة من الفوضى، ويفتح على أزمة دبلوماسية كبيرة بين تركيا والدول الغربية تضاف إلى مشكلاتها المزمنة والمستجدة مع سوريا وإيران والوضع الاقتصادي المزري. وستنعكس مثل هذه الأزمة خصوصاً على الوضع الاقتصادي، إذ إن لدولٍ مثل ألمانيا وهولندا وفرنسا علاقات تجارية قوية مع تركيا. وبرز في هذا الإطار دعوة «حزب الخضر» الألماني إلى فرض عقوبات اقتصادية على أنقرة، وحظر تصدير السلاح إليها، فيما دانت أحزاب ألمانية أخرى قرار أردوغان واعتبرته «غير عقلاني».
وتسبق هذه الأزمة قمّة «مجموعة العشرين» التي ستنعقد في روما نهاية الشهر الجاري، واللقاء المرتقب بين أردوغان والرئيس الأميركي جو بايدن. ويُتوقَّع، على خلفية قرار الرئيس التركي، أن تتعمّق الأزمة بين البلدَين، بعدما أضيف إلى خلافاتهما الكثيرة – صواريخ «أس-400» الروسية وطائرات «أف-35» التي ترفض واشنطن تسليم أيّ منها إلى أنقرة، الموقف من الأكراد، وجماعة غولِن – عامل توتّر إضافي. كذلك، جاءت قضية «بنك خلف» الرسمي التركي، ورفْض المحكمة الأميركية دفوعات المحامين، لتلقي بظلالها على أنقرة المتّهمة بالتعامل «غير القانوني» مع إيران في سنوات سابقة، وتهريب العملة الصعبة إليها بالمليارات.
ولا شكّ في أن الرابطة «الأطلسية» بين تركيا والدول الأخرى الأعضاء في الحلف، ستضعف، خصوصاً أن العديد من الدول المشمولة بقرار أردوغان، أعضاء في الحلف. وعلى رغم إعلان الرئيس التركي السفراء العشرة «غير مرغوب فيهم»، لفت سفيرا الدانمارك والنروج إلى أنهما لم يتبلّغا أيّ قرار من وزارة الخارجية التركية. ويتردّد أن أزمة تدور بين أردوغان ووزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، على هذه الخلفية، حيث تحاول وزارة الخارجية إيجاد حلّ يحول دون إبلاغ السفراء القرار، وإبقائهم في البلاد.
الاخبار