كتاب الموقع

اذهب مرفوع الرأس الى دمشق

نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني

بعدما قال سعيد تقي الدين ما قاله عن «الواو الكافرة بين لبنان وسوريا»، ثمة من تحدث عن «عقدة أوديب» بين البلدين (الأم والابن لا الشقيق والشقيقة)، ليس فقط لأن الانقلابات العسكرية كانت تطبخ في مقهى «الهوورس شو» في الحمراء، أو في السفارة الأميركية، في بيروت،

حتى اللحظة ما زال بعض المسؤولين السوريين يستسيغون ذلك النوع من الساسة، أو من الاعلاميين، اللبنانيين الذين يحترفون التبعية، لا عشقاً بسوريا، ولا اقتناعاً بحساسية الدور، وانما بحثاً عن موقع ما في خارطة السلطة. هؤلاء تراهم، بالامتيازات الملكية، في نقاط الحدود، حيث لا انتظار ولا شيء من هذا. الثابت أن لا مكان في عالمنا العربي الا لذاك النوع من البشر.

ثمة لبنانيون ترعرعوا على ازدراء السوريين، كونهم الأرقى كجنس بشري، ودون أن يعلموا شيئاً عن سوريا التي أعطت سبعة أباطرة لروما، والتي انتجت في زمننا  ثلة من أهم الشعراء والأدباء في دنيا العرب.

كثيراً ما رددنا هذا الكلام، سوريا التي قال فيها  المستشرق البلجيكي الأب هنري لامنس، في محاضرة في الاسكندرية عام 1919، «حذار من تمزيق، أو تجزئة، غلالة الوطن. هي قطعة واحدة. لا قطبة، ولا درزة. وأنا  منذ  أن جعلتني العناية الالهية أنكبّ على البحث في هذه المسألة، لم أر سوى سوريا واحدة، سوريا التاريخ، وسوريا الجغرافيا، وسوريا التقاليد، على نحو ما كونها الخالق، وعلى نحو ما فهمها كتّاب العصور القديمة مثل اليوناني سترابونيس والروماني ويلينوس».

المؤرخ الفرنسي جان ـ بيار فيليو قال «سوريا تاريخنا» و»في داخل كل منا جزء من سوريا، ومن مرآة دمشق نستوعب مصير عالمنا». لنتذكر أن فلاديمير بوتين قال «من سوريا ينبثق النظام العالمي الجديد»!!

ندرك تماما ما عانته سوريا من الحرب المصنعة والتي لم يقتصر هدفها على تقويض النظام فحسب، كما كان يعتقد بعض العرب، وقد أنفقوا مئات المليارات في تسويق ثقافة الدم، وثقافة التفرقة، وثقافة الكراهية.

الهدف الاستراتيجي ازالة سوريا من الوجود، حتى أن مرجعية روحية كانت تسرّ في آذان المقربين بأن «وادي النصارى» سيكون من حصة لبنان. لو سقطت سوريا في قبضة السلطان العثماني لتحول لبنان الى ولاية عثمانية.

هؤلاء اللبنانيون الذين يأخذون على النظام في سوريا استخدامه البراميل المتفجرة، وكان يفترض أن يلقي بزجاجات جيفنشي، أو بزجاجات كريستيان ديور، على أولئك البرابرة، هم اياهم الذي قطعوا الرؤوس بالفؤوس ابان الحرب الأهلية، وهم اياهم من نبشوا القبور وعلقوا الهياكل العظمية على الأشجار. هل ثمة من يستطيع أن ينفي هذه الحقيقة؟

حتى اللحظة، لا يتجرأ رئيس الجمهورية، ولا رئيس الحكومة، على زيارة دمشق. الاثنان يعلمان كم بعث دونالد ترامب، والآن جو بايدن، برسائل الى الرئيس بشار الأسد. هو من رفض أي تواصل قبل الانسحاب الكامل من الأرض السورية وقبل أن يباشر اعادة الاعمار.

المعلومات البريطانية (بريطانيا اللصيقة بأميركا) تؤكد أن دمشق ستستقبل، في الأشهر الأولى من العام المقبل، ملوكا وأمراء ورؤساء عربا. معادلات كثيرة، وعلاقات كثيرة، ستتغير، حالما تضع حرب اليمن (الحرب السيزيفية) أوزارها. هذا ليس بالوقت البعيد اذا ما علمنا ما حمله جيك سوليفان، في زيارته الأخيرة للرياض…

هل كان يمكن لعبدالله الثاني أن يطلق سياسة الأبواب المفتوحة، والأجواء المفتوحة، مع سوريا لولا الضوء الأخضر الأميركي؟ وهل يمكن حل مشكلة اليمن دون التفاهم السعودي ـ الايراني بايعاز أميركي؟ لماذا يفترض بلبنان أن يبقى الرهينة في يد من استقبلوا مايك بومبيو (الطنجرة الفارغة بحسب النيويورك تايمز) كما لو أنه المبعوث الالهي لا رجل الشيطان في المنطقة؟

أيها الرئيس نجيب ميقاتي، أبواب قصر اليمامة لن تفتح لك. سوريا الآن هي مركز الاستقطاب الديبلوماسي. اذهب مرفوع الراس الى دمشق. أنت الذي قلت لنا وكنت فيها، «أشعر بأنها مدينتي» !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى