مسعود احمد بيت سعيد | كاتب وباحث عُماني
المواقف الروسية تجاه القضايا العربية تزكيها الحقائق والشواهد الماضية والراهنة . وما الموقف من الحرب الامبريالية – الصهيونية على سورية الا أحدى تلك المواقف الروسية النبيلة والمستمرة منذ زمن الاتحاد السوفيتي السابق إلى وقتنا الحاضر ، ناهيك عن الدعم التاريخي للحقوق العربية في كافه المحافل الدولية . وهي بالطبع محل إستحسان شعبي عام . ولا يمكن لأي مهتم بقضية السيادة والكرامة الوطنية والقومية الا ان يقدرها .تنطلق السياسة الروسية من مبدأ تثبيت قواعد القانون الدولي في العلاقات الدولية واحترام سيادة الدول وعم التدخل في شؤون الغير .وقد ربحت روسيا الاتحادية أخلاقيا وسياسيا وتعززت مكانتها كحليف موثوق . وليس هذا الموضوع : انما كيف نظر بعض أطراف النظام العربي الرسمي إلى تلك الدوله الحليفة والداعمة للحقوق العربية أمرا يثير الريبة . من المعروف بان نتائج الحرب العالمية الثانية و هزيمة النازية وما ترتب عليها من تحولات في الواقع الدولي ، وخروج الاتحاد السوفيتي منتصرا ، ولدت علاقات جديدة وصراع جديد وانقسام عالمي جديد وظهر نظام القطبين الكبيرين الإشتراكي والرسمالي واشتد الصراع على الصعيد العالمي متزامنا مع الصعود الهائل لحركات التحرر الوطني في القارات الثلاثة آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية . كل هذا القاء بظلاله على كل شعوب الارض وبدأ الفرز يتوسع ويأخذ أبعاد ومضامين اجتماعية واقتصادية وسياسيه وأيديولوجية .لم يكن شركاء النصر في الحرب على النازية ينطلقون من منطلقات مشتركة تجاه قضية التحرر والتقدم الإجتماعي كانت بعض الدول الرأسمالية تستثمر الانتصار للحفاظ على مصالحها ووجودها الاستعماري . بينما الاتحاد السوفيتي يرى بأن هزيمة النازية سيفتح الآفاق امام تحرر وانعتاق شعوب العالم من كل أشكال الاستغلال . وان انتصار البروليتاريا وحلفاؤها سيغير وجه التاريخ نحو عالم خال من الاستغلال والاستعباد . لقد نادت على الدوام بحق تقرير المصير لكافة شعوب الارض. كان هذا الحلم يراود كل الشعوب التي ترزح تحت نير الإستعمار المباشر والمستتر على حدا سواء . على الصعيد العربي كانت الثورة البلشفية بقيادة لينين اول من كشف مؤامرة سايكس بيكو ، وهنا اتضح للجماهير العربية بشكل أوضح من ذي قبل طبيعة المستعمرين وافعالهم أو على الاقل هكذا يفترض . بالمقابل يدرك المستعمرين عدم إمكانية إخفاء الاعيبهم ومؤامراتهم إلى الأبد. لذا عملوا جاهدا لدعم وخلق بعض الشرائح الاجتماعية المرتبطة ارتباطا وثيقا بهم وتجد مصلحتها بوجودهم في مواجهة الجماهير التي تسعى للاستقلال السياسي والاقتصادي . هنا تشكل تحالف بين الاستعمار والقوى المحلية ” الإقطاع والبرجوازيه الكمبرادوريه وغيرها ” في مواجهة القوى الثورية ، التي أدركت الترابط العميق بين القوى المحلية العميلة والاستعمار وضرورة اسقاطهما معا .” ان المستعمر يختبئ دائما وراء قوى محلية ” وفي ظل غياب وعي كاف تظهر حروب التحرر الوطني وكأنها حروب أهلية بينما الحقيقة هي بخلاف ذلك . ان أهداف المستعمرين في التحليل الأخير نهب ثروات الشعوب واعاده تصديرها من جديد كسلع الى تلك الأسواق المحلية والتحكم في القرار السياسي والاقتصادي .الأمر الذي يتطلب واجهة محلية ، أفراد وجماعات يتأمرون بمشيئة أسيادهم و يمارسون تضليل داخلي لاستقطاب قطاعات معينة من المجتمع يستندون إليها في توطيد شرعيتهم وأطاله امد بقائهم . من هنا كان الدفاع المستميت عن المصالح والمكاسب شرسا ، قابله موقف حاسم من الوجود الاستعماري في مرحلة الخمسينات والستينات السبعينيات من القرن الماضي . ولما كان ميزان القوى مختل لمصلحة المستعمرين الامبرياليين ناهيك عن الكثير من الاخطاء التي وقعت ولاتزال إلى الآن في الصف الوطني .. فكان لابد من البحث عن قوى دولية .و كان من الطبيعي الإتجاة شرقا نحو الاتحاد السوفيتي الذي شرع في بناء اول تجربة اشتراكية بالاستناد إلى تعاليم الإشتراكية العلمية التي تدعو إلى تحرر الانسان والخلاص من الاضطهاد الطبقي والقومي .لقد احدث موقف الاتحاد السوفيتي حينها من قرار التقسيم الظالم و الخاطئ استياء لدى قطاعا واسعا من الجماهير العربية وقواها التقدمية وقد ساهمت بعض الأحزاب الشيوعية العربية في إعطاء مشروعية لتلك المواقف الخاطئة حيث حصرت جهدها في الدفاع وتبرير تلك المواقف بدلا من تلمس أبعاد و أخطار القرار والمساهمة في توضيحها وتصحيحها ،بالمقابل ربطت بعض القوى التقدميه العربية بين هذا الموقف السياسي الخاطئ وبين الإشتراكية العلمية مما عمق الخلاف واضعف الجبهة الوطنية العريضة المعادية للامبرياليه والصهيونية والرجعية بفصلها عن حليفها التاريخي ..ويبدو تلك المواقف مازالت مستمرة إلى الآن وتسحب نفسها على جملة مواقف مع الأسف الشديد . ركزت القوى اليمينية والرجعية العربية في توجيه السهام للاتحاد السوفيتي لتغطية مواقفها وتبرير تحالفها مع الغرب الإمبريالي مع العلم بأن الامبرياليات الغربية هي من اوجد الكيان الصهيوني ومن تكفل حمايته إلى اليوم وغدا .. نجتر هذا القول المعروف حتى يتضح ما نرمي إليه : ليس من العدل والإنصاف تحميل اي طرف مسؤولية استعاده حقوقنا ولكن من الحكمة والمنطق ان نبني علاقاتنا وفق مصالحنا وان نتخذ المواقف التي تخدم تلك الأهداف . من هنا فإن الغرب الإمبريالي وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية التي تشهر خصومتها بكل الوسائل والأساليب ، لم يعد التعاطي معها بالطريقة السابقة أمر مجديا ” ولم يكن يوما مجديا ” وإذا كان الشيء بالشيء يقاس فإن الموقف الروسي من الأزمة اللبنانية الراهنة يمكن أخذه كمثال : حيث العرض الروسي واضحا ونزيها وينطلق من مصلحة الطرفين ويتسم بمرونة واخلاقية عالية . طبعا نعلم ان الدول ليس جمعيات خيرية لكن العرض في حقيقته يحمل املا كبير لإخراج لبنان من أزمته وقد اشار الأستاذ عمر معربوني في مقاله الرائع بتاريخ ٣_١٠_٢٠٢١ بعنوان ” بين العرض الروسي وحكومة التسول ..ماذا ستختار حكومة الرئيس ميقاتي؟ الى تفاصيل هذا العرض بوضوح تام . وكذلك العرض الصيني والإيراني . بينما الموقف الامريكي والأوروبي ليس بخاف على احد مما يعفيني من التذكير بهما . .فهل يوجد خيارا آخرا غير الإتجاة شرقا ؟