سوريا بعد الزلزال المُدمِّر، مساعدات إنسانية ومحاولات لكسر الحصار السياسي والاقتصادي، وكأن الفيتو الأميركي ومعه “قانون قيصر” تحطّم، والزيارات الدبلوماسية شبكة أوصالها مُقدّمة لانفتاحٍ عربي متواصل على دمشق، وجميع العواصم تتسارع لعودة العلاقات مع سورية.
انفتاحٌ عربيٌ إنساني تجاه سوريا بعد الزلزال، مساعداتٌ وفِرَق إنقاذٍ حطّت في مطاري دمشق وحلب، سوريا ثمّنت هذه الخطوات، والرئيس “الأسد” يقدِّم الشكر للأشقاء العرب والأصدقاء، “لمُساعداتهم العينيّة والميدانيّة الأثرُ الكبير في تعزيز قُدراتنا لمواجهة الظروف الصعبة في الساعات الحرِجَة وأخُصُّ بالذِكر فِرَق الإنقاذ من مختلف الدول التي شاركت بفعاليّة وبقيت تعمل حتى آخر لحظات الأمل بوجودِ شخصٍ حيٍّ تحت الأنقاض وشاركوا في عمليّات الإنقاذ بتفانٍ وحماس زملاءهم من السوريين، وكانوا إخوةً حقيقيين، لهم نوجّهُ باسمِ كلّ سوريّ تحيّةً وشكراً وامتناناً”، قالها الرئيس الأسد في رسالة رد جميل وعرفان.
تضامن
تضامن عربي واسع، فُتحت قنوات سياسية ودبلوماسية بين عواصم عربية مع “سورية”، ما يؤكّد ذلك الوفود البرلمانية العربية والزيارات المكثّفة لوزراء خارجية الإمارات العربية المتحدة والأردن ولبنان ومصر، والمملكة العربية السعودية المتوقّع أن يزورها وزير خارجيتها الأمير “فيصل بن فرحان” ما يشير إلى إجماعاً عربياً حول ضرورة إنهاء العزلة السورية وفتح الحوار مع دمشق، هي إذا عودة العرب إلى سورية.
رسالة
رسالة عودة العرب إلى سورية كانت واضحة على لسان وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير فيصل بن فرحان عندما قال: “سترون أنّ إجماعاً يتزايدُ ليس بين دول مجلس التعاون الخليجي فحسب بل في العالم العربي، على أنّ الوضع الراهن غير قابلٍ للاستمرار في ظلّ غياب سبيلٍ إلى تحقيق الأهداف القُصوى من أجلِ حلٍّ سياسي”، لذلك ينبغي أن يمرَّ ذلك عبر “حوار مع حكومة دمشق”.
تطبيع العلاقات العربية-الخليجية
يبدو أن الرياض وضعت حدّاً للتردّد في إعادة “تطبيع العلاقات” مع سوريا، الأمر الذي وضع “العقوبات الأميركية (قانون قيصر) على المحك”، فأصاب معدو القرار الأميركي على المستوى الإداري والسياسة الخارجية مقتلا بعد “التطبيع” العربي-الخليجي مع سورية، فتخلخلت دعائم العقوبات وتزعزعت الثقة الأميركية وقراراتها أمام الرأي العام العالمي، وجاء الانفتاح العربي والحديث عن مبادرة عربية جديدة اتجاه سورية قبل القمّة العربية في 19 مايو القادم في السعودية، بمثابة “تمرّد عربي-خليجي على القرار الأميركي” ومؤشر على أن العرب “عادوا إلى سوريا” بعد قطيعة لأكثر من عقد، وأنهم أمام مراجعات سياسية واستراتيجية جديدة، وفق رؤية “القيادي القومي” عضو المجلس الأعلى منفذ عام زحلة والبقاع الأوسط في الحزب السوري القومي الاجتماعي أحمد سيف الدين.
ورأى سيف الدين في حديث لموقع ” #سفير_البقاع “، أن الجامعة العربية ومعها دول مجلس التعاون الخليجي وبعد عقد من القطيعة يعودون إلى “عروبة سورية”، في مؤشر إلى “حكم الحياة في إدارة الحقائق حوارا وصراعا وتضحيات من الحياة يولد التاريخ ومن التاريخ تستمر الحياة، معادلة صعبة ومتناقضة لكنها نظرية التكامل بين كل ما مضى وكل ما هو قادم”.
سورية الأمة والوطن
وقال، تاريخ طويل عمره ٨ آلاف سنة ستنتظرون خلف أسوار سورية، عمر لم يكن يوماً عبئا على سورية ولا العقائد والأديان والأفكار والتراب والتراث والتاريخ صور تقاطعت وتكاملت، فكانت ثقافة البناء مستوحاة من كل موجودات التاريخ، علوم وصناعة وتجارة ورجالا ونساء وأبناء وبنات، كلهم وثبوا وثبة واحدة في الدفاع عن سورية الأم والتاريخ والحضارة، ولو أتيتم ضيوفاً أقارب أو أغراب لهرعت سورية إليكم تستقبلكم بالترحاب، تفتح لكم الأبواب كما هي دائماً كما تفاعلت بصدق وإخلاص مع كل القضايا الكبيرة في بلادنا، كانت مع فلسطين والعراق ولبنان ولم تتأخر يوماً على تقديم كل غال من أجل “الأمة والوطن العربي” بشكل عام حتى مع القضايا العادلة في كل العالم كانت ناصرة لأنها تعتبر “عدالة الشعوب ونصرتها هو واجبها القومي وثوبها الإنساني”، فمن “ساهم في بناء الحضارة وفي بناء سورية لم ولن يتراجع عن حماية سورية والدفاع عنها”، أما ما يسمى بنشر ثقافة الديموقراطية والحرية العشوائية فهي “كذبة غربية غريبة على مجتمعاتنا وأمتنا العربية والقومية”، وهذا ما لمسناه في كل البلاد والكيانات رافضة لافضة لاعتناق هذه الثقافة الحاقدة على كل بلادنا، فكيف تسقط الديمقراطية عندما تهدد مصالحهم او لا تؤمن مصالحهم فاختاروا “عنوان العولمة لإسقاط الهوية والانتماء، مستحضرين مستجلبين عناوين فضفاضة كالحريات والمعتقدات واستحضروا تعديلاً شرعياً وفقهيا للرسالات الدينية”.
سورية القضية والمرتكز
وتابع سيف الدين، سورية قدر العرب وخيارهم، سورية هي الوجهة الصحيحة وقبلة الأحرار وبوصلة الخيار والقرار، ولأنها سورية، بدأت “الحرب الكونية” عليها، أعدت العدة وجمع الجمع، مال وعسكر وأفكار هدامة، كلها تعاظمت وتلاطمت وازدحمت من شرق الأرض وغربها، تحرروا من كل قيم الإنسانية وتحولوا إلى وحوش كاسرة لا عقل ولا أخلاق ولا حتى جاهلية وسطية تحكمها عادات وتقاليد الكفر يحكمها والجهل يسيرها ملحدين يسوقون عرض البلاد وطولها، اجتمعت كلها وتعاظمت رؤياها الحالكة، لكنهم نسو أن سورية هي سورية، سورية الناصرة لأحرار العالم والقضية الفلسطينية بوصلتها والاحرار ولدوا من كنفها، والأبطال أصحاب الزنود السمر ترعرعوا على ترابها، فهي الصخرة الصماء التي لا تلين وتكسرت عليها كل المتآمرين والمؤامرات والمطبعين والخونة، تكسرت على اعتابها جموع المجتمعين من الشتات والاشتات، ذهب الجميع وبقيت سورية بشعبها الصامد المتعاضد وقيادتها الحكيمة، لتتحول كما كانت في سالف الأزمان وإلى أبد الدهر “مقلع الرجال وبوصلة الخيار ومركز القرار”، ولأنها كذلك، الجميع أعاد حساباته وتوازناته تالياً فعل الندامة، وعاد سريعاً إلى الحضن العربي “سورية”، التي شكلت مركز التلاقي والتوافق والحوار والجمع في كل الميادين، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي والعالمي والعربي، فسوريا كانت ولا تزال وبقيت قلب العروبة النابض بالحياة والتاريخ ومهد الحضارات وأربحها، وسفيرة كل ذلك إلى العالم.
اندفاعة عربية ودولية إلى سورية
بدت اندفاعة بعض الدول العربية والإقليمية باتجاه سوريا، والانفتاح عليها تمهيداً لإعادة العلاقات رسمياً إلى ما كانت عليه قبل قطع هذه الدول، تباعاً، علاقاتها مع دمشق قبل نحو 12 عاماً، وكأنّها في سباق مع الزمن، إذ لا تكاد دولة ما تقرع أبواب دمشق حتى تعلن دولة أخرى فتح أبوابها أمام المسؤولين السّوريين، وتستقبلهم بحفاوة على أعلى المستويات.
أضاف سيف الدين، الإندفاعة العربية اتجاه سورية “كرّت مثل حبّات السبحة بعد الزلزال الذي ضرب مناطق واسعة في تركيا وسورية معاً، في 6 شباط الماضي. فلم يكد مسؤول عربي أو إقليمي يغادر مطار دمشق حتى كانت تحطّ فيه طائرة مسؤول آخر، بعضهم وطأت قدميه أرض سوريا للمرّة الأولى منذ أكثر من 10 سنوات”، وإذا كانت هذه الإندفاعة حاول البعض إدراجها تحت شعار إنساني فقط، فإنّ “السّياسة كانت حاضرة في جميع تفاصيل هذه الزّيارات العربية والخليجية والإسلامية والإقليمية والدولية إلى سورية”.
سقوط أحجار الدومينو
في موازاة ذلك، كانت عواصم عربية وإقليمية ودولية تفتح أبوابها أمام المسؤولين السّوريين خلال الفترة الزّمنية القصيرة التي أعقبت الزلزال، فمن زيارة رسمية قام بها الرئيس السّوري الدكتور بشّار الأسد إلى سلطنة عمان، إلى زيارة أخرى قام بها إلى روسيا، وصولاً إلى زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة، التي سمع فيها من الرئيس الإماراتي محمد بن زايد كلاماً واضحاً عن زيارت “غياب سوريا عن أشقائها قد طال، وأنّه حان الوقت إلى عودتها إليهم وإلى محيطها العربي”، في إشارة إلى أنّ “عودة العرب إلى سورية”، وضمناً “عودة الجامعة العربية إلى دمشق”.
الأمر الذي ترافق ذلك مع عن قرب إستئناف السّعودية علاقاتها مع سورية بعد زيارة سيقوم بها وزير خارجية المملكة إلى دمشق بعد عيد الفطر، ليعطي إشارة إلى أنّ هذه “الإندفاعة العربية تجاه سورية ستجعل مقاطعة دول عربية وإقليمية ودولية تتساقط مثل أحجار الدومينو”.
الوضع الإقليمي
الإنفتاح العربي على سورية، و”سقوط الحلف الصهيو-أمريكي” على سورية، وفتح سفارة الإمارات العربية المتحدة في سورية والزيارات المتبادلة ضمناً، والانفتاح المصري وزيارات وزراء الخارجية العربية المتبادلة برضى سعودي، واقتراب فتح سفارة المملكة في سورية، والتي أسست “لعودة العلاقة بين البلدين”، مع قرب عقد القمة العربية فى 19 مايو القادم في المملكة العربية السعودية، والمتوقع أن تدعى سوريا اليها كعضو مؤسس، ما يدلل على عودة العرب إلى سورية.
أفول الصهيونية
في تحليل موضوعي للتاريخ يقول: “أن الزمن الصهيوني في أرضنا إلى أفول، فالتظاهرات والاحتجاجات بالآلاف تؤسس لمرحلة الانقسام والتشتت، ومخاطر المرحلة القادمة وجودية”، لتؤكد أنه “ولى زمن الانهزام العربي والمستقبل هو في الخيارات الوطنية والقومية والاسلامية”.
الإتفاق السعودي-الإيراني-اليمني-الصيني
ولد الإتفاق السعودي-الإيراني-اليمني على قاعدة “تصغير الخلافات وتبريد حرب اليمين”، والذي عكس على الجميع مصلحة كبيرة، بإنهاء الحرب العبثية، كونها جرم يستنفذ مقدرات السعودية ويهدد نفطها عبر اتفاق سياسي شامل يكون لإيران فيه تدخل إيجابي مع الحوثيين في اليمن.
الأمر نفسه ينسحب على عقد مصالحة تركية-سورية، فالتركي لا يريد خروجه العسكري من الشمال السوري بدافع، بل “يريد خروج بلا أثمان إضافية”.
الأزمة النقدية وتراجع الدولار
تشير الأزمة النقدية الحاصلة للبنوك الأمريكة مؤخراً، إلى “فوضى إقتصادية قادمة”، خاصة مع الحديث عن اقتراب التوافق في الإقليم بين قوى اقتصادية عالمية صاعدة، على اعتماد “العملة الوطنية” في التبادلات التجارية بدلاً من الدولار، وسط إنطلاقة قوية ل”شراكة إقتصادية كبيرة بين الصين والسعودية وشراكة اقتصادية مماثلة بين الصين وايران”، وبالتالي المصلحة الإقتصادية-الإقليمية والدولية تقاطعت في رعاية الصين للاتفاق.
في الخلاصة لكل ما تقدم، أننا أمام “ولادة نظام عالمي جديد” سينعكس إيجاباً على قوى “الممانعة” في منطقتنا، فاحة بعد الإشكاليات القائمة، ختم القيادي القومي عضو المجلس الأعلى أحمد سيف الدين.