فؤاد البطاينة* | كاتب وباحث اردني .
لماذا هذه الاتفاقية بهذه المواصفات فضيحة العصر؟.. وهل تكفي ليفهم الاردنيون بأن أزمتهم وجودية على خلفية وطن محتل؟
إن إطلاق مصطلح “اتفاقية تعاون دفاعي” على ما أقرّه مجلس الوزراء الأردني بتاريخ 17 \ 2 \ 2021 وصدرت به الارادة الملكية، هي تسمية كاذبه تموه بها أمريكا على العالم والأمم المتحدة. فطبيعة بنودها لا يمكن أن تحصل بين دولتين إحداهما ليست مستعمرة للأخرى. إنها إجراءات أمريكية أحادية على التراب الأردني من دولة مُستعمِرة. وما قلنا يوما إلا أن هذه الدولة صُممت وهمية ووديعة وهذا تاريخ. فليس في الأردن نظام غير النظام الأمريكي وما نعتقده من نظام أردني فلا يتعدى الرديف على الوديعة، وفاعلية أركانه فاعلية الموظفين لخدمة المستعمِر. وليس في مفهوم قانون النظام الأمريكي شعب في هذه الدولة. فكل من يُقيم على أرضها بعرفه لاجئون مقيمون لأجل بما فيه أهلها مهما تمنطقوا بالأسماء والألقاب.
بتفعيل بنود هذه الفضيحة السياسية يدخل الأردنيون مرحلة مواجهة الحقيقة والمصير، إنها مرحلة تفعيل الخطر الوجودي المباشر عليهم والذي كان يلاحقهم بينما هم يلاحقون ما يُرمى أمامهم. فالجديد فيها خطير، إنه انتقال الظهور الأمريكي الإستعماري غير المرئي في الأردن الى الظهور العلني والممارسة العلنية. فهذا الإنتقال بمخاطره وعدم حاجة الأردن له لم يأت لحساب أمريكا أيضاً طالما أن كل تراب الأردن تحت استخدامها ساعة تشاء وكيفما تشاء، ولا تفسير أو تبرير لحاجتها في امتلاك مناطق حصرية ومغلقة، ولا معقولية في الدخول السائب المفتوح لأراضي الدولة دون التأكد من هوية الداخلين، ولا الإفصاح عن بنود الاتفاقية على غرابتها بما فيه حمل السلاح جاء معزولا عن تأمين سلامة الهدف، ولا ولا ولا كانت تلك الاتفاقية إلّا لعبور “إسرائيل ” للأردن ولمصلحتها. وهذا بالمناسبة ما حدث في كل تواجد عسكري أمريكي في الأقطار العربية، ولكنه في الأردن أمرٌ ً مختلف جداً. إنها صفقة القرن التي دخلت الأردن حاملة على ظهرها وعد بلفور. وباستطاعتنا القول بأن خمسة عشر عاماً المنصوص عليها بالاتفاقية هي الفترة التي يتطلبها استكمال الغزو “الإسرائيلي واليهودي ” للأردن في سياق هذا الوعد تحت العباءة الأمريكية، تماماً كما ابتدأ الأمر في فلسطين تحت العباءة البريطانية.
نحن الأردنيين وكل صاحب عقل أو منطق لا يستطيع افتراض أدنى حاجة لنا لما جاء بهذه الاتفاقية الفضيحة. فلسنا في حرب عالمية ولا أمام غزو خارجي، وليس من خطر على النظام ولا نوايا لجهة ما للإنقلاب عليه، ولا نواجه أي عدو خارجي غير كيان الاحتلال وأطماعه بمخططه. والأهم الفاضح للحقيقة أن حجة مواجهة الارهاب في الاتفاقية كهدف لها ساقطة، حيث أننا لم نُقدم على مثل هذه الاتفاقية حين كانت داعش مسيطرة على مناطق واسعة ومجاورة لنا في العراق وسوريا. ولذلك، ألسنا بهذه الاتفاقية أمام خطر إقامة مستوطنات صهيونية مسلحة على أرضنا بغطاء وحماية أمريكا، وأمام استقبال ناعم لحشود نوعية من اليهود تمسك بزمام رقبة الأردن أرضا وشعباً وأمام استملاك اراض ومشاريع ونفوذ، وأمام هيكلة جديدة في قيادات الجيش والأمن. إننا أشبه ما نكون أمام باكورة إجراءات تسليم القيادة العدو لعهدة الوطن.
قيادة النظام لا تلام في غبنها للأردنيين ولا للفلسطينيين من قبلهم فهذا قرارها وسند تمليكها علينا في دولة، فالأمور كلها كانت وما زالت واضحة لنا بالتوثيق والممارسة. إنه نكرانٌ عندها وليس بإمكانها غير ذلك، يقابله حالة انكار عند الأردنيين تحت ضغوطات حرصهم على أمنهم الواهم وغذائهم الشخصيين وعلى فرديتهم وغرائزهم وقتل النظام لهويتهم الوطنية الاردنية الجامعة، الى أن وصلنا للمملكة الرابعة والأخيرة التي افصحت عن الأولى ونفّذت مهمتها. فاليوم إن كنا واعين على حمولة الاتفاقية تصبح كل همومنا الحاضرة وما نهتف من أجله وراءنا بالكامل. فأزمتنا أزمة وطن مُدعى به ويُحتل. ولا مجال إطلاقاً أمام أحرار الأردن لأية أجندة تعلو أو تسبق أجندة مواجهة انكشاف الحقيقة التي ما فتئت تختبئ وراء كل ما يجري من جنون الفساد والإنحطاط السياسي والاقتصادي والإداري والخلقي في دولة تُصنف حليفة لأمريكا والعدو الصهيوني. ألم نسأل أنفسنا كيف لمثل هذه الدولة التي قدمت لأمريكا ما تقدمه لها ولاياتها، وقدمت لإسرائيل أهم مقومات إنشائها وحمايتها ان تصبح الدولة الأفقر والأفشل والأهزأ والأحط، ألا نسأل أنفسنا لماذ ينشغل ويُشغلنا النظام وحكومته بتكرار الحديث عن تحديث القوانين الناظمة للحياة السياسية والديمقراطية بالتزامن مع نشر الإتفاقية فضيحة العصر ؟
ولكن، لا أمريكا ولا القيادة الاردنية نجحوا بحهدهم فيما وصلنا اليه من انحطاط، بل نحن فشلنا في الإعتراف بالحقيقة وبمواجهتها وفشلنا بفبول استحمارنا ولا نعرف في هذا من يستحمر من عندما نصت ديباجة الاتفاقية بأنها ترتكز على احترام سيادة البلدين. والأهم أننا فشلنا حين اعتدنا على استمراء العبودية. فالشعوب العربية ونحن الأردنيين بالذات عبوديتنا لصاحب السوط والمال نابعة من عبوديتنا لغرائزنا وفرديتنا وللمتعفن والبالي من ثقافتنا الأبوية. وكما ليس هناك شعب في الأردن بمفهوم قانون النظام، فليس أيضاً بمفهوم شبيهه في فلسطين شعب، وكل عمل احتجاجي أو حراكي أو سياسي يقومون به لا يحسب من عمل الشعوب بل من عمل الإرهابيين والخارجين عن القانون. ولا فرق اليوم أيضا بين الجيش والامن الأردنيين وبين عسكر وأمن السلطة الفلسطينية وكلاهما يعرفان بأنهما في خدمة الإحتلال بالمأجورية وبأن وظيفتهم إخضاع الشعب بالبسطار الأمريكي وناره..
ليست القوة من أخضعتننا أو تخضعنا، وإنما ضعفنا الذي صنعناه بأنفسنا. أمريكا القوة الأكبر في هذا العالم، ولكنها لا تستطيع أن تكون قوة غاشمة بوجه أي دولة أو شعب ولا أن تُخضع دولة قوية وشعب. فالدول الكبرى والصغرى تتعايش على مر التاريخ وتتصادق وتتكامل أحياناً، بينما القوي والضعيف ليسا سوى مُفترس وفريسة. فالبقاء للأقوياء وليس للأقوى فقط. ولا يمكن أن نواجه عدونا قبل مواجهة أنفسنا. فلا حسبة ولا وجود ممكن لحاكم خائن ولا أطماع لعدو بدولة حين يكون فيها شعب، ولن يكون هناك شعب ما لم تسود فيه روح الأمة.
السؤال الكبير هل سيشكل كشف نظام رجال أمريكا لشيء من أوراقه بهذه “الاتفاقية ” جرعة كافية ً لوعي الأردنيين على طبيعة أزمتهم الوجودية وعمقها في وطن مطلوب رأسه، وبأن معاناتهم مقصودة ومتطورة الى أن يُسلموا بأن هذا الوطن ليس لهم ويستسلموا للموت أو للتيه لاجئين؟. إفهموها لن تكونوا آمنين من خوف أو جوع أو تشريد ولن تظفروا بكرامة أو حرية ما لم يكن لكم وطن حر. ولن تشعرو أو تحسوا بالوطن ولا بمصيركم الأسود ما دمتم كما أنتم. وما لم يجمعكم العلم الأردني فستبقى الفردية والجهوية والعشائرية والإقليمية تفرقكم عن أنفسكم وعن الوطن وتمسخكم.. كل أردني وافق أو مرر أو صمت على تمرير الإتفاقية لا يمثل إلا إرادة العدو الصهيوني. ومقاطعة هؤلاء وعزلهم فرض عين، وكل مشروع سياسي أو حراك لا يجعل من أزمة التراب الوطني الأردني محور نضاله فطريقه خاطئة ومُضللة ومستجيبة لملعوب النظام وتصب في الهدف الصهيوني. وللمقال بقية، فلقد انتشرت خلال هذا الأسبوع عدة مشاريع سياسية لم أجد في إحداها تغييراً في تقليديتها التي ألحقت بنا الفشل تلو الأخر وكرست مُضي حلفاء العدو بغييهم.
*ديبلوماسي أردني سابق .