الدكتور اياد المجالي/ باحث في العلاقات الدولية والشؤون الايراني
تبدو قراءة وقائع سيطرة حركة طالبان على مفاصل السلطة والحكم على الجغرافيا الافغانية امرا يتطلب دقة وموضوعية في فهم وادراك الرسائل الرمزية التي اسفرت عن مسار الحركة وما انعكس من تداعيات على الداخل الافغاني والمجتمع الدولي على السواء .
الامر الذي لابد من تسليط الضوء علية في هذا المقام يتمثل في طبيعة وجذور نشأة الحركة على المسرح السياسي الافغاني , والتي من خلالها يحدد ابعاد هذا المتغير , فالحركة منذ صعودها شكلت القوة السياسية والعسكرية المقاتلة بعقيدة مؤدلجة دينيا ومتشددة في تعاطيها مع الاحداث وخاصة مع بدء طاحونة الموت في اعقاب دخول قوات الاتحاد السوفيتي لأفغانستان واعلان الجهاد المقدس ضدهم الى خروجها بشكل كامل عام 1989, فقد شكلت الحركة ومؤيديها حالة من المواجهة كقوة متصدرة للمشهد, بمقاومة جهادية وصراع داخلي انزلقت فيه الحركة بحرب اهلية استمرت من عام 1992 الى ان وقعت اتفاقية بيشاور بين التيارات والاحزاب والقوى الافغانية, والتي اسفرت الى سيطرة الحركة على مدينة كابول وانشاء حكومة افغانية باطار الشريعة الاسلامية عام 1996م.
هذا المشهد وما عقبة من فوضى واحتدام للصراع والاقتتال ظل قائما حتى اكتوبر 2001م وبدء العمليات العسكرية للقوات الامريكية على افغانستان واحتلالها كرد فعل امريكي على تفجيرات برجي التجارة في منهاتن عام 2001م والتي اعلنت مسؤوليتها عنه قيادات تنظيم القاعدة في افغانستان, الحملة العسكرية الامريكية على افغانستان جاءت رد فعل مباشر لمواجهة الفكر الارهابي الذي تمسكت به ايديولوجيا الميلشيات والتنظيمات الدينية على الارض الافغانية, الامر الذي جعل المواجهة المسلحة مع قوات الغزو الامريكي قائمة ضمن استراتيجية الولايات المتحدة في مواجهة التطرف والارهاب عقب التفجيرات في الولايات المتحدة.
في اطار هذا التركيب المعقد لمسار عمليات حركة طالبان ودعمها الموصول لتنظيم القاعدة وحركات الاسلام السياسي ونشاطها العسكري اقليميا ودوليا وبكافة انماط الصراع, فان المتغيرات المتسارعة للأحداث والوقائع على الجغرافيا الافغانية تجعل التقدير والتحليل يفضي الى مؤشرات تعكسها بنية الحركة ونظامها المنوي استحداثه , والتي تؤكد انها غير مؤهلة على البعيد بناء دولة عصرية وصنع قرارات استراتيجية واقامة علاقات دولية متوازنة, رغم الرسائل التي ارسلها قادة الحركة في مؤتمراتهم التي عقدت عقب احكام سيطرتهم على مفاصل البلاد وسلطاتها السياسية والامنية والحدود والمطارات, سواء للداخل الافغاني او للأطراف الاقليمية ودول الجوار, فهي بلا شك رسائل مرتبكة وغير واضحة رغم ما تضمنت من تطمين للجميع بان الحركة ستبحث في كل القضايا التي من شأنها اعادة السلم والامن للبلاد.
وابرز ما يحاول قادة الحركة اثباته في هذا الوقت بالتحديد هو ان بنية الحركة الفكرية الدينية لن تكون عائقا امام اعادة بناء وتأهيل مؤسسات المجتمع الافغاني ولن تمنع من تعزيز علاقاتها مع المجتمع الدولي وفق تفاهمات لا تتعارض مع تقاليد الافغان ورؤية الامارة الاسلامية الجديدة.
الامر الذي يشير بشكل واضح الى حقيقة ان هناك افغانستان جديد وعلى الجميع نسج تفاهمات مع نظامه السياسي , والتفاعل مع تداعيات واثار البعد الديني الذي يحكم سلوك النظام السياسي الجديد في البلاد, والقفز على كل التعقيدات والتشابك في الملفات القائمة, فالحركة تعمل على فرض مشروعها السياسي منذ عقود استطاعت مؤخرا تحقيقه , تتمسك بقواعد الحكم وفق الاسس الشرعية للعقيدة الاسلامية وباطار أيديولوجي نادر, يحدد به رؤية السلطة القادمة لمستقبل افغانستان وبناء نظام سياسي له مصالح واهداف تظهرها مسارات العمل مع كافة الاطراف.
اذن المؤشر الاكثر وضحا في افغانستان يتمثل في ان تغييرا جذريا وعميقا طرأ على طريقة الحكم في افغانستان, عقب وصول الحركة بعد عقود من الصراع , فالنتائج التي أصلت الى عملية التحليل للأحداث المتسارعة, واخضاع البلاد لسيطرت الحركة بقوة السلاح, واعلان النصر على الحكومة الافغانية وقوات الناتو والولايات المتحدة وقواتها العسكرية, ليأتي اعلان
الحركة عن اسفها عن كل الممارسات التي تمثلت بعملياتها العسكرية وما تبعها من اضرار وتهديد الامن الافغاني بهذه الحرب.
ولأنني بهذه المعالجة ابحث في ابعاد هذا التغيير وبالتحديد في جوانب الحركة السياسية والعسكرية ودعمها القبلي الاثني من قبل قبيلة الباشتون, الذي يشكل اهم مرتكزات الحركة في افغانستان , ومدى تأثير الاقليات الذين يشعرون بالتوجس من المستقبل, اذا قدر عدد قبيلة الباشتون 45% من اجمالي عدد السكان البالغ 40 مليون نسمة, هذا بالإضافة الى الاقليات مثل الطاجيك والهزارة والاوزبك والتركمان والبلوش الموزعة على جغرافيا الامر الذي يعزز من هوياتها الاثنية ويؤكد نزعتها الانفصالية التي تتركز في البعد الجغرافي, مع وجود سطوة الباشتون الاغلبية الساحقة على الجغرافيا الافغانية, وسيطرتها على الجنوب والشمال الشرقي بشكل يجعل لتواصلها (الجيو – اثني) اثر كبير في مآلات الاحداث والمتغير الجديد على الجغرافيا الافغانية, خاصة وان المجتمع الافغاني تحكمة شبكة من العادات والتقاليد القبلية التي تعززها نسبة القبيلة ومساحة الارض التي تعيش فيها.