الدكتورة ميادة رزوق | باحثة واكاديمية سورية
الرئيس بشار الأسد قائد عربي استثناء استمد قوته وثقته وثباته من قاعدته الشعبية، التي أعطته الشرعية ليكون ربان سفينتها لولاية دستورية رئاسية رابعة، رغم ما جندته الآلة الإعلامية الغربية والعربية المتصهينة من ميديا سوداء لشيطنته، وكل هؤلاء الذين تعاونوا وتكالبوا على هذه الصيدة (والمقصود هنا سورية) بمئات مليارات الدولارات على حد قول رئيس وزراء قطر السابق في ضخ ودعم واحتضان الجماعات الإرهابية التكفيرية المسلحة، فإذا بهذه الصيدة تفلت، وهم يعانون الانقسام والتشرذم والاقتتال مقابل حلف محور مقاومة متماسك متطور بعلاقاته، تزداد قوته وتتنامى امكانياته وقدراته، فيتكامل خطاب القسم الدستوري للسيد الرئيس بشار الأسد لولاية رئاسية جديدة مع شعار “القدس أقرب”، ومعادلة “القدس تعني حرباً إقليمية”.
فمن بعد الطوفان البشري ومليونيات الحشود الشعبية التي نزلت إلى الساحات داخل وخارج سورية تأييداً لانتخاب الرئيس بشار الأسد لولاية دستورية جديدة أقلقت الدول الإمبريالية وأدواتها الإقليمية والأعرابية التي تآمرت لإسقاط وتفتيت الدولة السورية إلى كيانات وظيفية تابعة يدور كل منها في فلك أحد الدول الإمبريالية الكبرى، تلاها خطاب القسم ليشكل زلزالا قضَّ مضاجعهم، علماً أن كل استحقاق انتخابي خاضه الشعب السوري كانت بمثابة مسمار يُدّق في نعش مشروع أطلسي صهيوني هدفه تدمير وتمزيق سورية وانهاك مؤسساتها وخلق فراغ كبير نحو الفوضى.
هو خطاب أكد بمضامينه وظهّر من بعد تفاصيل العشرية السوداء التي مرت بها المنطقة، أنه طبيب عيون ذو رؤية استراتيجية، قرأ التاريخ بدقة بعين الباحث الاستقصائي، والواقع بتأنٍ، فربط بين وقائع مرحلة مضت باستخلاص العبر منها، وربطها بالمرحلة الحالية، وصولاً إلى المستقبل، فأدرك موقع سورية المحوري في الصراع القائم وتأثيراته على محيطه، فحسم خياراته وعقد تحالفاته الإقليمية والدولية، ورسم استراتيجية السياسة السورية الداخلية والخارجية، وأظهر سورية القوية والواثقة بالنصر.
كان خطاباً شفافاً شاملاً، برع الرئيس بشار الأسد بالانتقال فيه من نقطة إلى أخرى بتدرج وانسياب منطقي بشكل متكامل ومترابط، تضمن مايلي بتلخيص مكثف:
- تشريح السلبيات وأسباب المشكلة ونوافذ الضعف التي أدت إلى التوغل والوصول بالحرب إلى حد معين، وإمكانية الاختراق من قبل الأعداء والمتربصين، وبشكل أساسي وفقاً لمفهوم منظومة القيم والأخلاق.
- تصويب مجموعة من المفاهيم والمصطلحات التضليلية التي روّج لها الإعلام المعادي ودأبت الميديا السوداء في تكريسها لتشويه الرأي العام العالمي والعربي، وللهزيمة من الداخل، فتبناها ضعاف النفوس من ساسة المنطقة، وبشكل أساسي مفهوم “الحرية” التي تغنى بها افرادا غرر المستعمر بهم، والتي لايمكن أن نجدها عند غربي امتهن أجداده ماضياً “تجارة الرقيق”، ومارس أحفاده حاضرا “التمييز العنصري”، ولا هي عند عثماني دمر أجداده منطقة بأكملها حضاريا وأخلاقيا، فطهروا عرقيا، وميزوا اثنيا، ويحاولون حاضرا تكرار تاريخهم الأسود، بنسخة أكثر سوادا وقبحا بممارساتهم المتجذرة بالإرهاب والديكتاتورية، ولازالوا يمتهنون ويمعنون بتكريسها بهدف التتريك والتغيير الديموغرافي للجغرافية السورية، كما فند معاني الشرف والبطولة والخيانة والعمالة والمعارضة والثورة والإرهاب، والوطنية والوعي الوطني والنأي بالنفس والدستور الذي هو عنوان الوطن وقرار الشعب، ومن ينشد الشرف هو في بناء الوطن لا في هدمه، ولم ينس إعادة تفنيد مفهوم الانتماء والهوية والعروبة – التي تم العمل الدؤوب على تشويهه- بأنها ليست رواية بل مفهوم حضاري إنساني يتسع لجميع مكونات الشعب السوري، وليست مفهوم ضيق يعمل على الغاء الآخر.
- فند مقومات وأسباب الصمود والنصر الداخلية والخارجية، موضحا أننا شعب عريق ذو جذور حضارية موغلة في القدم قدمت الكثير للحضارة الإنسانية، فلايمكن ترويضه ونسف ثقافته ومفاهيمه، وبالتالي “الشعب الذي خاض حرباً ضروسا واستعاد معظم أراضيه بكل تأكيد قادر على بناء اقتصاده في أصعب الظروف، وبنفس الإرادة والتصميم، حيث أننا شعب لايدّجن وعيه، وأن الشعوب العريقة تحيا في الواقع الحي، لا في الواقع الافتراضي، ولا تسقط في فخ الاستسلام المجاني”، بالإضافة إلى الدور الروسي الإيراني في مسار الحرب وتحرير الأراضي، والدور الروسي الصيني في تغيير وجهة المسار الدولي انطلاقا من الدفاع عن القانون والشرعية الدوليين.
- استمرار مكافحة الفساد بوتيرة أعلى ومنها تحديث القوانين لتواكب الزمن، وأتمتة الخدمات واستخدام خدمة الدفع الإلكتروني لضمان الشفافية وإلغاء التمييز، وتحقيق العدالة، ومنع الهدر والالتفاف على القوانين والحفاظ على المال العام.
- مقومات النهوض بالاقتصاد السوري، وفتح الباب من خلال القوانين والتشريعات الجديدة لعودة العقول والخبرات ورؤوس الأموال، وتحويل الحصار والعقوبات إلى فرصة للاعتماد على الذات وتطوير الآليات والمقدرات والامكانيات ورفع مستوى الأداء بعقل تشاركي بين القطاع العام والقطاع الخاص، نحو ديناميكية عالية للخروج من الواقع إلى واقع أكثر قدرة على الصمود والإبداع، وترجمة معاني الصمود والتضحية وتكريسها واقعاً يشهد نهوضا اقتصاديا متوازيا مع العمل على إرادة تحرير كافة الجغرافية السورية.
- رؤية استراتيجية لتكامل وترابط قضايا المنطقة، واسقاط رهانات الحرب والتطبيع رغم الفوضى والفتن التي تعتري دول الطوق، ببقاء سورية قلب العروبة النابض الذي لم يضيع البوصلة، ولم يفقد السمت، فبقي الجولان جوهر الصراع مع العدو الصهيوني نحو حتمية استعادته، وبقيت القضية الفلسطينية من ثوابت سورية التي لاتتغير بتغير الأحداث والظروف.
ولايمكننا تجاهل زيارة وزير الخارجية الصيني تزامنا مع الخطاب والمشاركة بحضوره برمزيةٍ ورسائلٍ مفادها بدء تثمير الاتفاقيات والعلاقات الاستراتيجية الصينية، لتكون سورية أحد منصات الصين لإعلان الخروج من سياسة الحذر نحو الانخراط والمواجهة من بعد منصة مواجهة الأساطيل الأطلسية في بحر الصين الجنوبي، ومنصة خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ في ذكرى مئوية الحزب الشيوعي الصيني، ربطا بتحالفاتها المعلنة مع إيران وروسيا ومشروع الحزام والطريق.
وأخيراً أوضح خطاب القسم بين ثناياه نهوض الفينيق السوري رغم الإرهاب والتدمير ونهب الثروات، للعمل نحو مستقبل أفضل، بثقة لامتناهية بالنصر في حرب اقتصادية لاتزال في ذروتها، مع استمرار زخم دعم المقاومة، لنشهد تطورات في المشهد القادم رغم الفتن التي حلت بدول الطوق وإجراءات التطبيع والحصار والعقوبات تثبت موقع سورية الإقليمي في تكريس معادلات توازن العالم الجديد.