علي خيرالله شریف- یصادف يوم الخميس 3 حزيران ذكرى رحيلِ الإمام الخميني؛ الإمام الذي مَلأ الدنيا وشَغَلَ الناس؛ الإمام الذي غيَّر وجهَ المنطقة وهزمَ أعتى دولة استعماراً وتحكُّماً بمصيرِ الشعوب وقرصنةً لثرواتهم. الإمام الذي قال أول انطلاقَتِهِ أنَّ الثورةَ ستنتصرُ بالأجِنَّة الذين في بُطونِ أمهاتهم. هو الإمام الذي هزمَ أعتى امبراطورية فارسية كانت تعملُ لخدمة كِيانَي العُدوان ال ص ه ي و ن ي والأميركي.
بالبصيرة والصبر الاستراتيجي، قطع مسيرتَه الطويلة بكُلِّ تصميمٍ وثبات؛ مِن إيران إلى المنفى في العراق ثم تركيا ثم فرنسا، فكانت إدارة ثورية مُتَنَقِّلَةً، إيرانية صافيةً طاهرةً، لم يختَرِقها مُستَعمِرٌ ولا مُتَطَفِّلٌ ولا مُنتَهِز، إلى أن عادَ مُظَفّراً بنورِهِ، غيرُ عابئٍ بكلِّ مخاطرِ الدنيا، إلى طهران التي استقبلته بأهازيج النصر على أكُفِّ الملايين، وافترشت له الأرض وروداً وعطراً وفخرا. لم يستطع جبابرةُ الأرض ثنيَهُ عن ولائِهِ لإسلامِهِ ولوطنِهِ ولشعبِه، ولم تستطع كل القوى الكبرى الطاغية أن تمتطي ثورته أو يكون لها أدنى النفوذ عليها. لقد رَفَعَ منذ اليوم الأول شِعارَ “لا شرقية ولا غربية ثورة ثورة إسلامية”، وزرعه في عشرات ملايين الشعب الثوري الوفي، الذي كان يستمعُ إليه عبر أشرِطةِ التسجيل الواصلة إلى المساجد، والذي أثبتَ أنه معدن الثورة وحصنها وسياج استقلالها وحامي دولتِها وشموخِها.
هو الإمام الذي حَرَقَ عَلَمَ الكيان اللقيط بالمادة والمفهوم، وحَوَّل سفارتَهُ في طهران إلى سفارة لفلسطين، يرفرفُ فوقها عَلمُها منذ اليوم الأول لانتصار الثورة، وقال عبارتَه الشهيرة؛ “اليومُ إيران وغداً فِلِسطين”، غيرُ عابئٍ بالموازين الدولية ولا باللوبيات الـمُتغلغلة ولا بالبروباغندا الغربية الـمُسيطرة، ولا بالحصار ولا بالعقوبات ولا بالحروب التي أرهقوا بلاده بها دون أن يتمَكَّنوا من جَعلِها تنحني.
هو الإمامُ الذي أعلن يومَ الجمُعة الأخير من شهرِ رمضان “يوماً عالمياً للقدس”، وجَعَلَ المشاركةَ فيه واجباً على كُلِّ مُسلمٍ ومُسلمة، فأزهر إعلانُه شقائقَ نعمان وأكاليلَ غار، وأشعَلَ ثوراتٍ وانتفاضاتِ عزٍّ وانتصار. وصار هذا اليوم شجرَةً باسقةً متراميةَ الظِّلال، أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء، تمتَدُّ من أقصى البسيطةِ إلى أقصاها، فَتَمخُرُ جُذورُها عُمقَ الأرضِ، وعُمقَ النفوسِ والشعوب، وعُمقَ الهِمَمِ العالية الـمُتَطَلِّعة إلى يومِ الفتحِ الـمُبين.
هو الإمامُ الـمُتَواضِعُ الزاهد الـمنصَرِفُ عن مباهجِ الدنيا ومَناصِبِها، فمَنَعَ أولادَه وأحفادَه من تَبَوُّءِ أيِّ مَنصِبٍ في الدولة، لتكون الدولة ومناصبُها ووظائفُها للشعب، وليس له ولسلالته كما يفعلُ تجارُ الثورات في بلدانِهِم، ولا كما يفعل أهلُ التوريثِ بِشُعوبِهِم.
هو الإمامُ الـمُجَدِّد لِدِينِ جَدِّهِ، والباعِثُ لنهضةِ اُمَّتِه، والـمُوَجِّهُ لبوصِلَةِ الـمُسلمين بالإتجاهِ الصحيح، حيثُ نَقاءُ العِبادة وسلامةُ السريرة وإشاعةُ الرحمةِ بين الناس، والدعوةُ إلى الوحدةِ ونبذِ البغضاءِ والأحقادِ والتَفرِقَة.
هو الإمامُ الذي صَنَعَ ثورةَ الأنبياء وشَيَّدَ دولةَ الـمُستَضعَفين والمظلومين والـمُضطهدين في الأرضِ، تناصرُهُم وتعادي من يعاديهِم، دولةَ العِلمِ والإبداع والتألُّق، ودولة الإستقلال الحقيقي عن كُلِّ شياطين الكون.
السلامُ عليكَ أيها الإمام، يومَ وُلِدتَ ويومَ غَيَّرتَ وجهَ التاريخ، ويومَ رحلتَ، ويومَ تُبعثُ حيّا.
الخميس 3 حزيران 2021