علي ظافر | كاتب يمني
في جديد الميدان اليمني، وصلت قوات صنعاء إلى نقاط ميدانية متقدمة ومهمة في مسار العمليات البرية، إذ تمكَّنت فجر أمس الخميس من إسقاط أهم الحاميات الاستراتيجية لمدينة مأرب، بتحرير جبهة “المشجح” الاستراتيجية بالكامل و”تباب الحرضة” و”الهلول” و”الخمسين”، وباتت على مسافة كيلومترات قليلة من التحرير الكامل، وفق مصادر قبلية وميدانية مطلعة.
تفرض التطورات الميدانية نفسها سياسياً. ومع استمرار التقدم الميداني لقوات صنعاء بوتيرة متسارعة، ومن عدة مسارات، يرتفع منسوب القلق الأميركي أكثر فأكثر، وكأن المعركة أميركية بالوكالة. ذلك ما أوحت به تصريحات المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيم ليندر كينغ، الأربعاء الفائت، أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكابيتول، إذ أعلن بشكل غير مباشر فشل مهمته في احتواء التقدّم وتجميد العمليات العسكرية باتجاه مأرب، بقوله: “ما لم نوقف القتال في مأرب، فسيؤدي ذلك إلى موجة أكبر من المعارك والاضطرابات… إنَّ هجوم صنعاء أكبر تهديد للسّلام”.
وفي أوّل ردّ يعبّر عن موقف صنعاء، خاطب عضو الوفد الوطني المشارك في مباحثات مسقط عبد الملك العجري المبعوثَ الأميركيَ قائلاً: “إن الجهة التي تدخل السلام من بوابة الحصار لا تريد السلام”، ملمّحاً إلى أن لا تفاوض ولا سلام مع استمرار الحصار سوطاً على رأس الشعب اليمني.
ينسجم الموقف السياسي الصّلب لصنعاء مع الموقف العسكري القوي في اعتبار معركة مأرب معركة سيادية، وليست استثناء من عمليات التحرر الوطني، وأن ما يجري فيها ليس وليد الأشهر الماضية، بل هو معركة ممتدة منذ بداية العدوان، إذ إنَّ المدينة مثلت نقطة انطلاق لعمليات التحالف العدائية باتجاه صنعاء والجوف والبيضاء، وهي تحتضن أبرز غرف عمليات التحالف لرصد الأهداف ورفع الإحداثيات للطيران، كما أنَّها تمثل المعقل الأخير لعناصر “القاعدة” في المحافظات الشمالية.
وفي هذا السّياق، كشفت وزارة الداخلية في صنعاء معلومات خطيرة عن خارطة انتشار “القاعدة” وطبيعة المهام التي أوكلها إليها التحالف، وتبادل الخدمات في ما بينهما بعد أسابيع من معلومات وخرائط رفع جهاز الأمن والمخابرات الستار عنها، إلى درجة أنَّ بعض قيادات “القاعدة” تتبوّأ مواقع قيادية في وزارة الدفاع التابعة لحكومة الرئيس المنتهية ولايته وصلاحياته عبد ربه منصور هادي.
واستناداً إلى هذه المعطيات، ترى صنعاء أن من حقها السيادي مواصلة عمليات التصدي والتحرير لمواجهة ما تراه أخطاراً وتحديات، وترفض على المستوى السياسي والدبلوماسي تجزئة الحلول بخصوص مأرب، على غرار ما حصل في محافظة الحديدة، بتوقيع اتفاق “ستوكهولم” قبل قرابة 3 سنوات، إلا أن نيران المقاتلين الموالين للتحالف السعودي لم تسكت منذ ذلك التاريخ، فضلاً عن نكث التحالف بأبرز بنوده المتعلقة بتسهيل دخول البضائع وسفن النفط إلى ميناء الحديدة، وبالتالي إن فكرة اتفاق خاصّ بمأرب، كما طرح المبعوث الدولي مارتن غريفيث في مباحثات مسقط وقبلها، غير مقبولة.
في المقابل، تتمسّك صنعاء بفكرة أن تكون المدينة ضمن الحل الشامل، بعد رفع الحصار ووقف العدوان بالكامل.
يبدو طرح صنعاء منطقياً، فلو سلَّمنا جدلاً بقبولها حلاً خاصاً بمأرب، فإن التحالف الأميركي السعودي يكون بذلك قد جردها من أبرز نقاط قوتها وقيّد يدها العليا ميدانياً، وهو ما يعد، في تقديرنا، جوهر المهمّة الموكلة حالياً إلى المبعوثين الأممي والأميركي على حد سواء، بل ذلك ما يفسر امتعاضهما وتصريحاتهما التشاؤمية والاتهامية، ونقصد هنا تصريحات غريفيث في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، وتصريحات كينغ أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، مع ما تضمّنته إحاطة الأخير من مغالطات، بمزاعمه “الإفراج عن سفن المشتقات النفطية والسماح لها بالوصول إلى ميناء الحديدة”، وهو ما نفته لنا مصادر في شركة النفط اليمنية، موضحة أنه تم سحب 3 سفن من منطقة الاحتجاز إلى نقطة الانطلاق، بعد أن حالت بحرية التحالف دون وصولها إلى ميناء الحديدة.
أضف إلى ذلك مزاعم كينغ بوصول كمّيات كبيرة من الغذاء، علماً أنّ ما وصل، بحسب مصادر مطلعة، كان “أعلاف دواجن وغذاء للحيوانات” تم دمجها ضمن إجمالي واردات الغذاء لتخفيف الضغط وتضليل الرأي العام المطالِب بضرورة فك الحصار وتسهيل وصول الغذاء والدواء والسلع التجارية والنفط وغيره، مما يعد استحقاقاً طبيعياً يفترض أن يتم تحييده وعدم استخدامه أميركياً وسعودياً وسيلةً للضغط والمساومات.
وانطلاقاً من تشابك الملفات، من المفيد هنا التذكير بأنَّ واشنطن راعية حرب، وليست داعية سلام، وما تصريحات دبلوماسييها سوى ذرّ للرماد في العيون، فبالتزامن مع تصريحات كينغ وحديثه المضلّل عن السلام ورميه الكرة في ملعب صنعاء، تسربت معلومات خطيرة عن وصول ضباط من المارينز الأميركي إلى مطار الغيضة في محافظة المهرة، البوابة الشرقية لليمن، لممارسة مهام استشارية وتدريبية، من دون تحديد هُوية الطائرة التي وصلوا على متنها.
هذه المعلومات تحتاج إلى مقال خاصّ بها، ولكنّنا أوردناها كدليل على عدم جدية واشنطن في الحلّ. ينسحب الأمر نفسه على موقف الرياض التي أرسلت أيضاً خلال اليومين الماضيين المتحدث العسكري باسم التحالف، تركي المالكي، برفقة أجانب، على متن طائرة خاصة إلى محافظة سقطرى، واستقبلهم قائد قوات “الواجب” السعودية العميد نافع بن زابن الحربي.
في خلاصة بسيطة للمعطيات السابقة، يتضح أن واشنطن والرياض لا تتوفر لديهما الإرادة الحقيقية في إحلال السلام، سواء في مأرب أو غيرها، علماً أن طريق السلام واضحة وغير معقّدة، وتتطلب قراراً حقيقياً بوقف كل أشكال الحرب ورفع كل مظاهر الحصار، وذلك وحده كفيل بتوقف رحى المعارك في مأرب وإسكات نيران الحرب في عموم اليمن.
إن الوقت بات يصبّ في مصلحة صنعاء. أما التحالف، فإنه ينزف ويستنزف، وباتت خسائره المادية والميدانية والسياسية تتفاقم يوماً بعد آخر.