هلال عون | كاتب وباحث سوري
استطاعت سورية، الدولة الصغيرة نسبيا بمساحتها وبعدد سكانها، عبر آلاف السنين الصمود في وجه الغزاة، ومن ثم طردهم من الأرض السورية، فلم يستمر الغزو المقدوني ولا السلوقي ولا الروماني ولا العثماني ولا الفرنسي.
هذه المقدمة القصيرة جاءت من وحي خبر طازج، يتعلق بسحب أمريكا 270 آلية من شرق الفرات باتجاه الأراضي العراقية ليل السبت وصباح يوم أمس الأحد.
والسؤال: هل يمكن القول إن هذا مؤشر على أن الانسحاب الأمريكي من سورية قد بدأ عملياً، خاصة أن القافلة التي خرجت من قاعدة عسكرية للاحتلال الأمريكي في مطار “خراب الجير” عبر معبر الوليد باتجاه العراق، تضم رتلاً مؤلفاً من 150 شاحنة براد (هي غالبا محملة بالذخائر)، ومن 120 ناقلة مسطّحة مغطاة تحمل دبابات ” ؟.
أعتقد أن الجواب، هو: نعم .
وهناك مؤشر ميداني آخر يعزّز هذا الرأي، وهو أن قوات الاحتلال الأمريكي، أخرجت، بتاريخ 25 / 10 / 2021 ، أي قبل أقل من أسبوعين رتلاً عسكرياً آخر مؤلفا من 79 آلية، أغلبها مدرعات عسكرية.
أما المؤشرات السياسية التي تدعم الاعتقاد بأن الانسحاب الأمريكي من سورية قد بدأ عملياً، فهي كثيرة، ومن أهمها :
نشر مضمون مسودة أُطلق عليها اسم “وثيقة وطنية كشف عنها رئيس المبادرة الوطنية للأكراد السوريين عمر أوسي حيث قال أوسي: “توصلنا مع بعض الشخصيات الوطنية من أكراد وعرب وبعض المثقفين ومن الإخوة المسيحيين ومن وجهاء وأعيان وآشوريين ووجهاء ورؤساء عشائر من كل مكونات المجتمع في الجزيرة إلى مسودة وثيقة وطنية لحل الخلافات والتنسيق المشترك لصد أي عدوان تركي، يسعى إليه النظام التركي بهدف تصدير مشاكله الداخلية”.
و اعتبرت الوثيقة أن القضية الكردية قضية وطنية سورية بامتياز، وحلها في دمشق وليس في أي عاصمة أخرى.. كما تضمن أحد بنود مسودة الوثيقة: “تم العمل على بدء حوار جدي وفوري ووطني سوري”.
أيضاً توجّه حشود من الجيش السوري، قبل بضعة أيام، من مدينة الطبقة في محافظة الرقة إلى مدينة عين عيسى والمناطق الشمالية المحاذية لتمركز قوات الاحتلال التركي، بهدف منع قوات نظام أردوغان الإخواني من احتلالها.
وأما ضعف موقف ميليشيا قسد فهو بالتأكيد ناتج عن أن الأمريكي اخبرها بنيّته الخروج من الأراضي السورية، كما أنه ناتج عن تحشيد أردوغان قواته لاحتلال مدينة عين عيسى والمناطق الأخرى في الشمال السوري.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار، بالإضافة إلى ما سبق، اقتراب موعد انسحاب معظم القوات الأمريكية من العراق في نهاية العام، الذي سيؤدي إلى انكشاف قواتها في سورية، وفقدانها للدعم اللوجستي، وللعمق الجغرافي الأمني، الأمر الذي سيجعلها محاصرة في بقعة جغرافية، وهدفاً سهلاً للمقاومة الشعبية السورية التي نشطت مؤخراً بالتعاون مع قوى المقاومة الشعبية الحليفة عبر الطائرات المسيرة التي دكت خمس منها قبل أيام، إحدى أكبر القواعد الأمريكية في مدينة دير الزور.
إذا أخذنا كل ما سبق بالاعتبار فإننا نستنتج أن سحب ال 270 آلية من الأراضي السورية قبل يومين يأتي ضمن خطة، بدأ تنفيذها تقضي بسحب قواتها بشكل نهائي من سورية.