تحسين الحلبي | باحث فلسطيني مختص بالشؤون الإسرائيلية
حين تجد إسرائيل نفسها عاجزة عن شن حروب مباشرة بقواتها من الخارج أو تدرك أنها ستكلفها ثمناً باهظاً وهزيمة محتملة تلجأ كعادتها إلى خيار شن الفتن في ساحة أعدائها، فتحرك كل ما يتوافر لديها من وكلاء أو أوراق وتتحرك داخل ما يتولد من توتر وتصاعد في الأزمات لإشعال فتيل حرب أو صدام عسكري داخلي، وهذا ما فعلته في أكثر من مناسبة في المنطقة منذ استغلالها للتوتر المتفاقم الذي شهده لبنان عشية عملية تفجير موكب رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في شباط 2005، فقد انتهزت تلك الفرصة ووجدت في استهداف الحريري بتلك الطريقة فرصة لإشعال فتيل الحرب الداخلية وروجت مع أتباعها في المنطقة والعالم لاتهام سورية وحزب اللـه بالمسؤولية عما جرى إلى أن أطفأت سورية وحزب اللـه والقوى الوطنية والشعبية اللبنانية ذلك الفتيل وأحبطوا بجهودهم مؤامرة الحرب الداخلية، وحين وجدت إسرائيل أن فتنتها في لبنان والمنطقة تم إحباطها قررت بعد سنة بالتنسيق مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة شن حرب مباشرة من الخارج على لبنان في تموز 2006 لتحقيق أهدافها في لبنان وفي النهاية هزمت المقاومة اللبنانية الجيش الإسرائيلي بعد حرب غير مسبوقة دامت 34 يوماً وازدادت بعد ذلك قوة المقاومة المنتصرة وقدرة ردعها إلى حد دفع إسرائيل إلى عدم تكرار تجربة الحرب من الخارج حتى وقتنا الراهن.
ولذلك يبدو أن إسرائيل أخذت تركز الآن على الظروف التي يمر بها لبنان بعد اشتداد أزماته الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة التي ولدتها ضغوط وحصار خصومه وأعدائه لاستغلالها من جديد وقد تلجأ إلى إعداد فتيل يفجر الأوضاع عن طريق تنفيذ عملية أو عمليات سرية ضد أهداف تختارها بدقة لكي تشعل فتيل فتنة أو حرب داخلية تحقق غاياتها.
وليس من المبالغة الاستنتاج أن جميع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تنشغل الآن بمتابعة كل ما يجري في لبنان وخاصة بعد الحملة السعودية على المقاومة اللبنانية لاختيار التوقيت الدقيق لأي عمل داخل لبنان يؤدي إلى تفجير الوضع بعد أن نجح حزب اللـه والقوى الوطنية اللبنانية بدحر مؤامرة الطيونة وتعطيل فتيلها بشكل دقيق.
أصبح الجميع يعرف بعد الكشف عن أرشيف الحروب أن الحروب التي شنتها إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة أو هددت بشنها بشكل علني كانت الأسباب والحجج التي عرضت لتبريرها ملفقة ولم تصمد أمام الحقيقة منذ البداية ومنها حرب حزيران 1967 وحرب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وغزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، ولذلك لا أحد يستغرب من أن يتعرض لبنان لأشكال من العدوان والحروب لأسباب ملفقة وحجج لا علاقة له أو لشعبه ومقاومته بأي صلة بها، فإسرائيل الغاصبة لفلسطين والجولان العربي السوري والغائصة عميقاً في أزماتها وفزعها من المقاومة اللبنانية ومحور المقاومة، هي والولايات المتحدة على استعداد لتلفيق ما لا يصدق لترويج الاتهامات للمقاومة اللبنانية وإعداد أي شكل من أشكال النزاع المسلح الداخلي وتغذيته بكل ما يتطلب بهدف ضرب الاستقرار فيه وإضعاف المقاومة وإشغالها بطريقة تؤثر في الجوار وكل المنطقة، وهذا ما تدركه قيادة المقاومة وتعد نفسها بالمقابل لإحباط أي فرصة من هذا القبيل بعد أن أحبطت فتنة الطيونة.
يبدو أن الجميع الآن بانتظار ما سوف يحمله خطاب سماحة السيد حسن نصر اللـه لتعزيز قدرة لبنان على الصمود وهزيمة كل ما تخطط له إسرائيل والولايات المتحدة ضد لبنان حيث لا يمكن فصل دور مقاومته وقواه الوطنية عن الشعب ومعظم قواه السياسية والحزبية واصطفافها إلى جانبه في هذه الظروف الداخلية القاسية والحساسة، ولا شك أن الأيام القليلة والأسابيع المقبلة على لبنان والمنطقة تكتسب أهمية ليس على جدول عمل لبنان وحده بل على كل أطراف محور المقاومة ودول المنطقة.
لن يسمح أحد بأن يعمل الزمن وظروفه الصعبة لمصلحة إسرائيل التي تتربص بلبنان وتعد الفتن والمؤامرات له ولمقاومته ومستقبله المستقل.