ابراهيم الأمين| رئيس تحرير صحيفة الأخبار
«هل يمكن اليوم محاصرة حزب الله عسكرياً فقط؟ بالطبع لا. ولكن هل يجب محاصرته عسكرياً؟ نعم. السؤال التالي: هل يمكن القيام بذلك من دون التسبب بأضرار جانبية؟ وجوابي هو لا. هذه الأضرار الجانبية ستقع على لبنان وعلى الشيعة. لا بل، خليني اختم، بتعرفوا الحديث الذي يقول: الناس نيام إذا ماتوا استفاقوا؟ أخشى أن الشيعة اليوم بحاجة لنكبة لكي يستفيقوا مما هم فيه».
«علينا الاستنتاج بأن الحفاظ على استقرار لبنان ومحاربة حزب الله هو تناقض لغوي، لأنه لا يمكن محاربة حزب الله من دون المخاطرة بما يسمى الاستقرار في لبنان».
لم يكتفِ لقمان سليم بالدعوة العلنية إلى إبادة جماعية بحق شعبه، بل وجد ضالته في «صديقة شريرة»، وهي ليست في الحقيقة سوى نفسه، ليخرج منها تغريدات مثل:
تعليقاً على غارة اسرائيلية على جبل المانع في سوريا يقول: «ما في مانع!».
وفي تعليقه على خبر ينفي وفاة الرئيس سليم الحص يقول: «ثقيل الظل حياً وميتاً وبين بين».
وفي تعليقه على اغتيال قاسم سليماني يقول :«وَبِئْسَ المَصِير».
وبعد اغتيال العالم الايراني فخري زادة في إيران يقول: «يللي بعدو…».
وعند بدء العمل بـ«قانون قيصر» لمعاقبة الشعب السوري يهلل:
«بِناءً عَلَيْهِ، وَاقَيْصَراه»، أو «هيا بنا قيصر»، او «قَيْصَر، قَيْصَر، أرِني عَجائِبَ قُدْرَتِكَ فيهِم»، أو «الجريمَةُ الأخلاقيَّةُ التي يَدْعُو حِزْبُ الخردة اللبنانيّين واللبنانيّات إلى ارْتِكابِها تَحْتَ عُنْوانِ مُقاوَمَةِ قانون قيصر صِنْوُ الجَريمَةِ الأخْلاقِيَّةِ التي أُنْشِئَ هذا القانونُ لإدانَتِها».
أما عن التطبيع مع العدو، فوجد أن متظاهرين ضد سفارة البحرين في العراق ليسوا إلا «رعاعاً… ومثل الأهالي في لبنان لكن فرع العراق». ليتمنى في مكان آخر «نِفْتَح فرع لـ حركة السَّلام الآن في لبنان؟». قبل ان يدعو الى الاستسلام قائلاً: «لا للتطبيع، نعم للاستسلام بلا قيد أو شرط»… ويضيف ان «الاستسلام، أحياناً، هو الخِيارُ الأخلاقِي بامتِياز».
هذا هو لقمان سليم. هذه هي أخباره، وتعليقاته ومكنونات نفسه. هذا هو «أشجع الشجعان» و«أبرز قادة الرأي في لبنان»، وهذا هو «المدافع عن الحريات وحقوق الانسان»، وهذا هو «الحضاري المتعلم والمثقف والمفكر ايضاً»… قبل ان تتحفنا إحداهن بأنه «نبي نوراني يستحق تطويبه قديساً».
أهذا فعلاً من تنشدون به تغييراً يقود لبنان إلى مصاف الأمم المتقدمة؟ أهذا فعلاً من حضر مندوبو «العالم الحر» لينعوه «صديقا عظيماً»؟
أهذا فعلاً من تحسبونه أيقونتكم؟ أم تحتاجون إلى طبيب محلف يشرح لكم، يا أبناء العلم والفهم، أنه مجرد مريض مجبول بحقد، وتسكنه روح فيها خلطة من سادية ونازية؟
من بين النخب المعارضة بقوة لحزب الله ومحور المقاومة في لبنان، لم أجد في العقد الأخير غير الياس خوري، من ظل ينتقد أنظمة التبعية في الجزيرة العربية وشمال إفريقيا، نافياً عن النظام الغربي فكرة المنقذ. أما البقية، ومن دون استثناء، فهم بما يقولون، شفاهة وكتابة، لا يخفون انتماءهم المباشر إلى المحور الذي تقوده أميركا والسعودية والإمارات (و«إسرائيل»)، وهدفه واضح ومحدّد: «نريد للبنان وسوريا والعراق ومصر وتونس وفلسطين، أن يكونوا ضمن فلك الغرب وربيبته اسرائيل وأتباعهم».
ولأنهم على هذا النحو، وفكرتهم تقتصر على الاستسلام ورفض مبدأ وفكرة وفعل المقاومة، يمكن ادارة نقاش (لا حوار) من نوع مختلف. نقاش قائم على فكرة الخصومة والعداوة بين فكرتين ومشروعين وتوجهين، وبالتالي تصورين: سياسيين واقتصاديين وثقافيين وتربويين واعلاميين، وكذلك بين نمطين للحياة اليومية، وبين منظومتين لإدارة شؤون الناس جميعاً. وهو ما يمثل صلب الصراع اليوم.
نعم، هناك اختلاف صار مكتملاً مع إشهار ابناء هذا الحلف الوحشي علاقتهم العضوية بدول وحكومات وأنظمة تدير عمليات القتل والتآمر على شعوب هذه المنطقة منذ مئة عام، ولم تتوقف. والاشهار، هنا، ليس فعل بطولة كما يعتقد الندّابون، بل هو فعل الواقع الذين لم يعد يحتمل التخفي خلف شعارات الاستهلاك التي تبدأ بـ «الديموقراطية والحرية والرأي الاخر»، وتنتهي بالمواصفات المفترض توفيرها بمن يستحق أن يكون ديموقراطياً وحراً وصاحب رأي.
ولأن الأمر على هذا النحو، يصير مفهوماً أن يرفض هؤلاء انتظار أي نتيجة للتحقيق في أي جريمة تقع. لقد قرروا مسبقاً، واستناداً إلى «رؤيا»، بأن المقاومة وحزبها الأبرز، أي حزب الله، هم من يقف خلف قتل المدنيين في سوريا والعراق واليمن، وهم من فجّروا مرفأ بيروت، وهم من يقتلون «الشجعان من قادة الرأي» في لبنان.
صحيح، أنه يحق لكثيرين من هؤلاء أن يندبوا حظهم لأن «لبنان القديم» انتهى، أو في طريقه إلى الفناء. ويمكن لنا أن نفهم كيف تندب هذا اللبنان عائلات الاقطاع القديم والجديد المنتشرة على طول لبنان. يمكن لنا نفهم غضب وحسرة أركان القطاع الاقتصادي والمالي والتجاري، ومافيا الوكالات الحصرية. وكل ماكينتهم الاعلامية والاعلانية. نفهم الذين يرون بأم العين أن لبنانهم في طريقه إلى الزوال. خصوصاً أولئك الذين يكثرون من الحديث عن «الزمن الجميل». ذلك الزمن الذي ليس فيه مشاهد سوى من كان محظياً في شوارع وجامعات وشركات وملاه تخص فئة محدودة جداً من اللبنانيين. وهؤلاء الذين يحفظون ذاكرة «الزمن الجميل» لا يوردون لنا صورا’ عن الأحياء الداخلية في بيروت وضواحيها، ولا عن مدن وقرى جبل لبنان بشقيه الشمالي والجنوبي، ولا عن دساكر عكار والبقاع والجنوب. لا وجود في كتبهم لصور القرى التي لم تصلها الكهرباء. ولا صور عمال المرفأ المتعبين، بل صور اليخوت تستقبل أثرياء العرب الجدد. هؤلاء الذين يتغنون بالديموقراطية، لا يشيرون إلى الأحزاب المحظورة، ولا إلى الاعتقالات والسجون ومطاردة من يزور دولة اشتراكية. هؤلاء الذين يبكون تراجع حضور القناصل، هم أنفسهم يحجّون اليوم إلى السفارات طلباً للرضى والصدقة، واستجداء للاستعمار والانتداب والاحتلال.
لكن المفارقة ، التي لم تعد مفارقة، هي في حالة فئة وازنة من أيتام اليسار بكل صنوفه، خصوصاً «يسار جورج سوروس» و«نجيب ساويرس»، الذين صاروا يبكون أيضاً لبنان «جبال الصوان» وخرافات الاخوين الرحباني وسعيد عقل. هؤلاء الذين خرجوا من قرى اكلها التعب والجوع والاعياء. لكنهم يقولون لنا الآن إن كل ثورتهم كانت بهدف قبول انتمائهم إلى اللبنان القديم. لقد حان الوقت للقول، صراحة، ان احزاب اليسار نكبت بقيادات بدت أقرب إلى أذيال القيادات الطائفية.
بينما كان اليسار أساساً، يقوم على فكرة نسف هذا النظام العفن، ومحاربة كل أنظمة الرجعية بمعناها الحقيقي والمستمر، تلك التي كان يقول عنها كل ما أظهرته الوقائع أنه صحيح: من تخاذل وتعامل مع أميركا و «إسرائيل»، وتغطية وتمويل كل الجرائم ضد فلسطين، وضد قوى الثورة الحقيقية من أميركا اللاتينية إلى إفريقيا فالعالم العربي، والعمل على ضرب كل يساري في لبنان وسوريا… هل هذا كان فعلاً طفولياً؟ وما الذي يجعل من يعيش «اضطرابا فكرياً» يقف إلى جانب كل هؤلاء المجانين والمجرمين، ويركض خلف فئة يسارية بائسة انطلقت منذ تسعينات القرن الماضي في رحلة جلد الذات؟… رحلة الاعتذار عن كل النضالات والتضحيات… وطلب الغفران من القتلة والمجرمين… وطلب العفو من القناصل وسفارات دول الاحتلال وعملائها… وتلاوة فعل الندامة والتعهد شفاهياً وكتابة بوقف البحث عن تغيير.
ترى، ألا يسأل اليساريون الحقيقيون، الذين لم تنل منهم دعاية الثورة المضادة، وظلوا يركزون على أرباب النظام الطائفي بوجوهه السياسية والاقتصادية، ألا يسألون أنفسهم ما الذي يجعل «يسار سوروس» يتذكر فجأة الواجب المدرسي بحفظ النشيد الوطني واحتراف رسم العلم وتمجيد الأرزة بداخله، وترداد أشعار سعيد عقل… وصولا الى اعتناق افكار شارل مالك وميشال شيحا… ثم الاتيان على ذكرى مفكري اليسار مثل حسين مروة ومهدي عامل كأنهما كانا من الاعضاء السريين في الجبهة اللبنانية؟
أي يسار هذا الذي يرى في مقاومة الاحتلال عبئاً على حياته اليومية؟ أو يخفي عجزه وتخاذله عبر التغني ببطولات من استشهدوا رافعين راية فلسطين، لكنه يفعل ذلك وهو مرتم في احضان التطبيع مع العدو؟… وأي يسار هذا الذي يخشى مقاومة قادرة وفعالة فقط لأنها ليست على ذوقه الأيديولوجي؟.. وأي يسار هذا الذي ينفي عن الآخرين تضحياتهم ونضالاتهم وحتى تفوقهم أيضاً. وأي يسار هذا الذي ينتهي به الأمر على شكل «عتالة» عند المنظمات الدولية وجمعيات «ان جي أوز»؟… وجلّ أحلامهم حفنة من الدولارات الطازجة!
هكذا هي صورة لبنان اليوم. هكذا هي صورة مجموعة في طريقها إلى الانقراض ولو انتحاراً. يرسمون لبنان على شكل تخيلات طفل يحلم ببيت جميل، ليس موجوداً الا في الأحلام. وها هم جميعاً، أهل لبنان القديم، ومعهم المرتدّون من يسار الغرب، يمارسون هواية الانتفاضة بسبب مقتل ناشط لم يكن لديه هاجس سوى البقاء في عصر لبنان القديم. وهو ناشط لا يختلف عن كثيرين من الذين لا يتحملون فكرة اي تغيير أو حتى تعديل في المشهد، خلافاً لما يقررون. ويرقصون من حول جثة ناشط كان يكره كل ما يجري خلف جدران بيته المرتفعة. ولم يكن يطيق ارتقاء «أبناء الحي التحتاني» لا معرفياً ولا ثقافياً ولا حتى ادارة لشؤون الحياة…. ويحتج على تكاثرهم من حوله. وحتى بعد مقتله، تخرج العبارة – المفتاح على لسان اقرباء ينطقون بما كان يفكر به، أباً عن جد، بأن هناك من «يريد القضاء على السكان الأصليين»!
هكذا هي صورة هؤلاء الذين يرتفع صراخهم إلى أعلى من قاماتهم القصيرة يوماً بعد يوم. هؤلاء الذين يعتلون منصات كرتونية ليمارسوا الاستعلاء الثقافي والاجتماعي والمعرفي في وجه جمهور يخالف كل قيمهم. وينعتون هذا الجمهور بأنه متخلف لأنه يسير خلف غيرهم. ينفون عن الآخرين العلم والعقل وحتى التعليم والثقافة والمعرفة. يعتقدون أن الكتاب لم يعد موجوداً سوى في بيوتهم… حتى يخال المرء أن أميين يديرون المستشفيات والشركات ومراكز الخدمات والمدارس والجامعات في كل مكان. أو حتى يجعلون المرء يفكر بأن انتصارات المقاومة ونجاحاتها وقدراتها تحصل بعد تلاوة مسرحية سخيفة عن لبنان العيش المشترك، برعاية رجال دين من أسوأ من عرفهم لبنان!
في حفلة الندب و«التشليف» التي شهدناها الأسبوع الماضي، خرج علينا، نحن جمهور واعلاميي المقاومة ومناصريها، من يهددنا بتحميلنا مسؤولية القتل إن انتقدنا عمالته لمنظومة القتل العالمية والإقليمية. وخرج علينا من يصفنا بالمحرضين على القتل، فقط لأننا نشرنا ما كتبه عنه مشغلوه، وما ورد في جلسات استجداء القتل، في حضرة المجرم الغربي وحليفه العربي. وخرج علينا من يلوّح لنا بعقوبات آتية من خلف البحار إن أشرنا إليه بالاسم والصورة، أو تحدثنا عن خيانته لأبسط القوانين السيادية حتى في لبنانه الزائل… ترى كيف يكون موقفكم لو نشرنا محاضر اجتماعاتكم المليئة بـ «السيادة» خلال السنوات الاخيرة؟
يظن هؤلاء، أن صراخهم يمكنه قلب الحقائق. وأن هذا العويل والنحيب ينقل لبنان من ضفة إلى ضفة، وأن حفلة الجنون والرقص فوق القبور من شأنها ترهيبنا، أو دفعنا إلى الصمت عن أفعاله المشينة.
فقط، من أجل عدم اعتبار «احترام الاحزان» صمتاً على ما يفعلون، أو موافقة على ما قرروه وصفاً نهائياً لقتيلهم، بأنه «أشجع الشجعان»، من المفيد، بعد التذكير ببعض ما كان يفعله، قول الآتي لهم:
إسمعونا جيدا اينما كنتم، وفي أي مكان حللتم:
لن نتوقف عن فضحكم ليل نهار،
لن نتوقف عن الاشارة إليكم إسماً وصورة وصوتاً وقولاً، في كل ما تفعلونه خدمة لعواصم القتل والنهب والاستعمار بكل أشكاله،
لن نتوقف عن كشف كل أعمالكم، ونشر جداول وأرقام تمويلكم الآتي من سفارات القهر والموت،
لن نتوقف عن نشر وثائق مشغليكم وما فيها من جلسات جلد الذات التي تبدعون فيها، وأنتم تترجون القتلة أن يفتكوا بأهلكم من أجل خلاصكم الفردي،
لن نتوقف عن التشهير بكم حيث تعملون، وحيث تخدمون فرقة التحالف الشرير مع «إسرائيل» بقصد تدمير بقية الذات العربية في فلسطين ومحيطها،
ولن نتوقف عن رفع راية المقاومة من فلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق واليمن وقلب الجزيرة العربية، ومن مصر والسودان، إلى كل المغرب العربي… وحتّى سائر أقطار الدنيا!
إنه أوّل الكلام،
أعلى ما في خيلكم اركبوه… ولا سلام!