هلال عون | كاتب واديب سوري
حين لم تجد أيَّ تفاعلٍ مني مع حديثها حول الكشف عن فساد بعض مديري صالات السورية للتجارة .. وعن أنَّه تبيَّن أنَّ لجنة التسعير بوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تضع الأسعار بما يناسب التجار ..
عند ذلك حدّقتْ بي أم صطوف ، وقد “زمَّتْ شفتيها ، وزَمَّكتْ عينيها” ، وقالت وهي تهز برأسها إلى الأعلى والأسفل وتضرب بكفها على ركبتها بحركة متتابعة :
” كل ما فكرتك فهيم بتطلع غشيم .. وكل ما فكرتك ثوري …
قاطعتُها : لا ثورك ولا خروفك .. ثورك أبو صطوف .. !
ابتسمتْ ، وقالتْ : أبو صطوف سَبْعِي ..
ابتسم أبو صطوف و فرَدَ كتفيه ، وعاد بظهره إلى الخلف .
وتابعتْ أم صطوف تخاطبني بجدِّيَّة : أنت لا تعرف الضرر الذي ينتج عن وجود وزير فاسد في الحكومة ..
قلتُ لها : يسرق ويغتني .. ماذا أكثر من ذلك ؟!
قالت : ما بيقهرني غير شهاداتكم وتصنيفكم بالوظيفة ” فئة أولى” .. بس لو أهلي علموني بعد التاسع !
وتابعتْ : بعض فقراء العقل “أمثالك” يظنون أن ضرر الوزير الفاسد يقتصر على سرقة المال العام ..
وهذا خطأ ، لأن الوزير الفاسد سيعيِّن معاونين ومديرين فاسدين على رأس المؤسسات التابعة لوزارته ، مقابل مبالغ معلومة ..
والمديرون الفاسدون بدورهم سيعينون رؤساء دوائر وأقسام فاسدين مقابل مبالغ معلومة.. وهكذا يصبح همُّ الجميع هو استرداد المال الذي دفعوه ، والذي سيدفعونه بشكل دوريٍّ بأي طريقة .
والبعض ممن حرمهم الله عمقَ التفكير ” أمثالك” يظنون أن الضرر يتوقف عند هذا الحد .. أي عند نهب المال العام والإساءة للدولة وللمواطن ، ولكن الحقيقة أن الضرر أكبر من ذلك ، لأن الوزير والمديرين الفاسدين سيعملون بكل طاقتهم لمحاصرة وإبعاد المبدعين والمتميزين والشرفاء الذين يمكن أن يقفوا حجرَ عثرة في طريقهم .
صمتتْ قليلا ثم قالت : أيضا بعتقد بعضُ السطحيين “أمثالك” أن الضرر يقف عند هذا الحد ، ولكن الحقيقة غير ذلك ، إذ إن المبدعين و الشرفاء سيصابون بالإحباط ، وسيقررون الانزواء أو الاستقالة أو السفر خارج البلد ، وهكذا يتم تفريغ البلد شيئا فشيئا من الشرفاء والمبدعين .
وأكملت كلامها بطريقة أستاذيَّةٍ : يظن بعض المستثقفين “أمثالكَ” أن الضررَ يقف عند هذا الحد، لكن الحقيقة أن الضرر أكبر من ذلك ، وهو تشويه القيم الوطنية والإنسانية والأخلاقية لدى الشباب الذين يرون الفاسدَ هو المتسيِّد ، وهو صاحب القرار .. وهو الذي يركب أحدث السيارات الفخمة ، ويلبس أفضل الماركات العالمية ، ويسكن أجمل الفلل والقصور ، ويعلِّم أبناءه في أرقى الجامعات، فيصبح قدوةً لهم ، بينما يرون الشريفَ على هامش الحياة .
قلتُ لها : غريبٌ .. يبدو أنك مهمومةٌ جداً من واقعنا ! .
قالت : وما الغريب في ذلك ؟!
قلتُ لها : يقولون أن الهمَّ مثل العشق يجعل صاحبه نحيلاً جداً ، وأنت – ما شاء الله – تزنين 110 كلغ .
ابتسمتْ ، وقالت : على أساس دمك خفيف .. “الغدة بدها استئصاااال يا فهمان.. لازم يتم استئصال الغدد ” .
فينيكس