كتاب الموقع

أمام اذلال الناس.. فلتُكسر الخطوط الحمراء

ايهاب زكي | كاتب وباحث في الشؤون السياسية

في حديثه بمناسبة العيد الثلاثين لتأسيس قناة “المنار”، اقترب الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله من أكثر خطوط حزب الله الحمراء تجنباً، والتي دأب على تفاديها منذ نشأته. فالحزب منذ نشأته وحتى العام 2005 التزم مساراً مقاوماً بلا ظهير رسمي، حكومي أو برلماني، ولكنه بعد عام 2005 قرر خوض التجربة البرلمانية لظروفٍ ارتآها ملحة، لكنه كان دائماً يقف على مسافة من جميع الأحزاب اللبنانية، بل كان أكثرها أو بالأحرى أوحدها زهداً في المناصب الحكومية. حتى أنّه بعكس جميع الأحزاب الفاعلة في الحياة السياسية اللبنانية، لم يكن يمنح الغطاء السياسي لأيّ تجاوزٍ على القانون، فضلاً عن تجاوزاتٍ على صلاحيات الدولة بكل مؤسساتها. امتاز بانضباطيةٍ عالية وحديدية كمؤسسة وكأفراد تجاه صلاحيات الدولة، ولم يحظ المتجاوزون في بيئته بأيّ حماية، وكانت سياسة الحزب تجاه الدولة تشبه العقيدة غير المسموح بتجاوزها، فلا يمكن التعدي على صلاحياتها ولا يمكن لعب دورها.

ومنذ انتصار الدولة السورية وما تلاه من التحرير الثاني، وما بدا أنّه إفشالٌ للمشروع الصهيو-أمريكي لتقسيم المنطقة وتفتيتها، تحت أقنعةٍ زائفة من الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، لم يكن من السهل تجرع الولايات المتحدة هزيمة مشروعها، الذي كان بديلاً عن فشل المشروع الأول، من خلال هزيمة كيان العدو عام 2006 في لبنان. وبعد فشل المشروع للمرة الثانية في سوريا، لجأت الولايات المتحدة للحصار الاقتصادي والاستنزاف المالي، وبدت المعادلة أكثر وضوحاً، الخبز مقابل الاستسلام. وعملت الولايات المتحدة مع أدواتٍ داخلية محلية وأدواتٍ إقليمية، ليصبح الجوع هو سمة لبنان، والجوع المروّج له “سمته السلاح”، هذا السلاح الذي كان له عظيم الفضل في هزيمة المشروع الإمبراطوري الأمريكي للقرن الجديد، فالغفران الأمريكي لهذا السلاح ليس وارداً، هي لن تغفر له تحطيم مخططها للتربع منفردة على عرش العالم، وقد دفعت المليارات في سبيل شيطنة الحزب محلياً وإقليمياً، واستعانت بكل الأدوات الحادة والناعمة وحتى المثلمة منها، وصولاً إلى مرحلة الحصار والجوع والفراغ والفوضى.

وكان الحزب أكثر الأطراف الحكومية شجاعةً في تحمل مسؤولياته، وأقلها تهرباً مما تفرضه المسؤوليات حسب موقعه، بل لم يُسجل في تاريخه تهرباً من مسؤوليةٍ ألزم بها نفسه أو ألزمه موقعه بها، وهي مسؤوليات يفرضها حجمه التمثيلي حكومياً، وفي إطار عقيدته بأنّه طرفٌ ممَثَّل في الدولة وليس الدولة، وكان في إطار هذه المسؤولية المحدودة على مستوى الصلاحيات، يعرض الحلول والمخارج من حالة الحصار الاقتصادي، وهي حلول شديدة الواقعية، بل إنّ تطبيقها لتصبح واقعاً مَعيشاً لا يستلزم سوى مجرد قرار دولة. فتفعيل القطاع الزراعي أو القطاع الصناعي، يحتاج فقط لقرار دولة، كما التخلص من أزمة الطاقة بكل جوانبها من البترول إلى الكهرباء، لا يحتاج سوى لقرار، وكذلك أزمات البنية التحتية وغيرها. فالتوجه شرقاً متاح وبشروطٍ تفضيليةٍ لا تحتاج سوى إلى قرار أيضًا، وكانت كل هذه الحلول تقع على أذنٍ صماء، فالقرار الأمريكي هو حصار لبنان لتركيعه، وليس حصاره ليجترح الحلول فيجد طريقه للإفلات من القبضة الأمريكية، وبالتالي يصبح لبنان الدولة بيئة معادية للولايات المتحدة. وكانت مهمة الأدوات الأمريكية المحلية والإقليمية عرقلة كل الحلول وسدّ كل المخارج، فتصبح الخيارات منعدمة إلا من استسلام، أعطونا لبنانكم نعطكم خبزكم.

في ظل هذه الأوضاع أطل السيد نصر الله في خطابه المذكور آنفاً، حيث قال “إن لم تحل أزمة الوقود عن طريق الدولة، سنستورده من إيران، وسترسو الناقلات على شواطئ بيروت”، وهذا تحويل لمقترحات الحزب السابقة إلى عمل، وهي المرة الأولى التي يقف فيها حزب الله على هذا الطرف، وهذا ليس كلاماً عابراً ولا كلاماً منقطعاً، حيث في حال استمرار الإصرار على بقاء أزمة الوقود، سنرى الناقلات الإيرانية على شواطئ بيروت قطعاً، وستكون هذه أول الغيث لا آخره. ستكون سابقةً تشجع على ما يليها، لحلّ جميع الأزمات، وقد تتحول جميع مقترحات الحزب وعروضه السابقة إلى مشاريع قائمة، وهذا يستتبع إفلاتاً لبنانياً من القبضة الأمريكية، بكل ما يعنيه ذلك من آثارٍ كبرى على المشروع الأمريكي، والذي يأتي في رأس أولوياته حماية “إسرائيل” على حساب جغرافيا المنطقة ودماء شعوبها وأمعائهم، لذلك فإنّ دوائر القرار في الولايات المتحدة، والتي تدرك أنّ الحزب قادرٌ على تنفيذ وعد السيد، ستكون أمام خيارات محدودة، حل أزمة الوقود ولو بشكلٍ مؤقت، حتى لا يصل الحزب إلى نقطة اللاعودة، أو الإصرار على إبقاء الأزمة وتضخيمها، مع تحريك الأدوات من خلال بروباغندا للتصويب على الحزب بزعم “السطو على الدولة”، رغم أنّها نغمة أصبحت شديدة الملل، ولكن إن وصل الحزب إلى ذاك الطريق، فعلى الولايات المتحدة اعتبار نفوذها في لبنان تاريخياً لن يتكرر، وعليها الاستعداد لتكرار السيناريو ذاته في العراق ولو بعد حين.

 

العهد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى