استراتيجيا

ألكسندر دوغين للميادين: العالم يعيش مفترق طرق بين مستقبلين

بثت قناة الميادين مؤخراً اللقاء الذي جرى مع المفكر الروسي ألكسندر دوغين في حلقة برنامج “في المعادلة“، بعنوان “العالم ما بعد الحرب”، وفيما يلي نص المقابلة الكامل.

من العملية العسكرية الخاصة إلى المواجهة الشاملة

الميادين: العملية العسكرية الخاصة تحولت اليوم إلى مواجهة شاملة بين روسيا والمعسكر الغربي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. كيف تدحرجت كرة الثلج ووصلت المواجهة إلى هذه المحطة؟

بداية، نحن في حاجة إلى فهم إطار هذا الصراع. ومن أجل فهم ذلك بصورة صحيحة، نحتاج إلى إلقاء نظرة على حكم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وعلى كل التاريخ الجديد لروسيا في الأعوام الثلاثين الماضية. يتم تقسيم هذه الفترة الزمنية إلى قسمين: بادئ ذي بدء، دخلت روسيا، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار النظام الشيوعي والإمبراطورية الشيوعية العظمى، مرحلة من الخضوع التام للغرب. لقد قبلنا الأيديولوجيا، والليبرالية، والسوق الرأسمالية، والديمقراطية، والقيم والحقوق الإنسانية، والتقدم، والتحرير… كل ذلك كان نوعاً من الأيديولوجيا الروسية الجديدة: الخضوع التام للغرب، واتّباع كل أوامر واشنطن.

خطوة بخطوة، أعطى ذلك الشعبَ الروسي إحساساً عميقاً بالتعاسة والانهيار والمأساة. وفي موجة الكراهية هذه (من الشعب الروسي) تجاه النخبة الليبرالية الغربية، وصل بوتين إلى السلطة. كانت تلك هي المرحلة الجديدة. حاول بوتين ترسيخ السيادة، أو استعادة السيادة لروسيا، لكنه قبل، بدوره، جميعَ أنواع القيم الغربية. كانت كلّ مطالب حكم بوتين هي مطالبة الغرب العالمي بمنح روسيا نوعاً من الاستقلال والسيادة والحكم الذاتي داخل النظام العالمي. وكان ذلك مهماً جداً. لكنّ فكرة سيادة الأمة، مع القبول العام للقيم الغربية، قادت نظام بوتين إلى موقف حَرِج، لأن الغرب لم يكن يريد أن يمنح ذلك لروسيا. وظهرت التناقضات وارتفعت، حتى وصلنا إلى مواجهة مباشرة بين سيادة روسيا والهيمنة الغربية/أجندة العولمة.

قبل عام واحد بالتحديد، عندما كان الغرب يَعُدّ روسيا نوعاً من التحدي لهيمنته العالمية، بينما كان بوتين في الواقع يطالب فقط بالاحترام داخل النظام العالمي، أدى ذلك إلى خلق معارضة داخلية. ولهذا السبب، اعتقد بوتين أن الانتصار في الحرب سيكون سهلاً للغاية. أخيراً، واجهنا خلال هذا العام معارضة راديكالية غاضبة من كل الغرب. أصبح هذا الصراع، خلال هذا العام من المطالبة بالسيادة لجزء من النظام الليبرالي العالمي، مواجهةً عميقة وحقيقية بين الحضارات. وروسيا الآن في وضع حرج للغاية، لأن بوتين بدأ هذا الصراع (العملية العسكرية الخاصة) للمطالبة بالسيادة. نحن الآن ملزَمون، كشعب روسي، بالدفاع عن حضارتنا. لقد تغيّر هذا الصراع بصورة جذرية. لقد بدأ كمطالبة بالسيادة واحترام الجزء المستقل من الحضارة الغربية الليبرالية العالمية في حالة روسيا، والآن نحن نقترب من مواجهة بين حضارتين، الحضارة الروسية والحضارة الغربية. هذه ليست فقط مشكلة فنية تتعلق بكيفية الانتصار على أوكرانيا والغرب، لكن كيف نكسب سوء فهمنا لهويتنا الداخلية الحقيقية. هكذا أرى الوضع بعد عام من الحرب.

الميادين: يقول المفكر الفرنس، جان بودريار، إن السلاح النووي لم يوجد إلّا لغايات الردع، وكان يستبعد، في كتاباته، أي استخدام لهذا السلاح في زمن اليوم. هل تعتقد أن المواجهة الحاسمة اليوم قد تقود إلى حرب نووية؟

إذا كانت ستقع أيّ حرب نووية على الإطلاق، فهي ستحدث الآن. نحن أقرب إلى بداية حرب نووية أكثر من أي وقت مضى في التاريخ. ومع ذلك، فأنا على شبه يقين، في هذا الوقت، وكذلك في الماضي، من أن ذلك لن يحدث، ويمكنني تقديم الحجج التي تدعم موقفي.

الميادين: إذاً، كيف يمكن لهذه الحرب أن تنتهي ميدانياً؟

فيما يتعلق بكيفية انتهاء الصراع، أو أين يمكن أن ينتهي، لدينا ثلاثة خطوط، بحيث يمكن لروسيا من الناحية النظرية أن توقف العملية العسكرية الخاصة. الحد الأدنى للموقف هو التحرير الكامل لأربع مناطق جديدة مكتسبة: دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا. عندما يتم تحرير كل هذه الأراضي الجديدة، يمكننا التفكير في إنهاء العملية، أو وضع إطار عمل للسلام. الخط الثاني، الذي قد تتوقف عنده الحرب بالنسبة إلينا، هو تحرير 3 مناطق أخرى هي: أوديسا ونيكولاييف، وهذا يعني تحرير شمالي روسيا بالكامل. أمّا بالنسبة إلى الخط الثالث، فربما نحرّر كل أراضي أوكرانيا، ولا نسمح لنظام النازيين الجدد الإرهابي بالوجود في هذه الأرض.

إذا كان (الوضع) أقل من هذه الخطوط الثلاثة، فلا يمكننا تخيل بداية السلام. ولا شيء مقبول من الجانب الروسي قبل تحقق ذلك. لهذا السبب، أعتقد أن الحرب ستستمر فترة طويلة، لأنه ليس من السهل التغلب على الغرب بأكمله، الذي يدعم أوكرانيا حالياً. إن اللجوء إلى خيار استخدام سلاح نووي ممكن، لكن ليس محتملاً، والسبب، في اعتقادي، أن ذلك هو أن بداية نزاع نووي ستعني على الفور إبادة البشرية وكل الحضارة. لا يمكن لروسيا استخدام السلاح النووي إلّا في الموقف الأخير، عندما – على سبيل المثال – تأتي القوات الأوكرانية إلى تولا أو موسكو بدعم من الغرب. عندما يبدأ الهجوم الخطير على أراضينا القديمة، على نطاق واسع، أو في حالة اضطرابات داخلية وثورة يدعمها الغرب. هذه هي الحالة الوحيدة التي قد نستخدم فيها السلاح النووي.

لا يمكن للغرب استخدام السلاح النووي أولاً بسبب اعتبارين مهمين: أولاً، سيؤدي هذا إلى رد فوري منا، بالإضافة إلى إبادة البشرية، لأن حلف الناتو والولايات المتحدة ليس لديهما بعدُ دفاع ملائم وآمن ضد هجوم نووي روسي محتمل. سيتم تدمير الإنسانية إذا بدأ الغرب “الحرب النووية” بنفسه. لن يكون ذلك انتصاراً للغرب، بل إبادة ذاتية للبشرية. في الوقت نفسه، الغرب ليس في الموقف الراديكالي نفسه، مثل روسيا. لقد أظهرنا ضعفنا، ولم نكن مستعدين لقيادة مواجهة شاملة مع الغرب، ولا يمكننا إيقاف ما بدأناه. لذا، لا يمكننا القدوم إلى محادثات السلام قبل الحصول على الحد الأدنى من الموقف. نحن في وضع شبه يائس. على العكس من ذلك، فإن الغرب ليس كذلك على الإطلاق.

على سبيل المثال، لن تعني خسارة أوكرانيا خسارة كل شيء بالنسبة إلى الغرب. لقد شيطن الغرب روسيا كلياً، بمن في ذلك جزء كبير من السكان، الذين هم في معارضة راديكالية للنظام والوضع الاقتصادي والحيوي الصعب . إذا خسر الغرب أوكرانيا، فيمكنه اعتبار هذه الخسارة ثمناً للنصر العالمي للشيطنة والتهميش لروسيا، التي تخضع للعقوبات، والمقطوعة تماماً عن التقنيات الجديدة. يمكن للغرب اعتبار خسارة أوكرانيا بسهولة، وتقديمها على أنها انتصار، وستكون انتصاراً في الواقع لأن روسيا ستكون في حالة فوضى عارمة وهي تحاول دمج هذا الجزء من العالم الروسي. إنه نصر صعب جداً لروسيا. سيكون انتصاراً، لكنه ليس انتصاراً جذرياً، بل سيكون نجاحاً صغيراً للروس في الدفاع عن أنفسهم. بينما، بالنسبة إلى الغرب، لن تكون خسارة أوكرانيا ذات أهمية كبيرة، في البعد الاستراتيجي. أوكرانيا سوف تضيع في أي حال. في المستقبل، لا توجد حالة يمكننا فيها تخيّل وجود أوكرانيا. أوكرانيا سوف يكون محكوماً عليها بالفشل. يمكن أن تُهلك البشرية جمعاء، أو فقط الدولة القومية (أوكرانيا) التي سيتم دمجها بأي ثمن في روسيا.

الميادين: تقول في كتابك، “الجغرافيا السياسية لما بعد الحداثة”، إن الخطر الأكبر الذي يهدد روسيا هو الخيانة الجيوسياسية للنخبة الروسية المؤيدة للعولمة. أين وصلت حدود هذا الخطر مع انطلاق المواجهة ضد الغرب؟   

بالضبط، هذه هي المشكلة الرئيسة الآن. نحن ببساطة لا نستطيع الفوز مع وجود هذه النخبة. تم تشكيل النخبة الروسية لدينا خلال تسعينيات القرن الماضي. كانت نخبة موالية للغرب وأوليغارشية وفاسدة كلياً، وتشترك في الرغبات الغربية (بشأن روسيا) بالكامل. هذه الطبقة، في حد ذاتها، خسرت تقريباً كل شيء اكتسبته خلال الفترة السابقة، بعد بدء العملية الخاصة.

أخذ بوتين عناصر هذه النخبة كرهائن، لأن الغرب قطع على الفور وصولها إلى الأموال المسروقة والموضوعة في البنوك الغربية. فقدت هذه النخبة كل شيء على الفور. الآن، هي تقاتل، بصورة يائسة، لوقف الحرب والوصول إلى السلام، لكن مصالح روسيا لا تتوافق مع مطالب هذه النخبة. هذا هو الذعر الحقيقي داخل هذه النخبة. لا يمكنها إطاحة بوتين لأنه قوي ومدعوم من الأغلبية المطلقة من الشعب. وضع بوتين خارج النقاش. هذه النخبة في وضع حرج للغاية. تحاول وقف الحرب، لكنها غير قادرة على ذلك. لا يمكننا الفوز في ظل وجود مثل هذه النخبة لأنها خائنة. أعضاء هذه النخبة مجموعة من “الروسيفوبيا” (الرهاب من روسيا)، مثل نخب العولمة الغربية الأوكرانية. لا يريد بوتين تغييرهم أو تدميرهم أو التضحية بهم، لكنهم بالفعل محكوم عليهم بالفشل. وجودهم يتعارض مع المستقبل. سيتم تدميرهم في أي حال، ومهما كانت نتيجة الحرب.

 

إذا تم تدمير روسيا، فسوف يتم تدميرهم، لأنهم دعموا بوتين. و إذا أخذت روسيا الحرب على محمل الجد، كما يجب، فسوف يتم تدمير هذه النخبة من جانب النخبة الجديدة التي ستظهر نفسها خلال هذه العملية العسكرية الخاصة، والتي أصبحت الآن حرباً أوروبية كبيرة.

هذه النخبة لا يمكنها القتال. أعضاؤها خونة ولصوص وعولميون وعملاء لشبكة ليبرالية، ويجب تنحيتهم جانباً. إنهم يرفضون التنحّي جانباً. لذا، فإن موقفهم دقيق جداً الآن، وهم عقبة حقيقية أمامنا للفوز. إنهم غير متوافقين مع روسيا الآن، لكنهم لا يزالون يسيطرون بقوة على مكانتهم في المجتمع. هذا يخلق مشكلة أو معضلة للنصر، وإذا لم يتم حل هذه المعضلة فسيحدث شيء غير عادي للغاية.

مستقبل النظام الدولي وخرائط التحالفات

  • دوغين: انتصار روسيا في أوكرانيا يعني عالماً متعدد الأقطاب، خارج دائرة الهيمنة الغربية
    دوغين: انتصار روسيا في أوكرانيا يعني عالماً متعدد الأقطاب، خارج دائرة الهيمنة الغربية

الميادين: استشرفت في مؤلفاتك، وفي أكثر من مناسبة، مستقبل العالم، وكنت تحدثت عن ملامح ممكنة في عام 2050م، ومنها انهيار المنظمات الدولية وتداعيها، مثل الناتو، ويحدث ذلك بعد محاولة فاشلة للولايات المتحدة في تأسيس حكومة عالمية يتحكم فيها الغرب. هل ترى أننا نسير حقاً في هذا الاتجاه؟

أعتقد أننا وصلنا الآن إلى مفترق الطرق. لدينا مستقبلان محتملان؛ مستقبلان لـ”خمسينيات القرن الحادي والعشرين” (عام 2050). هذا مثير للاهتمام جداً. التاريخ مفتوح الآن، وهو في اللحظة التي تحدد فيها خطوة في اتجاه أو الأخرى. الآن، نحن مترددون. يتردد الهيكل العالمي بين سيناريوهين محتملين. يشهد السيناريو الأول لعام 2050 انتصاراً كاملاً، لا رجعة فيه، للقطبية الأحادية والعولمة، وتنصيب حكومة عالمية، وظهور عصر ما بعد الإنسانية، وتدمير الأنواع البشرية من جانب الأنواع ما بعد البشرية (الذكاء الاصطناعي، السيبرانية، الهندسة البيولوجية، التكوين الجيني الجديد وجميع أنواع المخلوقات ما بعد البشرية). ومجتمع ما بعد الإنسان الموحد. إذا خسرنا، نحن الروس، هذه الحرب في أوكرانيا، فإن الغرب يحصل على الفور على فرصة تحقيق الأحلام العالمية الخاصة بـ جورج سوروس وكلاوس شواب، مجتمع مفتوح. وإذا انتصروا، فسيتم تأمين عالم معولم أحادي القطب من التحديات الخطيرة، التي يواجهها الآن.

المستقبل الثاني هو الذي ننتصر فيه، وهذا يغيّر كل شيء. روسيا تفوز بأوكرانيا، وسيتم تأمين عالم متعدد الأقطاب. خارج دائرة الهيمنة الغربية، سيظهر قطبان آخران: روسيا والصين.

ستظهر الهند قطباً ثالثاً. سيظهر قطب إسلامي رابع، وقطب خامس في أميركا اللاتينية، وسادس في أفريقيا. ليس هذا هو الحل التلقائي لجميع المشاكل، لكن هذا يعني نهاية الهيمنة العالمية لنظام واحد ممّا بعد الحداثة، والتقدم التقني، والفردية والذكاء الاصطناعي. سوف تنفصل الإنسانية في جزر الحضارات. أرخبيل من الحضارات، يتعايش بعضها مع بعض. يمكن أن يكون البعض في صراعات، ويمكن أن يكون البعض في سلام، ويمكننا تحديد بعض القواعد المشتركة بدلاً من نظام أحادي تقوده أميركا، نظام جديد متعدد الأقطاب، وكيفية حل المشاكل والصراعات بين الحضارات. سيأتي هذا في عالم جديد، بحيث لا تفوز فقط مجموعة واحدة من القيم، لكن عندما تكون لدينا مجموعات كثيرة من القيم للعديد من الحضارات.

على سبيل المثال، سيتم التعرف إلى الشريعة الإسلامية والتقاليد كمصدر أساسي للأنظمة السياسية والاقتصادية والميتافيزيقية والاجتماعية والأنثروبولوجية لجزء واحد من السكان: المسيحية الأرثوذكسية بالنسبة إلينا، والكونفوشيوسية والقيم الماوية للتقاليد الصينية والهندية للهنود، الغرب الليبرالي، حضارة المثليين والمتحولين جنسياً في الغرب (كجزء وليس ككل). لن يكون هناك مزيد من المتروبوليات الكبرى أو عاصمة العالم. ستكون جميعها مقاطعات. سيكون لدينا مقاطعة غربية، مقاطعة أوراسية، مقاطعة صينية… من دون عاصمة، أو نوع فريد من مجموعة القيم العالمية، كما في “المستقبل الرقم 1”. يتم فصل المستقبلين الآن، ويتم تحديد السيناريوهين الآن.

الميادين: كشفت الحرب صورة التحالفات في العالم. أريد أن أتحدث عن الحليف الصيني بالنسبة إلى روسيا. الصين، في خطواتها، متمسكة بنهجها التاريخي “قطرة قطرة يشقّ الماء الصخر”، لكن هذا مغاير للنهج الأكثر سخونة واندفاعاً لدى روسيا. كيف لهذين النهجين أن يتقاربا أكثر في إطار المواجهة ضد الهيمنة الغربية؟ 

سؤال عظيم. أعتقد أن من الواضح تماماً الآن من هو الحليف ومن هو العدو. العدو هو النخبة الغربية المعولمة والناتو والأطلسية. بالنسبة إلى روسيا، هذا هو العدو الحقيقي الرئيس والفريد. هذا لا يعني أن الغرب نفسه هو عدو. لا يمكن اعتبار الولايات المتحدة الأميركية، في ظل دونالد ترامب، وأوروبا الشعبوية، عدوتين. إذا رضي الغرب بدور كونه قطباً واحداً بين أقطاب أخرى، فإنه مرحَّب به، وسيتوقفون على الفور عن كونه عدواً لنا. ليس الغرب هو العدو بالنسبة إلينا، بل النخبة المعولمة، الطبقة الحاكمة في الغرب الليبرالي المعولم الحديث. الرئيس الأميركي جو بايدن والديمقراطيون والنخب الليبرالية في الاتحاد الأوروبي أعداء حقيقيون.

 

إذا قبل الغرب أن يكون قطباً بين أقطاب آخرين، فلن يكون عدواً بعد الآن. ليس من الضروري أن يكون صديقاً أو حليفاً، لكنه بالتأكيد لن يكون عدواً. الصين، التي تدافع بوضوح عن موقفها كقطب مستقل ضد الغرب المعولم، هي حليف لروسيا. تتوافق الاستراتيجية الصينية مع الهوية والاستراتيجية السياسيتين الصينيتين، وأعتقد أنها مثالية. إنها تلائم الصين بصورة جيدة جداً. يمكن للصين أن تنتظر، وتستعد للمواجهة خطوة خطوة. نحن (الروس) مغايرون تماماً. لدينا مزاج مغاير كلياً، ونحن أكثر هستيرية وجنوناً. تبِعنا الغرب فترة طويلة جداً، ثم جاءت اللحظة التي نقول فيها للغربيين: “نحن نكرهكم، لقد خنتمونا. سنقاتل ضد قبول أوامركم ورغباتكم تماماً”.

الصينيون هم أكثر حرصاً، لكنهم يتجهون نحو المواجهة نفسها التي نواجهها الآن. تايوان، أو مشكلة حدودية أخرى في المحيط الهادئ، ستقود الصين عاجلاً أو آجلاً إلى مواجهة مباشرة مع الغرب، لكن الصينيين سيبدأون عندما يعتقدون أن الوقت حان للقيام بذلك. إنهم يحسبون الوقت، ويستعدون، وينتظرون – ويمكنهم الانتظار فترة طويلة -، لكن بمجرد أن يضربوا، وربما تكون ضربتهم أكثر نجاحاً من ضربتنا (وربما لا)، سيكونون مضطرين إلى الدخول في مواجهة مباشرة مع النخبة المعولمة.

إذا انتصرنا قبل ذلك، فيمكننا تمهيد الطريق أمامهم لتحقيق الهدف من دون أيّ تسديدة، لأننا تحملنا المسؤولية بالفعل على حساب أنفسنا. هذه هي طريقة سلوكنا عبر التاريخ. نحن ننقذ البشرية من عدو عالمي، من الشيطان، ولا أحد يشعر بالامتنان الكافي لنا. نحن الآن نحارب الشيطان الحقيقي – جو بايدن، وسوروس، وشواب، والمجانين العالميين في الغرب -، لكننا نفعل ذلك بصورة تاريخية، والصينيون يفعلون الشيء نفسه، لكن بحذر شديد. نحن أبطال حقيقيون للإنسانية، لكن لا أحد يدرك ذلك. ومع ذلك، نحن الأبطال الحقيقيون الذين يحاربون الشر العالمي الحقيقي. يتبعنا الصينيون في ذلك، في محاولة لتأمين ظروف أفضل في قتالهم، لكنهم في صفنا. أنا متأكد من أن الهنود إلى جانبنا، وأنا على يقين من أن الحضارات الإسلامية هي إلى جانبنا، وستكون إلى جانبنا، وستفهم أميركا اللاتينية وأفريقيا أيضاً حقيقتنا في القتال، وستستخدم ثمار المستقبل متعدد الأقطاب. لكني أعتقد أنه، مرة أخرى في التاريخ، نحن مضطرون إلى القيام بهذه الوظيفة المأسَوية بأنفسنا، والتضحية باستشهاد أطفالنا.

الميادين: ألا تعتقد أن العولمة، عبر تشابك خيوطها وأنسجتها، جعلت من الصعب العودة إلى مفهوم الدولة القومية، في تعريفها التقليدي؟ 

التفكير من منظور الإمبراطوريات هو التفكير نفسه من منظور القارات والمساحات الكبيرة في المفاهيم الاستراتيجية الألمانية. نحن في حاجة إلى تجاوز حدود الدول القومية، لأن الدول القومية تنتمي إلى الحداثة الغربية. الدول القومية تنتمي إلى الماضي، ليس بسبب العولمة، لكن بسبب التعددية القطبية. أعتقد أن إيران قطب حضارة شيعية. تركيا هي إلى جانب العالم العربي، وباكستان أحد أقطاب الحضارة السنية. لكن، من المهم أن نتخلف عن التقاليد الإمبراطورية، لأننا إذا رفضنا، كما تفعل الآن الإمبراطورية الديمقراطية الليبرالية العالمية، فلا يمكننا العودة إلى الدولة القومية.

الدول أصغر من أن تمنحنا سيادة حقيقية. نحن في حاجة إلى إعادة إنشاء نوع من إمبراطورية جديدة أو استعادة الأقدم، والأمر الأخير أسهل كثيراً. الأمران شيئان متباينان. بصفتنا ما تبقّى من الإمبراطورية السابقة، لدينا الحضارة التي توحّدها مجموعة من القيم والسلوك والمعتقدات الدينية والمواقف المشتركة بين الناس. يجب أن نتعامل بواقعية مع هذه الملاحظة، وأن نحاول استعادة استقلال العالم الإسلامي على سبيل المثال، بناءً على سابقة تاريخية للإمبراطوريات التي كانت موجودة في تلك المنطقة. فيما يتعلق بهذا الاتجاه الجيوبوليتيكي الإقليمي المحض، فهذه رؤية قديمة، إلى حد ما، لجميع المناطق. أعتقد أننا الآن في حاجة إلى تحديد “قلب العالم”.  تحديد أوراسيا على أنها “قلب العالم” الجيوسياسي الجديد.

أعتقد أننا الآن في حاجة إلى إعلان وجود عدد من مناطق”قلب العالم”، ليس فقط روسيا وأوراسيا. نحتاج إلى تأكيد وجود “قلب للعالم” صيني مستقل تماماً، “قلب للعالم” هندي، “قلب للعالم” إسلامي،”قلب للعالم” أفريقي أسود، “قلب للعالم” لأميركا اللاتينية، “قلب للعالم” لأوروبا، “قلب للعالم” لأميركا الشمالية. نحن في حاجة إلى التفكير في “قلب للعالم”. بالنسبة إلى التفكير، “قلب للعالم” هو نفسه التفكير بشأن الإمبراطورية أو المساحة الكبيرة. هذه هي الطريقة التي أتصور بها الهندسة المستقبلية للعالم، ولن يكون هناك مزيد من هيمنة الشمال على الجنوب. نحن في حاجة إلى خلق توزيع متوازن ومتساوٍ للقوة بين الشمال والجنوب، ولا يجب أن يشعر الجنوب بأنه مجموعة ثانوية من القوة. نحن في حاجة إلى تدمير كل آثار التفكير الاستعماري والاعتراف بالكرامة الكاملة لجميع الحضارات، ووضعها على قدم المساواة.

  • دوغين: لا تستطيع أوروبا أن تختار قادتها لأن الجماعات الموالية لأميركا دمرت أي إمكان لتوبة سياسية
    دوغين: لا تستطيع أوروبا أن تختار قادتها لأن الجماعات الموالية لأميركا دمرت أي إمكان لتوبة سياسية

الميادين: يبدو الموقف الأوروبي بشأن روسيا متبايناً عن الموقف تجاه الصين، تحمس الأوروبيون لدعم واشنطن في مواجهة روسيا، وتحديداً في بداية الحرب، لكن لا نجد حماسة مماثلة عنده للحاق بواشنطن لمواجهة الصين. ماذا تعتقد؟

أعتقد أن أوروبا أُتيحت لها الفرصة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي لتأكيد نفسها كقطب مستقل عن الولايات المتحدة. لقد أتيحت لأوروبا الفرصة في إنشاء بناء جديد لنظام أمني مشترك مع روسيا من أجل تأمين موقعها أمام الولايات المتحدة، لكن أوروبا فقدت هذه الفرصة كلياً. كان هناك تغيير في النخب عندما تمكنت الولايات المتحدة من وضع الدمى المؤيدة للّيبرالية والمؤيدة للأطلسية، والتي يسيطر عليها سوروس بالكامل وجميع هذه الأنواع من الحكومات العالمية، في وسط البلدان الأوروبية الرئيسة.

لقد حلّت أنجيلا ميركل التابعة محل غيرهارد شرودر المستقل، وتم إبدال الرئيس الفرنسي المستقل بنيكولا ساركوزي وإيمانويل ماكرون. لقد غيروا النخبة الحاكمة تماماً. النخبة الأوروبية لم تعد أوروبية. ليس لديها الحرية. أوروبا يمكنها أن تكون موجودة حالياً فقط بعد الاضطراب الكبير في أراضيها. لا تستطيع أوروبا، بالطريقة السلمية العادية، أن تختار قادتها لأن الجماعات الموالية لأميركا والليبراليين الاستبداديين دمرت أي إمكان لتوبة سياسية.

لقد عرفنا الشمولية الفاشية والشيوعية السوفياتية، والآن لدينا شمولية ثالثة: الشمولية الليبرالية. دمر الحكم الشمولي الليبرالي للنخبة الأطلسية العالمية أي معارضة. لذا، فإن أوروبا خارج المعادلة. من الناحية النظرية، لا يزال إمكان أن تصبح أوروبا قطباً مستقلاً عن الولايات المتحدة قائماً، لكن لا شيء يثبت أن هذا الاحتمال سوف يستخدمه المجتمع الأوروبي، الذي يخضع كذلك للذكاء الاصطناعي والحرمان الثقافي التام. والشعب الأوروبي ليس لديه القوة لبدء أعمال شغب حقيقية ضد هؤلاء الدكتاتوريين الليبراليين العالميين، الذين وضعتهم أميركا.

من الطبيعي أن تكون روسيا حليفةً لأوروبا المستقلة، لكن السياسي الأوروبي لا يجرؤ الآن على قول كلمة لطيفة عن روسيا، خشية التدمير المادي. الصين هي القطب الفريد، بحيث المواجهة الآن ليست واضحة. يمكن أن تتباين النخبة الأوروبية في الوقت الحالي عن السادة الأميركيين. لكن عندما تأتي المواجهة، ستقع أوروبا في حضن الولايات المتحدة كالنعجة. لم يعد هناك شعب أوروبي، هناك عبيد أوروبيون. إنهم مستعبدون تماماً من جانب دعاة العولمة وما بعد الإنسانية؛ من جانب النخبة الليبرالية التي تكره التقاليد والثقافة الأوروبية وتريد تدميرها بصورة كلّيّة. وهذا بالضبط ما يفعلونه عبر فرض قيم وسلوكيات معادية لأوروبا، ومَلء أوروبا بالمهاجرين من ثقافات مغايرة من أجل تدمير الهوية الأوروبية.

الميادين: فيمَ تتباين الخطوة الروسية في هذه المواجهة، والتي بدأت بالعملية العسكرية الخاصة، عن الخطوات السابقة، مثل أحداث جورجيا عام 2008، أو القرم عام 2014؟

لقد فزنا بسهولة في الجولة الأولى من دون أي تغيير في نظامنا السياسي أو نظامنا الحضاري. لقد عَدَدْنا أنفسنا جزءاً من العالم الغربي الذي حل مشكلة إقليمية تقنية مع جورجيا، وكان ميدفيديف مستعداً لمواصلة تكثيف الحوار مع الغرب على الرغم من فترة عام 2008. لم يصرّ الغرب على روسيا، معتقداً أن ميدفيديف لا يزال في إمكانه البقاء رئيساً لفترة ثانية، وبدا ليبرالياً. كانت الجولة الثانية أكثر صعوبة. ربحنا شبه جزيرة القرم، لكننا تلقينا أيضاً عقوبات ضخمة وكراهية حقيقية من الغرب، لكننا أوقفنا “الربيع الروسي”، واعتقد بوتين أنه يمكننا حل الوضع سلمياً إلى حد ما، كما في الجولة الأولى في جورجيا. لم تكن هذه هي الحال. وعلى الرغم من كل وعود الدول الغربية، فإن أوكرانيا لم تحترم اتفاقيات مينسك، وشرع الناتو في تقديم الأسلحة والدعم السياسي إلى أوكرانيا، وتعزيز أيديولوجيا “الروسيفوبيا” (الرهاب من روسيا) النازية على نطاق واسع، وتدريب الجماعات الإرهابية في أوكرانيا.

كان الانتصار الأول تقنياً، تقريباً من دون عواقب. أعلنت روسيا نفسها جزءاً من العالم الغربي، وعدّت الصراع الأوكراني مشكلة إقليمية فنية. تم الفوز بالانتصار الثاني جزئياً، لأننا توقفنا عندما كان لا ينبغي لنا ذلك، وكان ذلك خسارة جزئية وانتصارا جزئياً. الآن، في الجولة الثالثة، وصلنا إلى مواجهة واسعة النطاق مع الغرب، والغرب ينظر إلينا على أننا تمرد لحضارة بديلة، لكن في أذهان حكامنا هذه مشكلة تقنية إقليمية سارت على نحو خاطئ في مرحلة ما. لا نحتاج إلى إعادة وضع موقفنا على ما يجري إلى جانبنا لأننا نحن حقاً داخل حرب الحضارات؛ حرب الحضارات العالمية الثالثة على نطاق واسع. لا يزال جزء كبير من النخبة لدينا يرى ذلك مشكلة فنية على المستوى الإقليمي، وحكومتنا لا تريد أي تغيير جدي في النظام السياسي، لكن هذا التغيير لا مفر منه. لا يمكننا أن نحلم بالنصر من دون تحول عميق في نظامنا، سياسياً وثقافياً واقتصادياً.

الميادين: تتحدثون كثيراً عن الخصوصيات الثقافية بين الحضارات، وضرورة المحافظة عليها وحمايتها. اليوم، يعيش العالم تطوراً تكنولوجياً هائلاً ومتسارعاً على نحو غير مسبوق في التاريخ. لكن، في الوقت نفسه، هذا التطور (الذكاء الاصطناعي، السايبورغ، الاختراق البيولوجي… إلخ) ربما يعزز نهج العولمة وأدبيات الغرب أكثر مما يعزز فكرة خصوصية الهويات التي تتحدثون عنها. بمعنى آخر، تبدو التكنولوجيا الحالية منحازة إلى تدمير الهويات، وليس إلى المحافظة عليها. ماذا تعتقد؟

يجب أن نفكر بعمق في ماهية التقدم التكنولوجي. التكنولوجيا عند النقطة التي وصلت إليها الآن ليست مجرد أداة، إنها قدَر. مصير التكنولوجيا هو القضاء على أي هوية ثابتة ودائمة لأي مجتمع. التكنولوجيا تعني تغيير جوهر الإنسان. إن الجوهر كمفهوم قد فقدت صدقيته في الفلسفة التكنولوجية الحديثة. لذا، فإن التكنولوجيا هي على وجه التحديد موت الهوية. أنت محق تماماً عندما تقول إن التكنولوجيا في صف أولئك الذين يقاتلون ضد الهوية الجماعية. إنه ليس موقفاً صعباً لأولئك الذين يدافعون عن الهوية تجاه التقنية والاستخدام الماهر للتقنية من جانب أولئك الذين يحاولون تدمير الهوية. إنه ليس توزيعاً عرضياً للأدوار. نحن نخسر المعركة على التقنية لأن التقنية في مصلحتهم. فهي ليست محايدة، بل إنها أيديولوجية، وأيديولوجيا التقنية تدمر أيّ هوية مستقرة.

كيف تربح أسلحة تكنولوجية بحتة تُستخدم ضدنا، تتطلب إعادة تملكها واستخدامها لمصلحة الهوية. نحن في حاجة إلى استعارة أو تقليد تقنياتهم من دون السماح لهم بتدمير جوهر نضالنا. إنه مثل التحديث من دون التغريب. نحن في حاجة إلى فلترة وبناء حاجز لمنع العناصر السلبية المدمرة. هذا بالضبط ما يفعله الصينيون. إنهم يفرزون ما يجب أخذه ورفضه من الغرب، لأن ما يؤخذ من الغرب يقاتل بالضرورة مع الغرب. نحن في حاجة إلى التركيز على الحدود الميتافيزيقية، كما كانت ابنتي تقول، من أجل أخذ بعض الأشياء من الغرب من دون السماح لهم بتدمير هويتنا. هذه هي الطريقة الوحيدة للدفاع عن هويتنا والوقوف ضد الهجمات الغربية عبر مجموعة كاملة من الأسلحة التكنولوجية.

حرب الأفكار تشتعل أيضاً

  • دوغين: توقع غي ديبور تدهور المجتمع الغربي الذي فقد أي صلة بالواقع
    دوغين: توقع غي ديبور تدهور المجتمع الغربي الذي فقد أي صلة بالواقع

الميادين: في مناظرة جمعتك بهنري برنارد ليفي، كنت تحدثت عن المفكر الفرنسي غي ديبور، صاحب كتاب “مجتمع الفرجة” أو “مجتمع الاستعرض”، والذي يصف الإنسان الأوروبي بأنه بات متفرجاً على الحياة ولا يعيشها. هل وصلت أوروبا إلى هذا الحد؟  

أنا موافق. أعتقد أنه، منذ أعوام كثيرة، أعطى غي ديبور الصورة الصحيحة تماماً للمجتمع الغربي، وطور جان بودريلارد أفكاره، وقدم صورة رائعة عن المجتمع بلا حقيقة، يعيش في واقع افتراضي بحت لا علاقة له بالحقائق. كل شيء هو مشهد ونوع من الدراما المتعلقة بالدعاية والترفيه. هذه الواقعية تغلبت على الواقع تماماً. شهد غي ديبور اندلاع المجتمع الغربي وتوقع هذا التدهور في المجتمع الغربي الذي فقد أي صلة بالواقع. يتحول الغرب إلى مجتمع ما بعد حقيقي، وغي ديبورد كان أول من لاحظ ذلك، ووصفه بصورة صحيحة.

الميادين: ما الأسباب التي تدفع القارئ إلى تبني آراء ألكسندر دوغين بشأن الحضارات وخصوصياتها والجسور فيما بينها، ولا يتبنى مثلاً صدام الحضارات لهنتنغتون، أو نهاية التاريخ لفوكوياما؟

عندما ناقشت مع برنارد هنري ليفي كتابه “الإمبراطورية والملوك الخمسة”، أكدت نقطة واحدة. ووفقاً له، فإن الإمبراطورية هي العولمة المطلقة وحكم العولمة الليبرالي الغربي على البشرية. لقد اعترف صراحة بأنه فارس ومدافع عن هذه الإمبراطورية الرأسمالية الليبرالية العالمية. هناك خمسة ملوك، بحسب كتابه: روسي، إيراني، صيني، تركي وعربي إسلامي، يقاتلون ضد الإمبراطورية. قلت في المناقشة في أمستردام إنني لا أمثل ملكاً واحداً فقط، لكني أمثلهم جميعاً، لأنني أؤيد جميع الهويات، حتى تلك الخاصة بالملوك، غير المذكورة في الكتاب. إذا اخترت نفسك، فأنت تختار استقلالك للهيمنة العالمية، ومستقبلك وحريتك. أنت لا تبدل الهيمنة الأميركية بالهيمنة الروسية أو الصينية. أنت ترفض الهيمنة باسم حريتك. بطريقة ما، أنا سفير التعددية القطبية ضد الأحادية القطبية، وهذا هو السبب في أنني أدفع مثل هذا الثمن في مقابل ذلك. اغتيلت ابنتي، وكانت هناك محاولة لاغتيالي، لأنني لست فقط ممثلاً وسفيراً لروسيا، بل سفير للبنان، سفير للشيعة والسنة، وسفير للصين، وسفير للهند، وسفير لأفريقيا؛ سفير للبشرية جمعاء. هذا هو سبب اختيارك لي، لأن اختيارك لي هو اختيارك لنفسك.

الميادين: ماذا تبقّى لانهيار النظام العالمي، في شكله الحالي؟

أعتقد أننا على وشك الانهيار العالمي لليبرالية. سيكون الدافع الرئيس هو نمو التناقضات داخل النظام العالمي، وإحدى هذه الأزمات هي ما لدينا في أوكرانيا. كان الغرب متأكداً كلياً من الربح بسهولة، لكن لم يكن الأمر كذلك. لقد ثارت روسيا على الغرب وستقاتل حتى النهاية، وهذا دافع إلى وقف العولمة. لقد عزل الغرب روسيا عن هذا النظام. لذا، لدينا مساحة ضخمة من العالم مأخوذة من النظام العالمي. إذا قطعونا، فيجب أن نقطعهم. نحن في حاجة إلى إنشاء نظام شبكة جديد خارج السيطرة الغربية، وقال رئيسنا إن هذه هي الحال بالضبط. نحن في حاجة إلى مواصلة العلاقات الدولية في نظام التجارة العالمية الفائز، لكن من دون هيمنة غربية. نحن في حاجة إلى قطع الغرب، وكل البقية يمكنها بسهولة تطوير أنواع جديدة من الترابط. العالم ليس الغرب، والعالمية ليست بالضرورة غربية. يمكننا أن نتخيل، ويجب أن نخلق عولمة بديلة، العولمة كنظام شبكة بين أولئك الذين يعترفون بالآخر كشركاء متساوين تماماً. يجب أن يقوم النظام على أساس العدل والمساواة. يمكننا الاستمرار في العلاقات متعددة الأقطاب في المستقبل. في الوقت نفسه، لا أعتقد أن العولمة لها المستقبل، لأنها تبدو خارج ما لدينا الآن. العولمة تقترب الآن من الانهيار، وللتغلب عليها يجب أن نتخيل شيئاً آخر. لهذا السبب، تنتمي النظرية السياسية الأولى إلى المستقبل، بينما العولمة تنتمي إلى نهاية الحاضر، وقريباً سوف تنتمي إلى الماضي. لجعل التعددية القطبية أمراً لا رجوع فيه، نحتاج إلى الانتصار في أوكرانيا. أطالب بدعم روسيا، لأن هذه حرب من أجل العدالة والازدهار والمصالح الثقافية والوطنية.

نقله إلى العربية: هيثم مزاحم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى