ألإنتقام الديمقراطي .. وسقط نتنياهو .
كتب رفعت ابراهيم البدوي | مستشار الرئيس سليم الحص
بفارق صوت واحد تمت الإطاحة بزعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو عن رئاسة الحكومة ليحل مكانه نفتالي بينيت اليميني المتطرف كرئيس لحكومة ائتلاف عجيب هجين حيث حصل على ثقة 60 صوتاً مقابل 59 لمصلحة نتنياهو.
هكذا انتهت رحلة «بيبي» زعيم حزب الليكود وأزيح عن مركز رئاسة الحكومة الإسرائيلية التي تولى رئاستها مرتين الأولى استمرت من عام 1996 إلى 1999، والثانية مستمرة منذ 31 آذار 2009، حيث أعيد انتخابه في العام 2013 والعام 2015 والعام 2020.
لم يكن من السهل الإطاحة بنتنياهو من الداخل الإسرائيلي والدليل هو الفارق الضئيل الذي حصل عليه منافسه نفتالي بينيت خلال تصويت الكنيست على الثقة، فلولا وجود رغبة من إدارة الرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن لما أزيح نتنياهو عن مركزه.
لم يعد خافياً وجود خلاف شخصي جوهري ومزمن بين الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة وبين نتنياهو وذلك منذ وقوف الأخير أمام الكونغرس الأميركي في العام 2015 ملقياً خطابه الشهير من دون تنسيق مع البيت الأبيض والذي هاجم فيه سياسة الرئيس باراك أوباما ومنتقداً إقدامه على توقيع الاتفاق النووي مع إيران.
حينها جو بايدن كان يشغل منصب نائب الرئيس الأميركي باراك أوباما إضافة إلى كونه رئيس مجلس الشيوخ بحكم منصبه، وتعبيراً عن غضب إدارة أوباما اضطر جو بايدن ومجموعة من أبرز أعضاء في الحزب الديمقراطي إضافة إلى 26 من أعضاء مجلس النواب الأميركي إلى مقاطعة خطاب نتنياهو احتجاجاً على تهجمه على الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما، الأمر الذي دفع الأخير إلى توجيه انتقاد لاذع وعلني لنتنياهو متهماً إياه بافتعال الأكاذيب والتفرقة في المجتمع الأميركي.
صحيح أن الرئيس الأسبق باراك أوباما هو الآن خارج مركز القرار الأميركي لكن كل الدلائل تشير إلى أنه يلعب دور الرئيس الظل لجو بايدن الذي لم ينس إساءة نتنياهو للديمقراطيين وأن الوقت قد حان لرد الصفعة لنتنياهو.
مما لا شك فيه أن تأييد نتنياهو المطلق والعلني للرئيس دونالد ترامب الجمهوري خلال حملة الانتخابات الرئاسية في أميركا أثار حفيظة وسخط الحزب الديمقراطي ليسجلوا نقطة سوداء في سجل نتنياهو.
وإذا عدنا للوراء قليلاً كان لافتاً تأخر اتصال نتنياهو لتهنئة الرئيس الأميركي جو بايدن الفائز بالانتخابات الرئاسية وذلك لأكثر من ثلاثة أسابيع ليضيف بذلك سواد سجله الحافل بالخلاف مع الديمقراطيين.
في مقابل ذلك لوحظ سرعة اتصال جو بايدن ووزير خارجيته أنطوني بلينكن برئيس حكومة العدو الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت ليس لفوزه بثقة الكنيست بل للتهنئة بإقصاء نتنياهو عن عرشه الحكومي.
إذاً الثأر الأميركي الديمقراطي ترجم بإزاحة نتنياهو عن مركز رئاسة وزراء الكيان الصهيوني، لكن نتنياهو لم يزل رئيساً لحزب الليكود اليميني وباستطاعته البقاء حاضراً على المسرح السياسي الإسرائيلي وبقوه حتى لو صار في صفوف المعارضة الداخلية وهنا يكمن السؤال المهم:
هل تكمل إدارة جو بايدن الديمقراطية تنفيذ انتقامها بالضغط لاستحضار تهم الفساد والرشوة التي تلاحق نتنياهو بهدف إزاحته عن رئاسة حزب الليكود أيضاً وبالتالي لضمان إقصائه عن المشهد السياسي بالكامل أم ستبقي عليه ورقة ضغط تستعمل عند الحاجة ضد نفتالي بينيت إذا حاول الخروج عن طوع إدارة بايدن؟
من الواضح أن إدارة بايدن قد اتخذت قرارها بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران ولو تأخر إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في إيران والمقرر إجراؤها في 18 من حزيران الجاري.
الخوف الأميركي من انفلات نتنياهو وإمكانية لجوئه إلى عمل عسكري في المنطقة يضر بالمصالح الأميركية كان احتمالاً وارداً وخصوصاً بعد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة السيبرانية التخريبية ضد مفاعل نطنز النووي الإيراني وإقدام الموساد الإسرائيلي على اغتيال علماء إيرانيين، ناهيك عن مهاجمة إسرائيل لعدد من السفن الإيرانية في عرض البحر، لكن إقصاء نتنياهو عن مركز القرار الإسرائيلي كان لا بد منه وضرورة أميركية وذلك لتأمين أرضية صالحة تمهيداً لعودة أميركا إلى الاتفاق النووي مع إيران ورفع العقوبات بشكل هادئ.
وبمعنى آخر فإن أميركا الديمقراطية أوقفت رصيد الدلع الذي كان ممنوحاً لنتنياهو إبان حقبة دونالد ترامب وأيضاً لكل من الدول العربية التي انحرفت عن مسار علاقتها بأميركا واتجهت نحو تطبيع العلاقات مع نتنياهو وارتمت بأحضانه.
لا فرق بين نتنياهو وبين بينيت فكلاهما يعارض إقامة دولة فلسطينية ويعلن عن رغبته في الاستمرار بتوسيع رقعة المستوطنات وزيادتها وضم المنطقة «جيم» من الضفة الغربية، ويعرب عن عدم تنازله عن القدس كعاصمة للكيان الصهيوني، ما يعني استكمال مسلسل التهجير القسري للفلسطينيين مع البقاء على حصار غزة وتهديد سكانها وأيضاً تمسك كل منهما باحتلال الجولان السوري، أي إن نتنياهو وبينيت وجهان لكيان واحد محتل ولنفس الأهداف.
الفارق الوحيد بين نتنياهو وبينيت هو ما صرح به نتنياهو علانية بوجود خلاف مستحكم بينه وبين إدارة بايدن حول ملف الاتفاق النووي مع إيران معترفاً بأن أميركا ستعود للاتفاق قريباً لكن إدارة بايدن طلبت منه إبقاء الخلاف الأميركي الإسرائيلي في الغرف المغلقة فيما خطاب بينيت كان مليئاً بالثناء على سياسة بايدن، أما نتنياهو فقد تميز عن خلفه بتفاخره القيام بأعمال تخريبية واغتيالات في العمق الإيراني وأمام الكنيست، كما أنه أفصح بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أباح له القيام بأعمال عسكرية لضرب أهداف إيرانية داخل سورية، ما يعني أن الغارات الإسرائيلية على سورية كانت تحظى بغطاء روسي.
وفي تحدٍ جدي لإدارة بايدن كما للداخل الإسرائيلي و من منبر الكنيست بالذات قال نتنياهو أن حكومة بينيت لن يكون بمقدورها حماية إسرائيل بمعنى أن حكومة بينيت ستكون أداة طيعة لإدارة بايدن.
نتنياهو ختم كلامه قائلاً إنه سيكون في صفوف المعارضة الشرسة منتصب القامة حتى إسقاط حكومة بينيت الهجينة وشدد على المضي قدماً بسياسته الآيلة لمنع تهديد الكيان الصهيوني ولو اختلف مع الحليف الأكبر الولايات المتحدة الأميركية.
خلاصة القول إن الكيان الصهيوني دخل مرحلة الفوضى السياسية ولو أن حكومة بينيت نجحت بالحصول على ثقة الكينيست لكنها ستواجه صعوبة بالغة في تجاوز ألغام زرعها نتنياهو إلا في حال قررت إدارة بايدن المضي في انتقامها الديمقراطي من نتنياهو شخصياً وذلك بإقصائه عن رئاسة حزب الليكود وعن المسرح السياسي تفادياً لجولة انتخابات مبكرة خامسة قد تعيد نتنياهو للواجهة وإعلان انتصاره على الحليف الأكبر أميركا.