إسماعيل النجار | كاتب وباحث سياسي .
المملكَة ألأردنية الهاشمية، دولَة عربية تأسست عام ١٩٢١ تحت إسم إمارة شرق الأردن، ثم تحولَ نظام الحكم فيها إلى ملكي برلماني عام ١٩٤٦ تناوبَ على حكمها أربعة ملوك آخرهم عبدالله الثاني الإبن الذكر الأكبر للملك الحسين بن طلال من زوجته الثانية البريطانية الأصل إنطوانيت غاردنر التي أنجبت له أربعة أبناء والتي لَم يَدُم زواجهما سوىَ لعشر سنوات بعد طلاقه الأول من الشريفة دينا إحدىَ أقربائه التي أنجبت كبريات أبنائه الأميرة عالية بنت الحسين وانفصلا بعد زواج دام لسنتين، ثم تزوج من الفلسطينية علياء فأنجبت له علي وهَيَّا قبل أن توافيها المنيَة أثر تحطم طائرة هليكوبتر كانت تقلها في طريق العودة من زيارة الى القصر الملكي، فعاودَ وتزوج بليزا الحلبي الأميركية من أصل عربي فأنجبت له أربعة أبناء أكبرهم الأمير حمزة.
خلال فترة علاج العاهل الأردني السابق الحسين بن طلال من مرض السرطان في أميركا كان شقيقه الأمير حسن ولياً للعهد، وعندما أبلغه أطبائه بفشل كل محاولاتهم بإنقاذ حياته وبأن أيامه أصبحت معدودة، وبينما كانت تتوارد إليه الأخبار من القصور الملكية عن بداية صراعات بدأت تنشب بين أفراد العائلة المالكة قطعَ الحسين بن طلال علاجه وعاد الى الأردن على عَجَل بعدما تلقى نصيحة بريطانية بعزل شقيقه الأمير حسن وتعيين نجله الأكبر عبدالله ولياً للعهد وبالفعل هذا ما حصل الأمر الذي أثار حفيظة زوجته الأخيرة لويزا الحلبي التي إعترضت وطالبت الحسين بالإيفاء بالوعد الذي قطعه لها بتعيين ولدها حمزة ولياً للعهد تمهيداً لتوليه عرش المملكة لكنه قام بتسوية الأمور وأوصى عبدالله بتعيين شقيقه حمزة ولياً للعهد بعد رحيله وتوليه العرش.
رحل الحسين بن طلال عام ١٩٩٩ وإعتلى نجله وولي عهده عبدالله الثاني العرش وتم تعيين أخيه حمزة ولياً للعهد بناءً على وصية أبيه الأمر الذي هَدَّاءَ الأمور قليلاً بين أفراد عائلة لويزا الحلبي (الملكة نور) وبين عائلة إنطوانيت غاردنير والدة الملك عبدالله،
إستمر حمزة بالعمل ولياً للعهد من عام ١٩٩٩ ولغاية العام ٢٠٠٤ خمس سنوات كانت عصيبة على عبدالله الذي لم يحتمل تحركات شقيقه ولي العهد المشبوهة والتي كان يسعى من خلالها تقريب العشائر الأردنية الأصيلة منه وعلى رأسهم آل المجالي والعبابدة والحويطات والعقيلات وغيرها من العشائر التي تشكل أهم اركان القوة للعرش الملكي الأردني، من خلال الزيارات وتقديم الخدمات والتعيينات لأبنائهم ومحاولة ترقية وتعيين بعض الضباط المقربين منه في مراكز حساسة داخل المؤسسات الأمنية والخدمية الأمر الذي إضطَر شقيقه الملك عبدالله الى عزله عن ولاية العهد برسالة ارسلها له مبرراً قراره بأنه يخدم مصلحة العائلة الهاشمية وقطع الطريق أمام إعتراض شقيقه علي إبن الحسين إبن الملكة علياء على تجاهله وهو أكبر من الأمير حمزة،
الملك عبدالله الثاني قطعَ الطريق أمام أطماع وأحلام شقيقه الأصغر حمزة بالوصول الى العرش عن طريق ما يرسم له.
الأميركييون الداعمون لحمزة لَم يخرج منهم ما يدين عزل الأمير حمزة عن ولاية العهد كما باركوا عند تعيينه!
والبريطانيون يسهرون على سلامة العرش وعاهله، في إشارة أن كل دولة تعمل بحكم قرب رجلها منها حسب تحدُر أصول الوالدة،
من هنا كان الصراع الخفي يدور بين عبدالله ذات النصف الإنكليزي،
وبين حمزة ذات النصف الأميركي،
بينما لم يهتم أي أحد لعلي إبن الحسين ذات النصف العربي الفلسطيني إبن الملكة علياء.
الخطوَة التي حصلت بالأمس في المملكة الأردنية الهاشمية ليست إلَّا ضربَة أمنية إستباقية من الملك عبدالله لشقيقه الأمير حمزة الذي لَم يتبع توصياته ولم يقتنع بما قسم الله له حتى بات يوسع مروحة إتصالاته الخارجية بأتجاه قصر اليمامة وأبو ظبي،
**طفحَ الكَيل عند العاهل الأردني وأمَر بالتحرُك الفوري لإيقافهُ عند حدِّه هوَ ومن معه قبل أن يكبر لفيفهم وجمعهم ويقسى عودهم وحينها لن ينفع الندَم.
صحيفة معاريف التي سَرَّبت الخبر قبل ثلاثة أيام والواشنطن بوست لَم يقوموا بعملهم صدفَة بل كان التسريب مقصود من الخارج لإلصاق تهمة قيام الأمير حمزة بالإنقلاب، ولو كانت هذه التهمة صحيحة لكانت تواردت أخبار إعتقال أو توقيفات بين صفوف العسكريين التي لم نسمع عنها أبداً وأقتصر كل ما حصل على اعتقال بعض المدنيين المقربين والمساعدين للأمير حمزة واللذين كانوا على علاقة جيدة وإتصال مع أمراء السعودية والإمارات، بينما الإنقلاب يحتاج إلى قِوَىَ عسكرية لم نسمع عنها أنها موجودة أو تحركت أو تم إعتقال أحد من القياديين او الضباط!
أكتفى الملك عبدالله بوضع شقيقه حمزة تحت الإقامة الجبرية فقط من دون أعتقاله، ولا شك أن الخطوة الملكية الأردنية قد جائت بعد مشاورات وضوء أخضر بريطاني مما يدُل على أنه كانت هناك نية أميركية لإيصال الأمير حمزة المولود من أم أميركية إلى العرش عالجتها بريطانيا بالتعاون مع العاهل الحالي بهدوء ومن دون ضجيج مما يؤكد خبث أمريكا وبريطانيا وتبايناتهم الخفيه وقلة الثقة التي تحيط بهم رغم كل ما يظهر للعالم من كذب ونفاق،
لكن هذا لا يمُر على المتابعين والمؤرخين اللذين كتبوا واللذين قرأوا عن الحرب البريطانية الأميركية قبيل نيلها الإستقلال والتباينات الكبيرة التي حصلت وتحصل بينهما منذ أمَد طويل.