تحسين الحلبي | كاتب وباحث فلسطيني مختص بالشؤون الإسرائيلية
من الطبيعي أن تعد كل هزيمة تلحق بالولايات المتحدة في المنطقة هزيمة لحلفائها على مستوى المنطقة وعلى مستوى العالم وبسبب عبء هذه الهزيمة عقدت الدول الأوروبية والولايات المتحدة مؤتمراً لدراسة مضاعفاتها في قمة «السبعة الكبار» قبل أيام بينما لم تلتفت واشنطن لحلفائها في دول الخليج بنفس الاهتمام وكأنها ستكتفي فقط بإرسال تعليماتها لهم فيما يتعلق بمرحلة ما بعد التخلي عن حكومة كابل واستلام طالبان للحكم، وحول هذه الملاحظة بالذات يحاول الكاتب السياسي في الشؤون الدولية والشرق الأوسط طوال ثلاثين عاماً والمؤلف لعدد من الكتب جيمس دورسي في تحليل نشره في 27 آب الجاري في المجلة الالكترونية «ريسبونسيبيل ستيتكرافت» الأميركية، تسليط ضوء على نتائج الهزيمة الأميركية على دول الخليج فيرى أن عدداً من المحللين لاحظوا أن الرياض لم تكن من بين العواصم العربية التي أعلنت عن تقديم المساعدة لواشنطن في تسهيل انتقال الأميركيين والمتعاونين الأفغان وعائلاتهم مع الجيش الأميركي من أفغانستان واستقبالهم في أراضيها، ويقول دورسي إن الزيارة التي قام بها وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى موسكو قبل أسبوع «شكلت رسالة سعودية صارخة وواضحة للولايات المتحدة فلم يؤجل الأمير السعودي زيارته في أوج عبء الانشغال الأميركي بالانسحاب بل سعى إلى تحصين بلاده بسياج هو التوقيع على اتفاقية تعاون عسكري مع روسيا» ويضيف: إن الرياض استغلت التوتر الأميركي الناجم عن السرعة في انسحابها للإسراع في عقد هذه الاتفاقية.
يبدو في واقع الأمر أن معظم الدول المتحالفة مع واشنطن أدركت أن حليفها الأميركي كعادته حين تتعرض قواته المحتلة للأخطار ويجبر على الانسحاب لا يعمل إلا لإنقاذ مصالحه ولا يكترث بمصالح حلفائه المحليين أو الإقليميين، فقد تخلت واشنطن بموجب هذه الهزيمة عن حكومة أنشأتها ودعمتها في كابل طوال عشرين عاماً، وهذا يعني عجزاً أميركياً وتخلياً عن حكومات مماثلة اعتادت واشنطن توظيفها في استراتيجيتها في المنطقة.
إن الأسرة المالكة السعودية تدرك جيداً أن واشنطن ستحتاج إلى دور كبير من الرياض في أي سياسة تعدها لمرحلة ما بعد الانسحاب خاصة لأن الأطراف المتنافسة على النفوذ في هذه المرحلة في أفغانستان كثر على مستوى المنطقة والعالم وبعضهم مجبر على الاهتمام بهذا الموضوع بهدف درء أخطار طالبان عنه أو توظيفها من جديد ضده فهناك باكستان وإيران وروسيا والصين إضافة إلى بعض دول آسيا الوسطى المجاورة. وفي ظل هذا التنافس لن تتردد واشنطن في استخدام الأموال السعودية والخليجية والقطرية لاستمالة طالبان وإعادة تسييرها في سياسة تخدم مصالحها، ويبدو أن طالبان بدأت تبعث برسائل إلى كل من يمكن أن تحصل منه على المساعدة في هذه المرحلة الحساسة والانتقالية في أفغانستان بهدف تثبيت حكمها وسيطرتها، كما يبدو بالمقابل فإن السعودية تسعى في هذه الظروف إلى تجنب دور مباشر تلزمها به السياسة الأميركية، لكن السعودية ستحاول في الوقت نفسه تجنب استفزاز طالبان خوفاً من أن تلوح دول أخرى باستخدامها للقبول بالانخراط في خدمة السياسة الأميركية بطريقة جديدة.
ليس من المستغرب أن تعد واشنطن سياسة تستغل فيها دولاً في آسيا الوسطى المتاخمة لأفغانستان لابتزاز روسيا، وهذا ما أدركته القيادة الروسية حين حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الأسبوع الماضي واشنطن بأن «روسيا لا ترغب أبداً بوجود جنود أميركيين في دول آسيا الوسطى».
فوضع طالبان في أفغانستان قابل أن يغري باستخدامها لأغراض متعددة وضد أطراف متناقضة في منطقتها ويدرك قادتها أن عدداً من الأطراف المتناقضة في أهدافها يسعون إلى خطب ودها.
لكن البارز في انعكاسات الهزيمة الأميركية في أفغانستان هو تناقص ثقة الدول المتحالفة مع واشنطن بقدرة الجيش الأميركي على الدفاع عنها وعن بقائها في الحكم، وقد تفرض هذه الحقيقة أن تلجأ العائلة المالكة في السعودية بعد الدرس الأميركي في أفغانستان، إلى إيجاد حل سريع مع صنعاء تتنازل بموجبه عن الكثير من شروطها المتشددة لكي تنهي الحرب في اليمن، وستكون خطوة كهذه في مصلحتها أيضاً لكن السؤال المهم هنا هو: هل ستسمح واشنطن للرياض بالسير نحو مشروع كهذا؟ وقد يجيب على هذا السؤال سؤال آخر مهم أيضاً وهو: هل استشارت واشنطن الرياض وغيرها من دول الخليج حين اتخذت قرار الانسحاب من أفغانستان لتزداد مظاهر التأزم في أوضاع حلفائها؟ هذه هي ضريبة التحالف مع واشنطن والتعويل على السياسة الأميركية التي تمنع الدول من تنويع علاقاتها وأشكال تعاونها بشكل مستقل لخدمة مصالح شعوبها، فهل سيحمل التوقيع على اتفاقية التعاون السعودي مع موسكو قبل أسبوع، بداية تطور جديد في السياسة السعودية في المنطقة؟